السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: قرأتُ في جريدتكم الموقرة مقالاً للكاتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ بعنوان (الهيئة ومكافحة الإرهاب) في صفحة (مقالات) العدد رقم (12472) ليوم الثلاثاء الموافق 30-10-1427ه، وكان لي معه بعض الوقفات، وهي كالتالي: الوقفة الأولى: قوله: (كنت قد قرأت قبل مدة مقالاً تحت عنوان (ماذا لو؟) نشره سمو الأمير خالد الفيصل في جريدة (الوطن) كان عبارة عن تساؤلات تبحث عن إجابة، وفي أحد هذه التساؤلات قال سموه: (ماذا لو ارتفع نشاط ومستوى أداء رجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال التعليم والمثقفين إلى مستوى رجال الأمن في مكافحة الإرهاب والفكر الإرهابي؟).. فأقول: أولاً: إن كلام الأمير خالد الفيصل عام يشمل كثيراً من رجال المجتمع وبعض مؤسساته، فلم قصر الكاتب الحديث فحسب على الهيئة ورجالها؟ سؤال يحتاج إلى جواب. ثانيا: إن نص كلام الأمير، وهو: (ماذا لو ارتفع نشاط ومستوى أداء رجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... إلخ) يفيد أن لرجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال التعليم والمثقفين نشاطاً، لكنه لا يوازي نشاط رجال الأمن. أما الكاتب محمد آل الشيخ فقد أعقب سؤال الأمير بكلام قرّر فيه أن الهيئة ليس لها أي جهد يذكر في ذلك، والسؤال: هل هو فهم ذلك وخالف وجهة نظر الأمير التي يقتضيها كلامه، أم لم يفهم ذلك؟ ثالثاً: إن مسألة ارتفاع نشاط ومستوى رجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... إلخ إلى مستوى رجال الأمن في هذه القضية لا أعتقد أنه سيكون، لا لتقصير أو لتفريط، بل نظراً إلى اختلاف الصلاحيات، وتنوع المسؤوليات، وطبيعة المهمات، إلا أننا نقول: إن التقييم ليس على عمل محدد، بل على الجهد المبذول أياً كان نوعه. الوقفة الثانية: قوله: (الذي يجب أن نقرّ به أننا نواجه ثقافة دينية (متطرفة) ومخيفة تقشعر من أهوالها ومن (انتحارييها) الأبدان، ذقنا منها وبسببها الأمرّين، أفرزت في النهاية فتنة كلفتنا الكثير على كل المستويات، ولعل تلك الدماء التي سالت، والأرواح التي أزهقت، والأطفال الذين تيتموا، والنساء اللواتي ترمّلن، والممتلكات التي دُمّرت، هي نتيجة من نتائج هذا الفكر الخطير والتدمير بكل المقاييس.. والسؤال: ألا تعتبر هذه الممارسات شرعاً وعرفاً وعقلاً وخلقاً (منكراً)؟).. فأقول: بلى وربي إنها تعتبر كذلك، لكن يجب علينا أن نقرّ أيضاً بأننا نواجه ثقافة تشمئز منها العقول الصحيحة، وتنفر منها الأذواق السليمة، ذقنا بسببها المرارات تلو المرارات، أصابت سهامها المسمومة، وخناجرها المشؤومة، شيئاً من أعرافنا وتقاليدنا، فكم أتلفت من قلوب حية، وخلفت من منكرات عظيمة.. والسؤال: ألا تعتبر هذه الممارسات أيضاً شرعاً وعرفاً وعقلاً (بل ونظاماً) منكراً يجب إنكاره؟! الوقفة الثالثة: قوله: (المنكر هو بالمختصر المفيد: كل ما تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو يقبّحه الشرع أو يحرمه).. فأقول: المنكر هو