بعد 25 عاماً، آن لموظفي البنوك السعودية أن يعدلوا ساعاتهم البيولوجية، لتتفق مع القرار الذي صدر مؤخراً، والذي سيتم بموجبه توحيد فترتي دوام البنوك السعودية بعد عشرات السنين من العمل بنظام الفترتين، الذي أنهك الموظفين، وقطع أواصل علاقاتهم الاجتماعية، ولم يعد مجدياً له من الناحية المالية. يقول الموظف عبد الله أحمد: إنه خلال فترة عمله الماضية كان أحياناً لا يخرج من البنك إلا للغداء بين الفترتين ويعود ثانية للعمل مرة أخرى خصوصاً في فترات الاكتتابات العامة، فالبنك يلزمك بإنهاء عملك حتى لو مكثت ساعات طويلة خارج أوقات الدوام. لعل العمل بالبنوك سيصبح بعد تنفيذ قرار توحيد فترتي التداول مرحاً بالنسبة للموظفين، فهم يستطيعون أن يزاولوا حياتهم الاجتماعية بكل أمان، وهذا ما يراه الأستاذ محمد السحمي المستشار الاجتماعي حيث يقول: إن القرار أظهر للعيان سياسة حكيمة كانت وراءه ولو أنه أتى متأخراً بعض الوقت إلا أنه حكيم جداً من الناحية الاجتماعية، فقد وردتني العديد من المشاكل الاجتماعية كان أحد العوامل الأساسية فيها أن دوام الموظف خلال فترتين، فهو لا يرى أهله وأولاده إلا ما يعادل 15% من اليوم وباقي النوم يقضى في العمل والنوم، وهذا له تأثيره الكبير على الحياة الاجتماعية للفرد. وسيطة الأسهم السيدة هند أبدت إعجابها بالقرار وقالت: إن موظف البنك آن له أن يصبح إنساناً طبيعياً، فهو لم يكن يشعر أنه ضمن المجتمع لعزلته عن العديد من الممارسات الإنسانية والاجتماعية، أما الآن فهو جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع من خلال زيادة وقت احتكاكه بالمجتمع. كما اعترت الشارع المصرفي العديد من المخاوف جراء ما تردد أن بعض البنوك ستلجأ لزيادة ساعات فترة الدوام الواحدة لما منحها النظام من مرونة مخيفة للموظفين، ويرد أحد المسؤولين في أحد البنوك أن البنك له الحق في طلب ما يقارب 9 ساعات عمل من الموظف وحسبما يقول: إن نظام العمل السعودي يضمن للبنك ذلك، إلا أن المشكلة التي تعانيها البنوك والتي قد تجعلها لا تستفيد من هذه المرونة هو ما تشهده ساحة العمل المصرفي من هجرة للأيدي العاملة المتميزة الأمر الذي يؤدي إلى قلة في أداء البنوك. يردد عدد من الأطراف أن توحيد فترتي العمل سيؤدي إلى تضرر عمل البنوك وهو أمرٌ لا أساس له من الصحة، لأن فترة العمل الواحدة، بل إنه يعمق التواصل مع تطورات الساحة الاقتصادية العالمية، ويعزو عدد من المطلعين أن توحيد فترتي الدوام له ارتباطٌ وثيق بدخول المملكة لمنظمة التجارة العالمية. قد يتساءل البعض، لماذا هذا القرار الآن؟ وهذا ما يجيب عليه مدير فرع أحد البنوك المحلية بقوله: إن تطبيق القرار سابقاً كان سيؤثر على أداء البنوك وسيجعل المواطن في حيرة من أمره كيف سينفذ بعض العمليات التي لا يمنحه عمله الوقت الكافي لإنجازها، فقد كانت نسبة الأعمال المصرفية التي يمكن تنفيذها في السابق 20%، أما في الوقت الحالي فإن العميل يستطيع أن يتم 80% من أعماله إلكترونياً، الأمر الذي حدا بالدولة أن تطبق القرار الذي كانت عليه مطالبات كثيرة لكنه في ذلك الوقت لم يكن من مصلحة المواطن، والدولة حفظها الله مهتمة دائماً بمصلحة المواطن أولاً. كما أن وسيط الأسهم محمد العسيمي يرى من خلال احتكاكه بعدد من الأسواق المالية خارج المملكة أن عمل البنوك خلال الفترتين لم يكن مجدياً من ناحية ارتباط البنوك السعودية بالمؤسسات المالية العالمية، والقرار الجديد سيزيل جزءاً من الفجوة التي كانت بين المصارف السعودية وغيرها عالمياً. كما يبدو أنه ليس لدى البنك الأهلي التجاري أي نية لزيادة ساعات العمل على موظفيه وهذا ما لمسناه من تصريح الأستاذ أيمن الطيار مدير شبكة