السلام عليكم ورحمة الله وبركاته القضاء في المملكة العربية السعودية المصدر الوحيد والحمد لله لاحكامه هو الشريعة الاسلامية التي شرعها للعباد رب العباد الذي هو اعلم بما يصلحهم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) لذلك لا غرابة ان يحقق القضاء في المملكة العربية السعودية لمن يتحاكم اليه سواء كان مسلما او غير مسلم، وسواء كان مواطنا او غير مواطن اسمى ما يتطلع اليه من الضمانات التي تمكنه من تحرير دعواه، وعرض قضيته وتقديم مستنداته ودفاعاته الى آخر ما يطمح اليه من إيضاح لقضيته اثناء نظرها, يقول الامام ابو حنيفة: الحكايات عن العلماء ومجالستهم احب إلي من كثير من الفقه لأنها آداب القوم وأخلاقهم. وعن ابن عيينة قال: (عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة) وقال محمد بن يونس: (ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين). ويقول عبدالله بن ابي جعفر: (العلماء منار البلاد، منهم يقتبس النور الذي يهتدي به). وقال أبو مسلم الخولاني: (مثل العلماء في الارض مثل النجوم في السماء اذ بدت للناس اهتدوا بها، واذا خفيت عليهم تحيروا) وقال كعب: (العلماء قبلتي اذا لقيتهم، وضالتي اذا لم ألقهم، لا خير في الناس إلا بهم). وقال أحمد بن عصفور: ذوو العلم في الدنيا نجوم هداية إذا غار نجم لاح بعد جديد بهم عزَّ دين الله طرّاً وهم له معاقل من أعدائه وجنود ونخلص من هذا العرض الموجز الى اهمية وجود القضاة والدعاة الى الله ولا شك ان وجود القضاة والدعاة ضمان المسيرة الخير في المجتمع فهم صمام الامان للمجتمع بأسره، فان قيمة الفرد فيهم تعدل الكثيرين ممن ليسوا على هذه الصفة وفقدان احدهم بالموت يعد خسارة لا تقدر بثمن اذا لم يخلفه غيره وخلو الساحة من الدعاة والقضاة المخلصين نذير بالهلاك والدمار يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا), فالعدالة مطلب وحق لكل انسان وهي فرض وواجب من الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان), والعدل قوام المجتمع وأساس الملك به يشعر الضعيف بالقوة ولا يغتر القوي بسطوته بالعدل يسود الوئام وينتشر السلام والاسلام هو دين العدل وجاء بالعدل صراطا مستقيما لا تنحرف به السبل ولا تلونه الاهواء ولا تغيره رغبات الحكام والعدل فرض لازم حتى مع الاعداء قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). وإن من نعم الله علينا في هذه البلاد المقدسة حرسها الله تطبيق الشريعة الاسلامية ولله الحمد والمنة وجعلها اساسا للحكم ومنهجا للامة فهذه البلاد الطاهرة الفتية بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله منذ ان تأسست على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه قامت على كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه وتحكيم شرع الله في كل الامور فقد صدر اول نظام للقضاء بمكةالمكرمة عام 1344ه لتحقيق العدل بين الناس ورفع الظلم عنهم واشاعة الامن والاطمئنان مما جعل هذه البلاد المباركة المقدسة نبراسا وضاء للعالم اجمع في تحقيق العدل ورفع الظلم واشاعة الامن والاطمئنان في ربوع هذه الدولة الطاهرة الفتية والتقاضي في المملكة العربية السعودية في القضايا الحقوقية يمر بدرجتين من التقاضي، واذا ما اقتنع المحكوم عليه بالحكم فانه يكتفى بدرجة واحدة، فكيف يقال ان اجراءات التقاضي طويلة وهي لا تمر الا بدرجة واحدة من التقاضي احيانا, اما في القضايا الجزائية فان الحكم في البعض منها وهي القضايا التي يصدر فيها حكم بالاتلاف فانها تمر بثلاث درجات من التقاضي لأهميتها، واحتياطا للدماء بغض النظر عن قناعة المحكوم عليه من عدمها براءة للذمة, واما القضايا الإنهائية ذات الطرف الواحد التي تمثل الجزء الاكبر من عمل المحاكم فيكتفى بدرجة واحدة من التقاضي اذا لم يكن ثمة قاصر