ما حرمه الشرع وقبحه، والعقل الصحيح تبع لذلك؛ لأن العقل الصحيح هو الذي يستحسن ما يستحسنه الشرع، ويستقبح ما يستقبحه. الوقفة الرابعة: قوله: (وتنفيذ ولاية الحسبة (عملياً) مناط بوليّ الأمر حسب الشريعة، فهو الذي يوكل الأمر إلى (جهاز) ضمن ضوابط وأنظمة يتولى نيابة عنه تنفيذ هذه الولاية الشرعية كما هو الوضع في المملكة، ليقوم هذا الجهاز بدور (تكاملي) مع الأجهزة الأمنية الأخرى، أو بدور مساند أو تنسيقي لتحقيق هذه الغاية).. فأقول: إذا كان وليّ الأمر هو الذي يوكل الأمر إلى (جهاز) ضمن ضوابط وأنظمة يتولى نيابة عنه تنفيذ هذه الولاية الشرعية فهل من صلاحيات واختصاصات رجال الهيئة التي حدّدها وليّ الأمر ملاحقة الإرهابيين ميدانياً؟ لا أظنك بل لا أعتقدك تقول ذلك؛ لأنك تعلم ويعلم غيرك أن ذلك من اختصاص رجال الأمن الرسميين، ذلك أن هذه الملاحقة والمطاردة وما يتلوها من مقاومة وقبض تتطلب قدرة (سلاحية) تماثل قوة الإرهابيين المسلحين إن لم تكن تفوقها من سلاح وذخيرة وعتاد وسيارات مصفحة وأجهزة لاسلكية ونحوها، ومعلوم أن الهيئة ليست جهازاً مسلحاً حتى نطالبها بعمل مُسلح. فإن قلتَ: إن هذه الأعمال منكر عظيم، وصميم عمل الهيئة إنكار المنكرات، قلتُ لك: ليس كل منكرٍ يظهر في المجتمع هو من اختصاص الهيئة، أو أن الهيئة مسؤولة عنه، فعلى سبيل المثال: الغش التجاري من المنكرات المعلومة، فهل يحق لنا أن نطالب الهيئة بالتصدي له، أو نتهمها بالتقاعس في شأنه، وهو من صميم اختصاص وزارة التجارة؟ ألا ترى أن ذلك من التداخل في الصلاحيات، والتعدي على الأنظمة واللوائح التي حدّدها وليّ الأمر لكل جهة رسمية؟ فإن قلتَ: جريمة الإرهاب تمس المجتمع برمته، وبالتالي الجميع مطالبون بمواجهته وإنكاره، قلتُ لك: صحيح، لكن ألا تعتقد أن هناك اختصاصات دون اختصاصات، ومسؤوليات دون مسؤوليات، فهناك الإنكار القولي والإنكار العملي، وكل منا مطالب حسب قدرته واستطاعته وفي حدود مسؤوليته واختصاصه. فإن قلتَ: إذاً أين الدور المساند والدور التنسيقي؟ قلتُ لك: تحديد ذلك ينحصر على حسب الاحتياج القائم، وأعتقد أن الجهات الحكومية بينها تعاون وتجانس كلّ فيما يخصه، وهو ما لا يلزم أن يعلمه كل أحد. الوقفة الخامسة: قوله: (والسؤال الذي يمليه السياق: هل ما جرى في بلادنا من قتل وتفجير وتدمير وإخلال بالأمن وإراقة دماء وتكفير لا يعتبر منكراً من أكبر المنكرات؟ فإذا كان الأمر كذلك، أليس من حقنا أن نتساءل: أين دور الهيئة في التصدي لهذا (المنكر) الخطير؟).. فأقول: تأسيسك بأن الأعمال الإرهابية منكر من أكبر المنكرات أوافقك عليه، لكنه تأسيس مراد لتخطِّئ من خلاله رجال الهيئة، لكنني أعتقد أنه أسلوب لا يتحقق من خلاله الغرض المقصود، ولو كنت عادلاً لطالبت والحالة هذه برفع مستوى الهيئة ورجالها من حيث التجهيزات والإمكانات التي تتواءم والمهمة المطلوبة؛ لأن كل عاقل يعلم أن (فاقد الشيء لا يعطيه). الوقفة السادسة: قوله: (ثم هل يتكرم عليَّ واحد من مسؤولي هذا الجهاز ويجيبني عن السبب في (تقاعس) الهيئة عن إنكار هذا المنكر على وجه الخصوص؟).. فأقول: على سبيل الافتراض أنهم تقاعسوا في ذلك كما زعمت تريد أن يجيبك أحد مسؤولي هذا الجهاز عن سبب هذا التقاعس بصفتك مَن؟ وعلى كل حال، فهناك جهات مختصة وضعها وليّ الأمر لتحاسب المخطئين في تصرفاتهم، والمقصرين في أعمالهم، بل أحيطك علماً أن بعض رجال الهيئة خطباء مساجد وقاموا مشكورين بإنكار مثل هذه المنكرات. الوقفة السابعة: قوله: (أو يدلّني على سابقة واحدة قام فيها (أحد) أعضاء الهيئة بإرشاد قوى الأمن إلى خلية إرهابية، أو دلّ على (مفرخة) لثقافة هذا الفكر الضالّ، أو (تعاون) في القبض على من يقومون بتجنيد الشباب و(حثهم) على الذهاب إلى العراق للقتال والهلاك هناك، سواء عملياً أو من خلال الوعظ والتحريض والكتابة والتأليف، أو أشار - مجرد إشارة - إلى مجموعة من هؤلاء المفسدين في الأرض، فدلّ عليهم مأجوراً؟ الجواب: لا يوجد أحد حسب علمي، وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئاً!).. فأقول: أولاً: أعتقد أن إرشاد قوى الأمن إلى خلية إرهابية، أو دلالتهم على مفرخة لثقافة هذا الفكر الضال، ونحو ذلك ليس مكانه الصحف ولا وسائل الإعلام، ولا يلزم أن يعرفه الجميع، فإذا ما عرفت الجهة المختصة ذلك تحقق المقصود، بل هناك وسائل وطرق حدّدتها الدولة وفقها الله وهي أعلم وأحكم، منها: إعلانها أرقاماً هاتفية يتم من خلالها إيصال أي معلومة عن هؤلاء المفسدين، أم أنك تريد أن تعلن الدولة جهاراً أن فلان بن فلان الذي يعمل في المكان الفلاني أبلغ عن الإرهابي الفلاني؟ حتى تتم قناعتك، ويرتفع نقدك. ثانياً: قوله: (لا يوجد أحد حسب علمي، وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئاً!).. فأقول: جميل هذا الأسلوب أن يقتصر الإنسان في الحكم على الأشياء حسب علمه، لا على سبيل الظن، وأفيد الكاتب أن رجاءه القلبي أن يكون مخطئاًً قد تحقّق، فهناك من ينتمي لهذا الجهاز وقد أبلغ عن بعض من زاول مهمة التفجير، وعدم علم الإنسان بشيء لا يلزم منه عدم وجوده. الوقفة الثامنة: قوله: (ولا أحد ينكر أن للهيئة ومنسوبيها دوراً فاعلاً في تتبُّع الممنوعات الشرعية بمختلف أنواعها.. غير أن غيابهم عن (ملاحقة) هذا المنكر الخطير (الإرهاب) يثير الكثير من علامات الاستفهام.. فهل يعقل - أيها السادة - أن هذه العيون التي لا تنام، والأفواه التي لا تتثاءب، والأبدان التي لا تكلّ ولا تملّ، لم تعتقل في تاريخها (إرهابياً) واحداً، أو (محرّضاً) واحداً على ثقافة الإرهاب، ونحن نمرّ بهذه الفتنة؟).. فأقول: أولاً: صحيح ذلك الجهد الكبير الذي تبذله الهيئة ورجالها في تتبُّع الممنوعات الشرعية بمختلف أنواعها، بل إن ذلك يشهد به الجميع. ثانياً: من قال إن عيون رجال الهيئة لا تنام، وأفواههم لا تتثاءب، وأبدانهم لا تكلّ ولا تملّ؟ لكن سبحان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. ثالثاً: إن الاعتقال المسلح ليس من مهام الهيئة ولا اختصاصها، أما الدلالة والبلاغ عن هذه الأمور فهو من صميم الجميع؛ الهيئة ورجالها وغيرهم. الوقفة التاسعة: قوله: (كلنا جميعاً تحت حدّ سكين (الإرهاب) سواء، فلا فرق في معايير (ابن لادن) وعصابته بين عابد متنسّك أو متهاون أو عاصٍ.. ففوّهة بندقية ذلك (الإرهابي) المحتقن حقداً وشراً وبغضاً للإنسان والإنسانية لا تفرق بين أحد، فهو يطلق النار على كل من يقف أمامه خبط عشواء، ولديه من التفسيرات والتأويلات ما يبرّر كل ما يقوم به من جرائم لا يقرّها أي شرع، فكيف بشريعة الإسلام؟).. فأقول: الذي يريد ديننا ووطننا وحكامنا وعلماءنا وأمننا واستقرارنا وأخلاقنا وحياءنا وتعليمنا واقتصادنا بسوء أياً كان وممن كان فهو مجرم نتقرب إلى الله ببغضه وكرهه، بل هو من زمرة المفسدين، وجماعة المعتدين. الوقفة العاشرة: قوله: (وأمام هذه الحقائق فإنني في هذه العجالة أدعو أن يفكّر كبار المسؤولين في الهيئة في هذا (القصور)، ومعالجة هذا الجانب الحيوي المتعلق شرعاً وعقلاً وخلقاً بعمل الهيئة من خلال إنشاء جهاز (توعوي) خاص مهمته على (وجه الحصر)، وأكرر (على وجه الحصر)، توعية أعضاء الهيئة ومنسوبيها بمنكر (الإرهاب) والإرهابيين، والتأكيد عليهم أن (التساهل) مع هذه الثقافة، أو التستر على المحرضين على (حث) الناس على الجهاد في العراق، أو (غضّ البصر) عما يقوم به الإرهابيون من مؤامرات على البلاد والعباد وهزّ أمنها، والنيل من استقرارها، هو (منكر) لا يضاهيه منكر).. فأقول: أولاً: هل يوافقك كبار المسؤولين في الهيئة أن لديهم في هذه المسألة قصوراً، بل هل يوافقك عليه أهل الإنصاف؟ لا أعتقد ذلك. ثانياً: إذا كنت تعتقد أن هناك قصوراً من قبل الهيئة في هذا الأمر فكيف عرفتَ ذلك؟ فإن قلتَ: لم أسمع ولا بحادثة تثبت ذلك، قلتُ لك: لا يكفي ذلك لاستصدار حكم؛ لأنه كما ذكرت لك في الوقفة السابعة أن عدم علم الإنسان بشيء لا يلزم منه عدم وجوده، ثم هل من حقك على الهيئة ورجالها أن يطلعوك على جهدهم وإنجازاتهم؟ وإذا كنت تعتقد هذا التقصير من قبل الهيئة ورجالها فلم تأخرت كتابتك تلك مع أن مشكلة الإرهاب والإرهابيين قائمة من سنوات؟ ثالثاً: هل تعتقد أن لدى أعضاء الهيئة تساهلاً مع ثقافة الإرهاب، أو أنهم يتسترون على المحرضين، أو يغضون البصر عما يقوم به الإرهابيون من مؤامرات على البلاد والعباد وهز الأمن والنيل من الاستقرار؟ فإن قلتَ: نعم، ولا أظنّه، لزمتك البيّنة، بل لزمك رَفْع أمر مَن هذه صفته للجهات المختصة. وإن قلتَ: مقصودي هو التأكيد عليهم في ذلك، قلتُ لك: هذا التأكيد يشمل الجميع، سواء كانت الهيئة ورجالها أو غيرها من قطاعات الدولة ورجالها. وأخيراً، هذا الجهاز المبارك محل ثقة ولاة الأمر وموطن اهتمامهم، فهم يدركون - وهم أهل الإدراك - أن أعماله عظيمة، وإنجازاته كبيرة، بل هو مدين لهم بتلك المحبة والرعاية، والمودة والعناية، التي تشهد شهادة عملية أنهم قائدو ركب الإصلاح، والسائرون بالأمة إلى الخير والفلاح، كيف لا وهم أحفاد المصلحين، ونسل المجدّدين. هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. د. حمزة بن سليمان الطيار وكيل كلية الدعوة والإعلام للدورات والتطوير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية