الناطقون العرب يكررون منذ سنوات مقولة مفادها أنه إذا انسحبت إسرائيل من المناطق التي احتلت في عام 1967م فسيعقد العرب السلام معها. إلا أن أولئك المتحدثين يصغرون في العادة من حقيقة أخرى لا تقل أهمية وهي مشكلة لاجئي 1948م وأحفادهم. الإسرائيليون البسطاء يعتقدون أن السلام يعتمد على إعادة المناطق متجاهلين عدداً من الحقائق: الرسالة الرسمية الصادرة عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هي أنه منذ صعود حماس إلى الحكم، لم يعد هناك تنازل عن حق العودة إلى حيفا ويافا وعكا. لم يتأكد بعد استعداد الفلسطينيين للاكتفاء بغزة والضفة نهائياً، حتى إذا قامت إسرائيل بإخلاء كتلتي آرييل وجوش عتسيون الاستيطانيتين. الرسالة الرسمية والثابتة للحكم السوري هي أن الجولان ينتمي لسوريا، وعلى إسرائيل أن تنسحب منه حتى خطوط يونيو 1967م من دون أي صلة باتفاق السلام. الحد الأقصى الذي ستحصل عليه إسرائيل مقابل إخلاء الجولان سيكون الهدوء على الجبهة اللبنانية. السلام مع سوريا سيقوم - وفقاً للناطقين السوريين - بعد أن تعيد إسرائيل (الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني). لهذه العبارة في القاموس السياسي السوري مغزى واحد: إعادة لاجئي 1948م وأحفادهم الذين ولدوا في سوريا إلى منازلهم في طبريا وصفد وحيفا. في سوريا اليوم 350 ألف فلسطيني يعتبرون من لاجئي 1948م. منذ عام 1948م، كانت الرسالة الثابتة للحكومات اللبنانية المختلفة هي أن على إسرائيل أن تقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في لبنان، الذين يبلغ تعدادهم وفق معطيات وكالة الغوث للاجئين أكثر من 300 ألف نسمة. اللبنانيون يتحدثون دائماً عن رفض (التوطين)، أي منع الفلسطينيين من الحصول على الجنسية. حسن نصر الله ذكر هذه الكلمة أيضاً خلال خطاباته إبان الحرب عندما قال إن إسرائيل تحاول أن تجبر لبنان على منح الجنسية للاجئين، وقال إنه لن يوافق على ذلك أبداً. معارضة إبقاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مشتركة لكل الجهات السياسية اللبنانية، والقانون اللبناني يمنع الفلسطينيين من العمل في 73 مهنة، ومنها شراء العقارات وفتح المرافق التجارية حتى يحول دون تجذرهم في لبنان. في الأردن تأتي المعارضة الأساسية للسلام من جانب الفلسطينيين، ذلك لأن اتفاق السلام الذي وقعه الملك حسين مع إسرائيل لم يُعيدهم إلى بلادهم. المظاهرات التي تنظم في مخيمات اللاجئين سنوياً في منتصف شهر مايو لا تترك مجالاً للشك: هم على ثقة أنهم سيعودون إلى منازلهم في فلسطين التاريخية في يوم من الأيام. هذا الأمل موجود في أساس الكراهية لإسرائيل التي تلقي بشعاعها على مضامين السلام بين شعبي إسرائيل والأردن. إخلاء سيناء أدى إلى السلام مع مصر، إلا أن كراهية إسرائيل في أوساط الشعب المصري لا ترتبط بأمور إقليمية وإنما هي نابعة من استمرار بقاء إسرائيل ككيان يهودي عصري وليبرالي وديمقراطي وغريب عن الواقع الشرق أوسطي التقليدي. الاستنتاج هو أن التوصل للسلام مع جيران إسرائيل العرب لا يرتبط بسيطرتنا على المنطقة، وإنما بالموافقة على عودة لاجئي 1948م مع أحفادهم إلى بيوتهم في داخل إسرائيل، ودفع إسرائيل بذلك للقضاء على نفسها ككيان صهيوني. بعد أن نقوم بإخلاء الجولان كاملاًَ، وبعد أن ننسحب من كل أراضي الضفة الغربية، سنكتشف أن جوهر المشكلة بين إسرائيل وجيرانها لم يُحل، وأنها ستبقى بعد ذلك بؤرة للصراع في المستقبل كذلك. الحقيقة - مهما كانت مرة - أفضل من الوهم اللذيذ والواهن. لقد آن الأوان لفهم جيراننا وأن نتوقف عن الإصغاء لأنفسنا فقط.