إخفاق آخر يأخذ مكانه في سجل إخفاقات مجلس الأمن، أعني إخفاق الجلستين رقم (5564) ورقم (5565) المنعقدتين في 9 و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2006م لإدانة مجزرة بيت حانون التي ارتكبها الإرهابي المجرم (إيهود أولمرت) فجر يوم الأربعاء 8- 11-2006م، الأغلبية المسكينة تؤيد إدانة الجريمة، والقلة الهزيلة المسلوبة الإرادة تمتنع عن التصويت، والوحش، وهو إرهابي آخر اسمه (جون بولتون)، يكشر عن أنيابه ويلوح بمخالبه ثم يتمايل بطرف سبابته ب: (لا يا حبيبي لا، لا لإدانة رموز العصابات الصهيونية (التي شوهت التاريخ الإنساني) ابتداءً من (الأرغون) ومروراً ب (شتيرن) و(الهاجاناة) وليس آخرها (شاس) و(كاديما)، ثم ينظر الوحش إلى الضحية ليطلق قهقهته المتشفية ولسان حاله يقول أي شعب هذا الذي يستحق أن تدان إسرائيل من أجله! ما العمل إذن والسيد المتربع على عرش مجلس الأمن الدولي إرهابي! وهذا الكلام ليس من عندي، فقد جاء نتيجة لاستفتاء مجلة أمريكية حول محاربي السلام في العالم، فحظي ساكن البيت الأبيض (جورج بوش الابن) بالمركز الثاني! فلا غرو إذن في أن تنتهج السيدة أنجيلا كين، الأمينة العامة المساعدة للشؤون السياسية، الصوت الهادئ والأسلوب الناعم وهي تتقمص تلك الإيحاءات المقيتة التي طالما غنج بها الصهيوني (مرتكب الجرائم) وحامي حماه الضبع الأمريكي، أقصد إيحاءات الدفاع عن النفس وتدمير البنية التحتية للإرهاب، ثم تمر مرور الكرام عن المجزرة الصهيونية في بيت حانون المكلومة، فتقول: (والحادث الذي وقع في بيت حانون يوم الأربعاء مروع، فقد لقي رجال ونساء وأطفال لا يشكلون أي خطر، بل جاء مصرعهم في أثناء نومهم بمنازلهم) ثم تتابع بشيء من المراوغة: (ومع أن هذا الحادث غير عادي في مداه، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي ينجم فيها عن عملية عسكرية إسرائيلية في الأرض الفلسطينيةالمحتلة عدد كبير من الخسائر في صفوف المدنيين)، المؤلم هنا أن المتحدثة تنتسب إلى مجلس الأمن الذي يعد أرشيفاً شاملاً لمعاناة الشعب الفلسطيني على امتداد ما يزيد عن ستة عقود من الزمن. عذراً منك سيدة كين، إذ لا أجد مبرراً لوصفك المجزرة بأنها حادث غير عادي! فهي واحدة ضمن سلسلة طويلة من جرائم عصابات الحقد الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني! كما لا أجد مبرراً لترديدك الحجج الباطلة التي تحتمي خلفها الصهيونية بأن ما تقوم به إنما هو دفاع عن النفس! ثم ما هذا التناقض في وصفك للجريمة تارة بأنها حدث مروع قضى على نساء وأطفال لا يشكلون أي خطر بل جاء مصرعهم في أثناء نومهم في منازلهم، وتارة بأنها عملية عسكرية؟ ففي فهمنا المتواضع أن العملية العسكرية إنما تكون بين جيشين متقابلين يتربص كل منهما بالآخر! أليس كذلك! أما أن مجزرة بيت حانون حادث غير عادي وأنها في إطار الدفاع عن النفس، فلا يا سيدة كين، هذا الحادث أصبح عادياً ومألوفاً في سياق السلوك الصهيوني الدموي! وفيما يتعلق بموضوع الدفاع عن النفس، أجدني في حاجة لأن أضع بين يديك سيدتي بعضاً مما تيسر لي جمعه من تلك الجرائم: فمثلاً هل كانت المجزرة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني في يناير/كانون الثاني 1937م حادثاً عادياً حينما استشهد عشرات المواطنين الفلسطينيين جراء قنبلة حاقدة قذف بها أحد عناصر عصابة (الأرغون) على سوق الخضار المجاور لبوابة نابلس في مدينة القدس؟ وهل كان ذاك دفاعاً عن النفس؟ والتساؤل نفسه ينسحب على (مجزرة حيفا) في يونية/حزيران 1937م التي سقط فيها ثمانية عشر شهيداً وعشرات الجرحى جراء قنبلة مدمرة ألقاها الصهاينة في سوق حيفا، وأيضاً (مجزرة حيفا) في يونية/حزيران 1938م التي سقط فيها واحد وعشرون شهيداً وعشرات المصابين جراء تفجير سيارتين مفخختين في سوق حيفا، و(مجزرة القدس) في أوائل يولية/تموز 1938م وحصيلتها عشرة شهداء وعشرات المصابين إثر انفجار دموي في سوق الخضار العربي في الشطر الآخر من القدس، و(مجزرة حيفا) في 25 يولية/تموز 1938م التي سقط فيها خمسة وثلاثون شهيداً وجرح العشرات، و(مجزرة حيفا) المماثلة في اليوم التالي مباشرة وسقط فيها سبعة وأربعون شهيداً وعشرات المصابين، و(مجزرة القدس) في أغسطس/آب 1938م وحصيلتها أربعة وثلاثون شهيداً وعشرات الجرحى، ثم (مجزرة حيفا) في مارس/آذار 1939م وحصيلتها سبعة وعشرون شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة بلد النسيج) القريبة من حيفا في 12 يونية/حزيران 1939م، و(مجزرة حيفا) في 19 يونية/حزيران 1939م وراح ضحيتها تسعة شهداء وعدد كبير من الجرحى، و(مجزرة حيفا) في 20 يونية/حزيران 1947م وحصيلتها ثمانية وسبعون شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة العباسية) في 13 ديسمبر/كانون الأول 1947م التي ذهب ضحيتها تسعة شهداء، و(مجزرة عرب الخصاص) في 18 ديسمبر/كانون الأول 1947م وخلفت عشرة شهداء، و(مجزرتي القدس) في يومين متتالين 29 و30 ديسمبر/كانون الأول 1947م وشهدتا خمسة وعشرين شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة بلد الشيخ) في 31 ديسمبر/كانون الأول 1947م وحصيلتها ستون شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة قرية الشيخ بريك في حيفا) بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 1947م وسقط فيها أربعون شهيداً، و(مجزرة يافا) في 4 يناير/كانون الثاني 1948م وحصيلتها خمسة عشر شهيداً ومائة جريح، و(مجزرة السرايا القديمة) في يافا أيضاً وفي اليوم نفسه وخلفت ثلاثين شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة سميراميس) وأيضاً في يافا ولكن في اليوم التالي وخلفت تسعة عشر شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة القدس) في 7 يناير/كانون الثاني 1948م وسقط فيها ثمانية عشر شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة السرايا العربية) في 8 يناير/كانون الثاني 1948م وسقط فيها سبعون شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة الرملة) في 15 يناير/كانون الثاني 1948م، و(مجزرة يازور) في 22 يناير/كانون الثاني 1948م وسقط فيها خمسة عشر شهيداً، و(مجزرة حيفا) في 28 يناير/كانون الثاني 1948ه وأسفرت عن سقوط عشرين شهيداً وخمسين جريحاً، و(مجزرة قرية طبرة) في طولكرم بتاريخ 10 فبراير/شباط 1948م وسقط فيها سبعة شهداء وجُرح الكثيرون، و(مجزرة سعسع) في 14 شباط 1948م، و(مجزرة القدس) في 20 فبراير/شباط 1948م وراح ضحيتها أربعة عشر شهيداً وعشرات الجرحى، و(مجزرة حيفا) في اليوم نفسه وسقط فيها ستة شهداء وعشرات الجرحى، و(مجزرة