او وقف، وقد بلغ اجمالي عدد القضايا الواردة الى المحاكم الشرعية في العام الواحد الى اكثر من اربعمائة وخمسين الف قضية مما يستلزم ازاء ذلك العدد الكبير والسيل العارم من القضايا بذل المزيد من الجهود للتباحث في الامور القضائية والادارية ومراجعة وتقييم مسيرة العمل واتخاذ المنهج الامثل للارتقاء بالعمل القضائي وتحسينه لما فيه تحقيق المصلحة العامة لخدمة العمل القضائي وتسهيلا وتيسيرا على المراجع لقضاء عمله بما يكفل إيصال الحقوق لأصحابها بكل يسر وسهولة وانطلاقا من ذلك وبناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الإمام الوالد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله وسمو ولي عهده الامين وسمو النائب الثاني وفقهم الله جاء عقد هذه الندوات لرؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية والتي تنظمها وزارة العدل, فقد عقدت الندوة الاولى في الرياض والثانية في العاصمة المقدسة مكةالمكرمة وقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة حفظه الله مساء يوم الاحد 23 ربيع الاول 1421ه 25 يونيو 2000م الندوة الثالثة لرؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة والتي نظمتها وزارة العدل بقاعة التضامن الاسلامي بمكةالمكرمة بحضور سماحة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ورئيس مجلس القضاء الاعلى فضيلة الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان ومعالي وزير العدل الشيخ/ عبدالله بن محمد آل الشيخ، وأصحاب الفضيلة رؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة, هذا وقد ادلى وزير العدل الشيخ الدكتور/ عبدالله بن محمد آل الشيخ بتصريح للصحافيين بمناسبة افتتاح الندوة الثالثة لرؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة، ذكر فيه ان الشورى سمة من سمات القضاة والقضاة دائماً يبدؤون بالمشورة في كل امر اذا استشكل عليهم الامر، وبيّن معاليه ان توصيات الندوة تنقسم الى ثلاثة اقسام الاول منها من اختصاص الوزارة والثاني من التوصيات ينقل الى محكمة القضاء ومحكمة التمييز, والثالث منها وهو المهم يرفع الى المقام السامي, وقال معالي وزير العدل من جهة اخرى ان المقام السامي الكريم قد وافق نتيجة لما نمر به من نقلة من جوانب الحضارة ولله الحمد بإقامة المحاكم المرورية والعمالية وهي باقية لأصالتها وحفظها على جوانب العصر والمملكة تأخذ بجوانب الحياة المادية وتواكب التقدم في العالم مما يدعو لاقامة المحاكم المرورية والجوانب التجارية لأنها تواكب الحياة حيث اصبحت حوادث المرور تشكل جانباً كبيرا من حياتنا ومحاكم العمال وهم الايدي العاملة التي تعمل بهذه البلاد وهناك الآن محاكم سوف تنشأ بإذن الله قريباً بحيث الذي له قضية تجارية لا يدخل في محاكم فيها قضايا جنايات, وكذلك الذين لهم مخالفات في المرور وتستحق ان ترفع الى القضاء ومترتب عليها احكام يدخل في نطاق المحكمة المرورية, وفي يوم الاثنين 24 من ربيع الاول 1421ه 26 من يونيو (حزيران) 2000م استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله في قصر السلام بجدة سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء ومعالي وزير العدل الدكتور/ عبدالله بن محمد آل الشيخ وأصحاب الفضيلة العلماء رؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة، حيث وجّه حفظه الله كلمة ضافية جاء فيها (إن هذه البلاد منذ ان تأسست قامت على كتاب الله الكريم وسنّة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام وتحكم شرع الله في كل الأمور) وبيّن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله ان المملكة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه تولي القضاء عناية كبيرة وهيأت له اسباب النجاح بإذن الله لتحقيق العدل ورفع الظلم واشاعة الامن والاطمئنان ونوّه ايده الله بما يتمتع به ابناء هذه البلاد من القضاة والمشتغلين في القضاء من صفات ابرزها الايمان بالله والالتزام بكتابه والاخلاص في القول والعمل وسعة الاطلاع حاثاً على المزيد من التطور في الاداء في مختلف اجهزة القضاء وبما ييسر العمل ويخدم المصلحة العامة, وقد تطورت الاجراءات القضائية في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة, ولقد واكبت التطورات الاجرائية القضائية استقرار هذه الدولة، فمنذ ان تم توحيد اسم المملكة على يد الملك عبدالعزيز يرحمه الله في عام 1351ه وهذه الأمور محل عنايته واهتمامه ورعايته رحمه الله حيث صدرت الكثير من التعليمات والتوجيهات التي نظمت الاجراءات القضائية المستمدة من الشريعة الإسلامية, ففي عام 1346ه صدر مرسوم ملكي بتشكيلات المحاكم، ثم صدر في عام 1350ه نظام سير المحاكمات الشرعية، وفي عام 1372ه صدر نظام تنظيم الاعمال الادارية في الدوائر الشرعية ونظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، كما صدرت تعليمات هيئة التمييز عام 1386ه، ثم صدرت تعليمات في عام 1410ه وجميع هذه الأنظمة بالاضافة الى ما صدر ويصدر تباعاً من لوائح وتعليمات وتعاميم من المقام السامي او من مجلس القضاء الاعلى او من الوزارة حققت ولله الحمد والمنة هذا التطور الملحوظ والملموس في الاجراءات القضائية التي وفرت الى جانب سرعة الانجاز دقة الضبط. ولا شك ان ولاة الأمر حفظهم الله وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله وأمدهم بعونه وتوفيقه, يبذلون كل ما في وسعهم لخدمة الوطن والمواطن ويولون القضاء والقضاة عناية كبيرة، فقد اصبحت المحاكم الشرعية وكتابات العدل تغطي ولله الحمد والمنة كافة مدن وقرى وهجر المملكة ولله الحمد والمنة وقد هيئات الدولة حرسها الله الإمكانات العظيمة للقضاة والجهاز القضائي ليتمكنوا من أداء المهام المنوطة بهم وفق الاحكام الشرعية، وقد كان لسلّم القضاء الجديد الذي تفضل به خادم الحرمين الشريفين فأمر به حظفه الله، اعظم الاثر في اسناد القضاء ودعمه، حتى يستقطب الكفاءات المتميزة للعمل في القضاء, وذلك ترجمة صادقة للعناية الفائقة والاهتمام الشخصي من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله وسدد على طريق الخير خطاهم بوزارة العدل ومرافق القضاء, وقد اختتمت اعمال اجتماعات رؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة في العاصمة المقدسة مكةالمكرمة في يوم الأربعاء 26 من ربيع الأول 1421ه 28 يونيو حزيران 2000م، حيث تداول اصحاب الفضيلة القضاة رؤساء المحاكم الشرعية الموضوعات المدرجة على جدول الاعمال المليء بالقضايا ذات الصلة بالعمل اليومي في أعمال المحاكم الشرعية وقضايا المواطنين الحقوقية والأحوال الشخصية والجنائية والقضايا المستجدة المتداخلة مع نمط الايقاع العصري للحياة والتحولات مع العلاقات الدولية وتشابك المصالح وتم تدارس عدد من الامور القضائية والادارية والتنظيمية وكانت الندوة فرصة طيبة وقناة حوارية لتبادل الرأي والمشورة في تيسير وتسهيل اجراءات العمل بالمحاكم الشرعية وفق القواعد الشرعية المتبعة وقد تحققت ولله الحمد والمنة النتائج الايجابية من خلال انعقاد الندوة الثالثة المباركة لرؤساء المحاكم الشرعية بالمملكة لتطوير الاجراءات المتعلقة بتنظيم الاعمال الشرعية والارتقاء بالاداء في المحاكم الشرعية, وختاماً فقد اكمل القضاء سبعاً وسبعين عاماً بالمملكة العربية السعودية في ظل الرعاية الفائقة والاجلال الكبير والدعم السخي من قبل ولاة الامر رعاهم الله وأمدهم بعونه وتوفيقه, هذا ونسأل الله العلي القدير ان يوفق ولاة الأمر لما فيه خير البلاد والعباد إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين. أحمد بن عبدالله بن ردن البداح