كان يريد قريبته زوجة فخطبها مرة واثنتين وثلاث وعشر، إلا انها كانت ترفض الزواج منه بشدة، حاولت والدتها أن تقنعها، حاول والدها أن يجبرها، فهو في نظر والديها الكل يثني عليه، والكل يغبطهم على انه تقدم خاطباً ابنتهم، إلا انها هددت بأنها ستؤذي نفسها إن حاول أحد اجبارها على الزواج منه، فانتظر سنة وسنتين لعلها تغير رأيها، إلا ان انتظاره زادها اصرارا على رفضه، فنصحته أمه في لحظة من لحظات صفائه النفسي بنسيانها حتى وان كان يحبها، وقد يكون في ذلك خير له في دينه ودنياه، وقد يكون زواجه منها شراً صرفه الله عنه، فبحث عن أخرى وتزوجها، ولم يمض عام واحد على زواجه، إلا ورزقه الله بطفلة تحاكي القمر في جمالها، فنسي تلك الفتاة وتفرغ للعناية بأسرته الصغيرة التي صارت تكبر سنة بعد أخرى. تزوجت تلك الفتاة بعده بسنتين، ومضت السنون وهي لم ترزق بطفل أو طفلة تملأ عليها حياتها، فرغب زوجها الزواج من أخرى، فرفضت البقاء معه فطلقها، وتزوجت بعد طول انتظار بآخر له زوجة وأطفال، وقد مضى على زواجها منه خمس سنوات ولم ترزق بأطفال بعد. فسمع صاحبنا من يتحدث عنها وعن المأساة التي تعيشها، وندمها الكبير على عدم الزواج منه، فتذكر والدته على الفور، وتذكر حين قالت له: لعل الخير كله في عدم زواجك منها، وذهب من فوره إلى أمه وطبع قبلات متتاليات على رأسها وهي لا تعلم بما يدور في رأسه، ونظر إلى طفلته الصغيرة التي كانت بجانبه واحتضنها بقوة، فتألمت الصغيرة وصرخت، ولو علمت بما يعتمل في صدر والدها من مشاعر في تلك اللحظة لعذرته واحتملت الألم في سبيله، أما هو فقد كان يردد بينه وبين نفسه قول الشاعر: ستذكرني إذا عاشرت غيري وتبكي عشرتي زمنا طويلا كلمة تتردد كثيرا على الشفاه والألسن ولكن القليل من يدرك معناها، كم قائل لها نجا من الموت، وكم قالها من زوج فعاش بعد ذلك في سعادة، وكم قالها من أب فعاش منعما مكرما من أولاده، وكم قالتها من زوجة فوجدت اتراحها تتحول إلى أفراح، وكم قالها من موظف فوصل إلى أعلى المناصب، وكم قالها من تاجر فوجد خسائره تتحول إلى أرباح. أحدهم خطب قريبته فرفضت أمها تزويجه منها لفقره، وزوجتها من آخر كثير الأموال، فحزن لذلك حزنا شديدا إلا انه في النهاية رضي بقضاء الله وقدره، ولم تمض سوى سنتين إلا وتوفي زوجها، فتقدم يخطب محبوبته مرة أخرى، فقبلت به وتزوجته بعد أن أصبح أمرها في يدها، فكان تأخر زواجه من محبوبته سببا في غناه بعد أن ورثت محبوبته ذلك الزوج الغني. أحبتي.. لو جلس كل إنسان مع نفسه فمن المؤكد انه سيجد انه استعجل في يوم ما على حصول أمر وفرح فرحا شديدا عندما تحقق، وما هي إلا أيام فإذا به يكتشف ان هذا الامر هو سبب عذابه وألمه، وسيجد أيضاً انه في يوم من الأيام حزن حزناً شديداً عندما أقفل باب في وجهه، وما هي إلا أيام حتى وجد السعادة الحقيقية تفتح له أبوابها ليختار من أيها يدخل.