كثيرة هي الحوادث التي تمرّ بالإنسان في حياته اليومية، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي، ومنها ما هو مرغوب، ومنها ما هو مكروه. ما هو مرغوب من هذه الحوادث والعوارض نريده دائماً ماثلاً أمامنا نعيش لذته ومسرته، وما هو مكروه منها نتمنى إزالته من ذاكرتنا لتستمر حياتنا بسعادتها وهنائها. والنسيان حالة عقلية يتم من خلالها إزالة مجموعة من المحفوظات من ذاكرة الإنسان بدون وعي أو تدخل من هذا الإنسان، بل يعيش أحياناً صراعاً مع العقل للتعجيل بإتمام عملية الإزالة، وخاصة مع ما هو مكروه للنفس من حوادث الموت والألم والفراق. وفي حالات أخرى يعيش الإنسان صراعاً عقلياً لإثبات صورة إيجابية مرغوبة ومنعها من دخول عالم النسيان. والنسيان يعتبره البعض آفة وداء ولا يدركه إلا من عاناه؛ فما أكثر الفرص التي ضاعت بسببه، وما أكثر المواعيد التي أخلفت، وما أكثر الوقت الذي ذهب هدراً، وما أكثر الأمور التي ارتبكت وتعطلت من جرائه. ويرى البعض الآخر أن النسيان نعمة لولاها لأسرنا الماضي، ولخنقنا الحاضر؛ ولذا فإن النسيان هو العكاز الذي نتوكأ عليه لنشق طريقاً وعراً إلى الأمام. صراع مزدوج يعيشه الإنسان مع حالة عقلية لا تفرق بين ما هو مرغوب وما هو مكروه تعيق الإنسان عن تحديد موقفه من هذه الحالة العقلية، وهل هي نعمة أم نقمة؟ فهي نعمة يسرّ بها الإنسان عندما ترتبط بما هو سلبي مكروه، ولكنها في حالات أخرى تكون نقمة عندما يبحث الإنسان في عقله عن أفكار وخواطر مرت به ذات يوم فادخرها في عقله ليسترجعها عند الحاجة إليها فيجد أنها قد ضاعت في بحر من النسيان. هذا هو النسيان وهذا هو حال الإنسان معه، ويبقى الخيار الأكبر أن النسيان نعمة كبرى لو سُلبت من هذا الإنسان لما تلذذ بحياته، ولتعطلت مسيرته وانقطع أمله. وتزداد هذه النعمة وضوحاً وكمالاً كلما عظمت المصيبة وكبرت الفاجعة؛ فلله الحمد على نعمه. [email protected]