يتفق الجميع على أن القوائم المالية السنوية المراجعة وإيضاحاتها المصاحبة وتقرير مراجع الحسابات يشكلون مصدراً أساسياً لقرارات الاستثمار الرشيدة، وفي سوقنا المالية التي تطغى فيها نزعة الاستثمار الفردي على فكر الاستثمار المؤسسي تكون الحاجة ماسة لدى الأفراد المتداولين لامتلاك مهارة التعامل مع التقارير والقوائم المالية وفهمها الفهم الصحيح الذي ينعكس على ترشيد قراراتهم الاستثمارية. وسنستعرض في هذا المقال القوائم المالية المراجعة لعام 2006م لإحدى الشركات المدرجة في قطاع الصناعة وهي الشركة السعودية للصناعات المتطورة بالإضافة إلى القوائم المالية المفحوصة للفترة المنتهية في 30- 6-2007م مروراً بنشرة إصدار أسهم الحقوق الأولية الصادرة في 26-2- 2007م محاولين تكوين رؤية موضوعية للموقف المالي والتشغيلي للشركة مستندين في ذلك على البيانات الصادرة منها. الاستثمارات يخطئ من يعتقد أن المتطورة شركة صناعية بحد ذاتها، فهي شركة تستثمر في المجالات الصناعية، وهناك فرق كبير بين نشاط الصناعة ونشاط الاستثمار فيها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عدد أعضاء مجلس إدارة الشركة الذي يفوق عدد موظفيها حيث يبلغ عدد أعضاء مجلس إدارة المتطورة تسعة أعضاء، في حين لا يتجاوز عدد موظفيها الأربعة موظفين بما فيهم المدير العام، وفي تقرير مراجعة القوائم المالية لعام 2006م قام مراجع حسابات المتطورة بإصدار رأي متحفظ للسنة الثانية على التوالي على قوائم الشركة المالية، وكان محور تحفظه يدور حول معالجة مخصص الهبوط لأحد استثماراتها الخاسرة، حيث تمتلك المتطورة 1.5% من رأس مال الشركة العربية للألياف الصناعية (ابن رشد) بحصة تبلغ 53 مليون ريال، وقد حققت شركة ابن رشد خسائر تشغيلية كبيرة منذ بداية نشاطها حيث بلغ نصيب المتطورة من خسائر شركة ابن رشد 39 مليون ريال، وبصيغة أخرى يمكن القول إن المتطورة خسرت ما نسبته 73% من رأس مالها المستثمر في شركة ابن رشد، وهذا الاستثمار كبير بحيث انه كان يشكل نصف رأس مال المتطورة قبل زيادته بإصدار أسهم حقوق أولية، وقامت الشركة بتكوين مخصص هبوط قدرة 17 مليون ريال فقط لمواجهة خسائر محققة في شركة ابن رشد بلغت 39 مليون ريال؛ مما دعا مراجع الحسابات لإصدار رأي متحفظ على هذه المعالجة المحاسبية للعام الثاني على التوالي ووفقاً (لمعيار التقرير) أحد معايير المراجعة فإن هذا التحفظ نتيجة قصور في أمور محاسبية. ولعل أبرز الاستثمارات تأثيراً على نتائج عام 2006م الحصة التي تملكها المتطور في شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات (ينساب) التي تبلغ 16 مليون ريال وتمثل نسبة 0.2% من رأس مال ينساب حيث حققت هذه الحصة (ربحا غير محقق من أوراق مالية متاحة للبيع) قدره 23 مليون ريال ناتجاً عن الفرق بين القيمة السوقية والقيمة الدفترية، ويظهر ذلك في جانب حقوق الملكية من قائمة المركز المالي، وعلى وجه العموم لا تمتلك المتطورة استثمارات في شركات كثيرة (تستثمر في خمس شركات بنهاية 2006م) كما لا تمتلك