أعتقد أن الكثيرين سيتفقون معي في أن مهمة تقييم أداء الموظفين هي المهمة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى معظم المديرين في مؤسساتنا. هم يتعاملون معها باعتبارها مهمة ثقيلة على النفس، ويصاحبها الكثير من المتاعب. وليس من قَبيل المبالغة القول بأن عدم تطبيق نظام موضوعي وعلمي في تقييم الأداء هو السبب الأساسي لتفشي الصراعات والنزاعات والعداوات في بيئة العمل العربية. المديرون في معظم المؤسسات العربية لديهم ثقافة سلبية وغير متطورة بشأن تقييم أداء مرؤوسيهم. إنهم يرون عملية تقييم الأداء عملية روتينية تضيع الوقت والجهد، ويرون أن تقييم الأداء هو باب لجلب المتاعب؛ فهناك مَن سيرضى، وهناك مَن سيسخط. هم يرون أن التقييم لا يحتاج إلى دراسة وبناء منظومة متكاملة، فقط هو يحتاج إلى خبرة ودراية شخصية. هم يرون أن الموظف يجب أن يعمل ويعمل، ويجب إلا يشغل ذهنه بأمور التقييم. هم يرون أن تقييم الأداء غاية في حد ذاته، ومن ثم فهناك غايات أهم وأعظم. عزيزي القارئ.. من السهل أن تدرك مفردات هذه الثقافة عندما تقترب من دواليب حفظ ملفات تقارير الأداء في المؤسسة التي تعمل فيها أو المؤسسات التي تتردد عليها، ستجد ملفات مهلهلة تملؤها الأتربة، بداخلها نماذج عفا عليها الزمان، يكسوها اللون الأصفر، لون الشحوب والفقر. للأسف الشديد أهملنا واحدة من أهم وأخطر المهام التي يجب أن يمارسها المدير في هذا الزمان، والنتيجة هي مؤسسات غير قادرة على المنافسة، وموظفون لا يتعلمون ولا يتطورون. في الغرب أدركوا أن الإنسان من حقه ومن مصلحته أن يعرف أين يقف والى أين يذهب. وفي المؤسسات الغربية أدركوا أن المورد البشري هو أعظم الأصول التي تمتلكها المؤسسة على الإطلاق، وأن إحدى أهم الوسائل لتنمية وتطوير هذه الأصول هي تطبيق أنظمة متطورة في تقييم الأداء، تساعد المدير والموظف معاً على تحقيق التحسين المستمر الذي لا يخلو من الإبداع. والنتيجة أنهم برعوا في تبني توجهات جديدة في مجال تقييم الأداء. فبعد أن كان تقييم الأداء يتم بشكل عشوائي.. أصبح تقييم الأداء عملية تتم بتخطيط ومنهجية واضحة. وبعد أن كان التقييم يركز على ترصد أخطاء الموظف.. أصبح يركز على تحديد نقاط قوته ونقاط ضعفه. وبعد أن كان المديرون لا يسعون إلى تفهُّم احتياجات العاملين وهم بصدد تقييم الأداء.. أصبح المديرون ينطلقون في تقييم الأداء من تفهُّم احتياجات العاملين. وبعد أن كان تقييم الأداء ينتهي بوضع نماذج التقييم على الأرفف.. أصبحت نماذج وأساليب التقييم مدخلاً في تصميم وتقديم برامج التنمية والتدريب. وبعد أن كان تقييم الأداء يعتمد على الرأي الشخصي والانطباعات الفردية.. أصبح يعتمد على أساليب علمية. وبعد أن كان التقييم يتم بشكل سري.. أصبح يتم بشكل معلن. وبعد أن كان محظوراً على الموظف أن يشارك في عملية التقييم.. أصبح شريكاً أساسياً في عملية التقييم. وبعد أن كان تقييم الأداء يركز على الماضي.. أصبح يركز على الحاضر والمستقبل. وبعد أن كان تقييم الأداء سلاحاً في يد الإدارة.. أصبح أداة للتطوير. وبعد أن كان تقييم الأداء عملية روتينية من وجهة نظر الإدارة والعاملين.. أصبح عملية متجددة ومتطورة.. هذه التوجهات الحديثة تم ترجمتها إلى معايير موضوعية تساعد الموظف على تطوير أدائه بشكل مستمر، وأصبح لقاء الموظف بمديره ليس من أجل تقييم الأداء فقط، بل من أجل وضع خطة عمل مستقبلية تحقق أهداف المؤسسة وأهداف الموظف في الوقت ذاته. لقد اهتموا بدولاب حفظ تقارير الأداء وجعلوه في المقدمة، وتعاملوا معه باعتباره باب الوصول إلى أعلى مستويات الأداء والإنتاجية.. بينما جعلناه نحن مقبرة للطموحات وشاهداً على واحدة من أسوأ الممارسات الإدارية في عالمنا العربي. أستاذ إدارة الأعمال والتسويق [email protected]