الرملة في غرة مارس/آذار 1948م وسقط فيها خمسة وعشرون شهيداً، و(مجزرة الحسينة) في صفد بتاريخ 13 مارس/آذار 1948م وسقط فيها ثلاثون شهيداً، و(مجزرة حي أبوكبير) في يافا بتاريخ 31 مارس/آذار 1948م التي أسفرت عن تهديم بيوت الحي وقتل أو تهجير أهله، و(مجزرة القطار) في حيفا في اليوم نفسه وراح ضحيتها أربعون شهيداً وستون جريحاً، ثم يا سيدتي (مجزرة قرية دير ياسين) المجاورة للقدس، التي ارتكبت في صبيحة يوم الجمعة 9 إبريل/نيسان 1948م على مرأى العالم وسمعه، حينما قام ثلاثة آلاف صهيوني من عصابتي (الأرغون بزعامة مناحيم بيجن) و(شتيرن بزعامة إسحاق شامير) باحتلال القرية وقتل كل من فيها من أطفال ونساء وشيوخ وإلقاء الجثث في بئر القرية بعد التمثيل بها، وأما الرجال فأعدموهم بدم بارد بعد أن أمروهم بالوقوف وجوههم إلى الحائط، ثلاث عشرة ساعة أو يزيد دمروا فيها كل شيء، ونهبوا كل شيء، بالإضافة إلى ما قاموا به من جرائم، اغتصاب البنات الصغيرات، وذبح النساء الحوامل، وإعدام الأجنة. تلك، يا سيدة/ كين، قصاصات صغيرة من سجل الجرائم الصهيونية الممتدة من عام 1937م حتى، ولن تكون آخرها، مجزرة بيت حانون التي نحن بصددها اليوم وراح ضحيتها عشرون شهيداً وعشرات الجرحى، وجاءت في أعقاب هجمة صهيونية حاقدة أطلق عليها اسم (سحب الخريف) مخلفة اثنين وثمانين شهيداً وما يزيد عن مائة جريح، والهجمة لم تزل قائمة، والضحايا تتزايد، وعيونكم تشاهد، ولكنها لا تشهد! ذلك يا سيدة كين فيض من غيض، ولن أسترسل بذكر المزيد، بل أكتفي بالإشارة إلى أن كل تلك الجرائم، وما خفي منها، ارتكبت في وقت لم يكن فيه ذكر على خارطة العالم لشيء اسمه (دولة إسرائيل)، فهل كانت تلك الجرائم دفاعاً عن النفس؟ وهل يُعقل، في خضم كل تلك الجرائم وما تلاها، أن يُقال عن مجزرة بيت حانون أنها حادث غير عادي؟ بالطبع لا .. ولا يمكن لإنسان القول بذلك إلا إذا كان في فكره خلل وفي سمعه صمم وفي بصره حَوَل وفي قلبه عمى! بقي أن أذكرك سيدة كين بما يجعلك ترين الحقيقة فيما يتعلق بموضوع الدفاع عن النفس، فبعد (جريمة دير ياسين) التي تعمدت الوقوف عندها، وبعد أن رُوِّج لها عبر وسائل الإعلام، وهذه قصة أخرى لن أزعجك بها هنا، دب الرعب في صدور أهالي فلسطين فهجروا القرى والمدن المجاورة؛ قرية قرية، ومدينة مدينة، فكانت النتيجة اكتمال حلقات المؤامرة ليتحقق الوعد المشؤوم، الذي أعلنه في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917م عدو الإنسانية، اللورد آرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني وقتئذٍ، بإقامة (وطن قومي) لليهود على التراب العربي في فلسطين، فمن جهة أعلن الغرب عن قيام دولة إسرائيل، ومن جهة أخرى أعلن الشعب الفلسطيني المظلوم أنه أبداً لن يستسلم. فمن هو الذي يدافع عن نفسه سيدة كين، هذه العصابات الصهيونية الحاقدة التي لملمها الغرب وصدرها إلى أرضنا ومازال يحتضنها ويؤيدها، أم هذا الشعب الذي ابتلي بكم جميعاً، والذي يواصل تسجيل جرائم الصهيونية، وتسجيل إخفاقاتكم، آخذاً على نفسه عهداً باستمرار مقاومته معتمداً على الله وحده حتى نيل حقوقه كاملة دون نقصان، شئتم أم أبيتم، أدنتم أم أيدتم، وإن غداً لناظره قريب! وشكراً للسيد/ غاياما، مندوب جمهورية الكونغو الديمقراطية. [email protected]