حصصاً كبيرة تمكنها من السيطرة (أعلى حصة لا تتجاوز 12% بنهاية 2006م) وكما هو معروف فإن نسبة الملكية تحدد طريقة معالجة الاستثمار، فإذا كانت حصة التملك تتجاوز 20% فإن الاستثمار يعالج بطريقة حقوق الملكية، وإذا كان الاستثمار أقل من 20% كما هو حال استثمارات المتطورة فإنه يعالج بالكلفة، وعليه فسوف توجه الاستثمارات في الأوراق المالية إلى طرق المعالجة الثلاث (اتجار، استثمار، معدة للبيع)، جدير بالذكر أن التوزيعات النقدية التي حصلت عليها المتطورة لعام 2006م في حصصها الاستثمارية التي تمتلكها بلغت 900 ألف ريال، أي أقل من 1% من رأس مال الشركة قبل الزيادة، فيما بلغت هذه التوزيعات وفقاً للقوائم المالية في 30-6-2007م 7.2 ملايين ريال وتمثل نسبة 1.6% من رأس المال بعد الزيادة، وهذا العائد يعد منخفضاً جداً في عالم الاستثمار (أقل من معدل الفائدة في السوق). أسهم حقوق أولية في شهر مارس من هذا العام قامت المتطورة بزيادة رأس مالها بنسبة 300% من 108 ملايين ريال إلى 432 مليون ريال عبر إصدار أسهم حقوق أولية بعد حصولها على موافقة هيئة السوق المالية حيث طرحت أسهمها للاكتتاب بسعر 20 ريالاً للسهم الواحد (عشرة ريالات قيمة اسمية وعشرة ريالات علاوة إصدار) وبلغ صافي المتحصلات من الاكتتاب 633 مليون ريال (بعد خصم 15 مليون ريال تكاليف الطرح) وبمقارنة هيكل رأس المال قبل الزيادة (نهاية 2006م) وبعد الزيادة (نهاية الربع الثاني في 2007م) نجد أن رصيد علاوة الإصدار يبلغ 312 مليون ريال، وتتم معالجة علاوة الإصدار محاسبياً في الاحتياطي النظامي، كما ساعدت مع أرباح النصف الأول من هذا العام في إطفاء الخسائر المتراكمة والبالغة (8) ملايين ريال بنهاية 2006م ليصبح رصيدها بنهاية الربع الثاني من عام 2007م (700) ألف ريال، وبالتالي يمكن أن تكون المتطورة قادرة على توزيع أرباح نقدية للمساهمين حيث لم يسبق لها طوال عشرين عاما مضت على تأسيسها أن صرفت أي أرباح لمساهميها نتيجة وجود خسائر متراكمة في حساباتها. وكما أن رأس المال العامل كان سالباً ب(43) مليون ريال بنهاية عام 2006م أدى رفع رأس المال إلى تحسين هذا المؤشر حيث يظهر رأس المال العامل بنهاية الربع الثاني من عام 2007م موجب ب597 مليون ريال نتيجة رفع رأس المال حيث تم توجيه حصيلة الإصدار إلى نقدية ومرابحات، وفي يوم 10-4-2007م أي بعد أقل من شهر على نهاية الاكتتاب في أسهم الحقوق الأولية أعلنت المتطورة في موقع تداول عن توقيع مذكرة تفاهم للاستحواذ على كامل مجموعة العبيكان للاستثمار بنسبة 100% وتشمل هذه المجموعة اثنتي عشرة شركة مقابل أسهم تصدرها المتطورة لملاك مجموعة العبيكان، ويعني هذا الإعلان أن الشركة ستقوم برفع رأس مالها مرة أخرى إذا تم الاستحواذ، وهذا يعتبر تطورا مفاجئا إذا ما عرفنا أن الشركة قامت بتحديد ثلاثة مشروعات لتوجيه حصيلة الاكتتاب في أسهم الحقوق الأولية لها (مشروع مواد عطرية، مشروع إطارات سيارات، مشروع زجاج) فيما تحتفظ الشركة بمبلغ 114 مليون ريال كمبلغ حر للمساهمة به في فرص مجدية (لم يتم تحديدها) ولعل الأسئلة التي تفرض نفسها الآن: ما جدوى عملية الاستحواذ خصوصاً بعد رفع رأس مال الشركة؟ وهل تملك المتطورة الإمكانات البشرية لهذا الاستحواذ أو الدمج بعدد موظفين محدود لا يتجاوز الأربعة موظفين؟ ولماذا لم تتم هذه العملية قبل رفع رأس المال؟ خصوصاً وكلنا نعلم أن مجموعة العبيكان قد أبدت رغبتها لطرح جزء من أسهمها في السوق المالية، فهل خيار الدمج مع المتطورة يحقق عائداً أعلى من الطرح المباشر في السوق المالية! القوائم المالية بالنظر إلى قائمة المركز المالي في 30- 6-2007م نلاحظ ارتفاع الأصول المتداولة إلى 600 مليون ريال مقارنة بمبلغ 11 مليون ريال للفترة المماثلة من العام السابق، ومما ذكرناه سابقاً فإن هذه الزيادة أتت من عملية رفع رأس المال حيث حصلت المتطورة على مبلغ 633 مليون ريال صافي مبلغ عملية الاكتتاب بعد خصم تكاليف الطرح، وتم توجيه هذه المتحصلات إلى حساب النقدية البالغ 222 مليون ريال مقارنة بمبلغ 11 مليون ريال للفترة المماثلة من العام السابق، فيما تم توجيه الجزء الأكبر من حصيلة الاكتتاب إلى الاستثمار في مرابحات إسلامية بمبلغ 375 مليون ريال. وفي جانب الاستثمار في الأوراق المالية المتاحة للبيع نلاحظ تراجع رصيد الشركة من 84 مليون ريال في الفترة المماثلة من العام السابق إلى 40 مليون ريال بنهاية النصف الأول من العام الحالي، وذلك يعود إلى هبوط قيمة الأسهم نتيجة انهيار السوق المالية نهاية فبراير 2006م حيث يمثل الهبوط السعري لحصة المتطورة في شركة ينساب، وهنا ننوه إلى أن حصة المتطورة في ينساب لا يمكن بيعها حالياً وفقاً لتعليمات هيئة السوق المالية التي حظرت على المساهمين المؤسسين لشركة ينساب بيع حصصهم لفترة ثلاث سنوات من تاريخ إعلان التأسيس (15-11- 1426ه) أو دخول المشروع طور الإنتاج أيهما أكثر. وعلى جانب الأصول غير المتداولة نجد أن ممتلكات المتطورة تبلغ 28 ألف ريال بنهاية النصف الأول من هذا العام، ومخصص مكافآت نهاية الخدمة يبلغ 188 ألف ريال، ويمكن ربط هذين البندين بقلة عدد الموظفين الذي أشرنا له سابقاً، وفي قائمة الدخل نلاحظ ارتفاع إيرادات الشركة من التوزيعات في الشركات المستثمر فيها والمرابحات الإسلامية إلى 12 مليون ريال مقارنة بمليونين ريال للفترة المماثلة من العام السابق، إلا أن هذه الزيادة لا تعتبر كبيرة إذا أخذنا في الاعتبار عامل رفع رأس المال، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال دخل السهم الواحد الذي بلغ 0.2 في النصف الأول من هذه العام مقارنة ب0.1 للفترة المماثلة من العام السابق، كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال مكرر الأرباح المرتفع والبالغ 239 مرة بنهاية تداولات الأسبوع الماضي، كما أن العائد على الاستثمار والعائد على الأصول منخفض جداً (أقل من معدل الفائدة) حيث يبلغ العائد على حقوق الملكية 0.3 والعائد على الأصول 0.2، أعتقد أن مثل هذه الأرقام والنتائج تدعونا للتأمل فيمن سيكون مستفيداً من عملية الاستحواذ المعلنة.