حينما روى لنا الأديب الكبير عبد الله بن إدريس ذكرياته الأدبية التاريخية حول نادي الرياض الأدبي إبان فترة رئاسته إياه، رأيناها تموج بزخم من العبر التي توجب الاستفادة الحقّة منها، ومن أبرز ما لفت نظري فيها هي قصة ذلك الشاب الصغير الذي جاء يعرض قصيدته الحداثية على النقاد في اثنينية النادي التي يعرض فيها الشباب الموهوبون إبداعاتهم الشعرية والنثرية أمام كبار المتخصصين ليقوموا بنقدها. إلى هنا يعدّ الأمر إيجابياً يحسب للنادي، وللمسؤولين فيه، أو المتطوعين لخدمته، ولكن المفاجأة الأليمة أن ذلك الفتى حينما قرأ قصيدته وجدها النقاد تحوي جرأة على الخالق جل وعلا وكذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم فغضبوا عليه غضباً شديداً وطردوه من النادي. ثم انتشر الخبر بعد ذلك انتشار النار في الهشيم، بل وُجد هناك من صعّده وحرّض على النادي وأهله من وجهة نظر دينية، وكل ذلك حدث ورئيس النادي غير موجود في الرياض؛ لأنه كان أثناءها في اثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجة بغرض تكريمه أدبياً، وإلاّ فالإدريس هو الأقدر على احتواء هذا الموقف لخبرته وحنكته ووعيه الإداري والنقدي، ولكنه حينما عاد وجد أن الخرق قد اتسع على الراقع وأن الأمر قد انفلت من يده، حيث حُقّق مع النادي ثم حُكم على الفتى قائل القصيدة الحداثية بالسجن عشر سنوات! عسى في الأمر طهوراً له. ليس لي اعتراض على هذا الحكم رغم شدّته، لأني لم أحضر الموقف، ولم اطّلع على القصيدة، ولكن الذي أودّ قوله إن القصائد الحداثية تمتاز عادة بالغموض الذي قد يكون حالكاً إلى حدّ أنه لا يُفهم المراد منه، والدليل أن تلك القصيدة قد مرّت على مشرف الإثنينية دون أن يلحظها، فهل كان الشاب يقصد حقاً الخطأ في حق الذات الإلهية والدين الإسلامي، أم أنه تقليد لبعض تخبطات الحداثيين الهوجاء؟ ولا سيمّا أن تلك الآونة كانت هي عزّ الحداثة في مجتمعنا المسلم. وبالمناسبة: فالحداثة التيار المدمّر في الأدب والنقد أسلوباً ومضموناً والمتجرئ على الدين واللغة والخلق، هي غير الأدب الحديث الذي يعدّ امتداداً لأدبنا العربي الإيجابي، فليس كل أدب حديث: (حداثة)، وإلاّ فإننا بذلك نظلم كثيراً من أدبائنا وشعرائنا ونقادنا المحدثين، فلا يجب أن نرفض الحديث لمجرّد جدته أو نقدس القديم لمجرد قدمه، فلكل منهما إيجابياته وسلبياته المحسوبة له أو عليه. ولكن السؤال الإنساني المهم: هل نَوصِح ذلك الشاب الغرّ؟ أم هل استتيب؟ لأن الذي فُهم: أنه ما زال صغيراً حدثاً، أم أصرّ على فعلته حتى بعد أن هدأ وفكّر في فداحتها ونتائجه؟ والسؤال الأهم: إذا كان هذا الفتى اليافع قد نال الجزاء الرادع جرّاء قصيدته عام 1412ه، فما بال الساحة الآن الثقافية والصحافية بل والإعلامية على وجه العموم أصبحت وأمست تموج بمثل هذه الأخطاء الفادحة عقائدياً وخلقياً بل تفوقها جرأة، ولم تجدْ من يوقفها؟! مع أنها تصدر ممّن يفوقون ذلك الصبي عمرياً وعلمياً؟! ومع أنهم وأنهنّ ينطقون أو يكتبون عبارات أشدّ وأنكى؟! بل أكثر جهارة وجرأة ووضوحاً؟! مازال مجتمعنا هو ذات المجتمع المسلم المحافظ الذي ليس له إلاّ ذخر الدين، فلماذا فتح الباب على مصراعيه للقدح في الدين والمتدينيين وترديد عبارات مؤلمة في حق السنة وأهلها وعلمائها من قبل أفراد هداهم الله سواء السبيل لا نعلم أهم عامدون مغرضون؟ أم طلاّب شهرة؟ أم مقلدون مكررون لعبارات ببغائية؟ أم راغبو إصلاح ولكن ضلّوا صراطه المستقيم؟ ولماذا إذا ناصحهم المتخصصون وضعوا أصابعهم في آذانهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا؟! (*) الأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بالرياض