كما تغنى الشعراء كثيراً بالكرامة والعزة والأنفة والشيم العربية الرفيعة التي ظلت لا تبرح ذاكرة العرب على مر العصور، أيضاً كان لهم الوقفة المؤثرة عند فقدان أهل هذه الكرامة والعزة، وذلك بإسداء سيل من المراثي الحارة التي كانوا يحاولون فيها النفوذ إلى العزاء بأن الموت مصير لا بد منه، وأن أحداً لن يعيش إلا إلى أجل محدود، فنحن دائماً مشدودون إلى الموت، وكل لحظة تمضي تموت ولا تعود إلى الحياة أبداً، ولم يكن عبدالمحسن الهزاني بمنأى عن هؤلاء الشعراء فقد كان لفقده عزيزاً من أهل المكارم والشيم اسمه (مصلط الرعوجي) وهو من شيوخ العمارات أبلغ الأثر وأشد الحزن في نفسه، فنظم قصيدة في رثاء ذلك الفقيد، وهي رباعية تفيض عبرات ودماً وحسرات. بدأها كما يبدأ الشعراء عادة قصائدهم بقوله: يا راكب من فوق مثل السبرتات حمرا فتاة من لقاح معفات تنصى الكواعب من بنات العمارات يبكن أخو نوضا على رأس ما طال ولم يكن البكاء عنده على هذا الفقيد كما هي عادة الإنسان تبلل وجهه الدموع عند حزنه، إنما عبر عنه بخروج الدم كناية عن شدة الحزن والأسى لعظم المصيبة، وعظمة الفقيد.. يبكين بدم ليس بالدمع يخلط على عقاب العندليات مسلط حلفت ما مثله على الخيل يقلط ولا نقلن مثله الخيل رجال وكان لفقده أثر كبير على شاعرنا، مما جعله يتوجه بمناداة (البيض) نداء حاراً أعقبه بطلب لا يحتمل رفضه رسمه في لوحة فنية مؤثرة وذلك بقوله: ياالبيض كبّن الحلي والعشارق وأبكن اخو نوضا مروي المطارق خيالها وإن جللوها المعارق لحق الوسيق ورد الأول على التال فلم يبكِ الشاعر على فقد رجل عادي، بل كان بكاؤه على واحد من عظماء الرجال الذين كانت لهم مواقف بطولية يشهد لها القاصي قبل الداني مصوراً ذلك في صورة فنية جميلة فقال: وإن زرفل المسيوق وأرخى الأعنّة والجيش هربد والرمك يشعفنّه وأهوى على ركن من الخيل كنه جلمود صخر حطه السيل من عا ويتواصل تعاطف الشاعر مع فقيده معدداً المزايا والصفات الحسنة التي كان يتمتع بها من الكرم والمروءة داعياً له بالرحمة.. مرحوم يامروي حدود الهواري يا من بوجهه للمروءة مواري يمينه أكرم من هبوب الذواري أثقل من أيش عند زوغات الأذها ولم يكتف الشاعر بتوجيه نداءاته الحارة التي تعبر عن الأسى والحزن العميقين على فراق الأعز من قومه، بل اتبعها باليمين الغليظة مصوراً بذلك عظم المصيبة وشدة الخطب الذي يعيشه جراء فقده قائلاً: حلفت ياما ضيف ليل قريته وكم عود زان في الملاقا سقيته وكم أبلج خلف السبايا رميته عليه شقن العماهيج الأطوال وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً على فقده كانت أصعب اللحظات وأحلك الظروف.. اليوم لي فوق الثلاثة عشر يوم لا لذّ لي زاد ولاطاب لي نوم ساعة لفاني عن حجا كل مضيوم زين المجنا مسلط ذرب الأفعال ولم يغفل الشاعر كثيراً عن الوقوف على محاسن من فقده في جميع أبيات القصيدة مستمداً ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (اذكروا محاسن موتاكم) يقول: وإن زرفل المظهور وأقفى مع الريع ولحقن بأهلهن عالجات المصاريع ومن الغير مالت وجيه المداريع عيا على تالي الظعن باذل الحال وختم قصيدته المؤثرة بالتحسر على من فقده مصوراً بذلك عظم الفادحة التي حلت به، قائلاً: لا واعشيري مصلط حامي القود راقي ذرى العليا حجي كل مظهود لين انتدب من فوق ما يقحم العود فلا بوجهه يعلم الله ميال الوقفة الأخيرة يقول ابن الرومي: إن المنية لا تبقي على أحد ولا تهاب أخا عز ولا حشدِ