الفروع بالبنك الذي أشار فيه إلى أن الدوام الجديد نقلة نوعية في الأداء البنكي، وأن البنوك تنتظر الانعكاسات الإيجابية للقرار، وأشار إلى أن الدوام الجديد سيوائم بين العمل المصرفي الوطني وبين ما هو مطبق في معظم بنوك العالم، وذكر الأستاذ أيمن الطيار أن تطبيق القرار سيكون له أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية المهمة لأنه سيتيح المزيد من الوقت أمام الموظفين لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية التي لم يكن بمقدورهم تلبيتها في ظل الدوام الحالي، وأضاف الأستاذ أيمن الطيار أن المعاملات الإلكترونية التي يقدمها البنك الأهلي لعملائه تصل إلى 80% من إجمالي تعاملات البنك الإلكتروني. كما يرى عدد من المختصين أن قرار توحيد فترة الدوام سيجلب عددا من الطاقات الجيدة التي كان المعوق أمامها من الالتحاق بالعمل المصرفي زيادة ساعات الدوام بشكل رهيب في قطاع البنوك. أما الجنس الناعم من العميلات فقد كانت لهم آراء متضادة، حيث تقول إحدى العميلات: إن هذا القرار يفيد الموظفين والموظفات لكنه وبكل أسف يضر بالعميلات اللاتي لن يجدن وقتاً كافياً لزيارة البنك وإنهاء إجراءاتهم، فبعد خروج الموظفات من الدوام لن يكون الوقت مناسباً لهن لزيارة البنك لإجراء العمليات الخاصة بهن، وتتمنى سارة العميلة بأحد البنوك أن يكون لكل بنك فروع تعمل خلال الفترة المسائية، كما ترى أن عمل بعض فرع البنوك يوم الخميس غير كاف لها ولشقيقاتها من موظفات القطاع الخاص، وكذلك القطاع الحكومي الذين ينهون أعمالهم في فترةٍ متأخرة من النهار. أما منى التي تعمل مديرة لأحد البنوك أبدت سعادة غامرة تجاه هذا القرار الذي يمثل نقلة نوعية في حياتها الاجتماعية وإنتاجها الوظيفي، وترى أن توحيد فترتي الدوام مجد اقتصادياً خصوصاً للموظفات اللاتي يستعينون بسائق الأجرة، فبدل أن تدفع الموظفة قيمة أربعة مسارات يومياً فإنها تكتفي بمسارين فقط، أي أنها توفر على نفسها 50% من أجور المواصلات. تعلق السيدة منال الموظفة بأحد البنوك بأن من يقلن إنهن لا يستطعن القدوم للبنك، أن القدوم للبنك أصبح شيئاً نادراً خصوصاً مع حرص البنوك على توفير الخدمات الإلكترونية كاملة على مواقعها على الإنترنت والهاتف المصرفي وكذلك أجهزة الصرف الآلي المتوفرة بكثرة. أما الأطباء والعاملون في القطاع الخاص وكذلك بعض طلاب الجامعات يرون أن هذا القرار لم يكن في صالحهم، بل سيؤدي إلى إخفاقهم في بعض الأعمال المنوطة بهم أو تعطيلهم لمصالحهم المتعلقة بمراجعتهم للبنوك، ويقول الدكتور أسعد يماني: إنه من المفترض أن تعمل البنوك على توفير عدد من العاملين يعملون من الساعة 9.30 حتى 4.30 عصراً ومجموعة أخرى تستلم العمل في البنك من الساعة 4.30 حتى 8.30 مساء وغالباً ما يكون العاملين خلال الفترة المسائية يعملون أعمالاً أساسية خلال الفترة الصباحية، ويعتبر الدوام البنكي لهم تحسين دخل. من جانبه يؤكد المهندس رياض بن ناصر الفريجي المستشار الإداري والمدرب المعتمد في تطوير الذات، أن القرار كان حكيماً من جانب موظفي البنوك وكذلك موظفي الدولة الذين تنتهي أوقات دوامهم في فترة مبكرة من النهار، ولكنه يضر بالعاملين بالقطاع الخاص وكثير من موظفي الدولة الذين تنتهي أعمالهم في ساعات متأخرة من النهار، ويرى أن الحل المناسب هو توفير أيد عاملة يتم تدريبها على العمل المصرفي من الشباب السعودي العاطل عن العمل، وبعد تدريبهم يتم توظيفهم خلال الفترة المسائية، ويرى أن ذلك لا يوفر للبنوك أي عائق مادي لأن البنوك السعودية من أكثر البنوك أرباحاً وأقلها خدمة للمجتمع. تجدر الإشارة إلى أن عدد البنوك في السعودية 11 بنكاً يعمل فيها قرابة 30 ألف موظف.