لا شك اننا نؤمن بأن الموت حق وان كل نفس ذائقة الموت وان الموت طريق سنسير عليه ومورد سنرده طال بنا الزمن أم قصر، ولكن يبقى للموت فاجعة تتقطع لها أنياط القلوب ولا سيما موت الأقرباء والمحبين ومن نعزهم ونقدرهم فبالأمس القريب فجعت بانتقال إنسانة عزيزة إلى نفسي قريبة إلى قلبي انزلها منزلة الأم فقد كان لها فضل كبير علي إبان طفولتي وفتوتي انها عمتي (أم غازي يرحمها الله) شقيقة والدي حفظه الله فهذه الإنسانة بأخلاقها وتعاملها وقربها من الناس ومحبتها لذوي الأرحام كان لها معي وقفة انسانية لن انساها ما دمت حيا فقد شاءت قدرة الله عز وجل ان تنتقل والدتي إلى رحمة الله تعالى وانا لا أزال فتى أو لنقل طفلا لا أتجاوز الرابعة عشرة من عمري ونظرا لكوننا آنذاك نسكن في القرية ففور الانتهاء من مراسم مواراة والدتي الثرى قام والدي بالسفر بي إلى مكةالمكرمة وتركني ارتمي في أحضان عمتي هذه لعلي أجد لديها الصدر الحنون الذي ينسيني هول الفاجعة المؤلمة ويبعدني عن المكان الذي عشت وترعرعت فيه مع والدتي رحمها الله والذي كان لي في كل شبر منه ذكرى معها غفر الله لها وبالفعل هذا ما حصل فقد احتضنتني عمتي بقلبها الحنون وسهرت على رعايتي ووجدت لديها كل الحنان والعطف والرعاية التي قد عوضني أو كاد يعوضني عن حنان والدتي كما انه كان من حسن حظي ان زوجها وهو خالي باعتباره خال والدتي هو الآخر لا يقل عنها حنانا وتواضعا ووجها بشوشا وخلقا رفيعا، ولم أجد منها إلا كل كلمة طيبة وتقديرا واحتراما وهكذا عشت لديها يرحمها الله على أحسن حال وكانت عمتي هذه حفية بي بشكل كبير لدرجة اني أنام معها في حجرتها وكانت لا تتناول وجباتها الغذائية إلا بوجودي على مائدة الطعام وحتى بعد ان كبرت وتزوجت كانت يرحمها الله تتابع اخباري وتسأل عني اينما كنت وتواجدت. بقي لي ان اذكر هنا وفي هذا الرثاء المتواضع ان أم غازي كانت شاعرة بالفطرة والموهبة والوراثة فقد تربت بين أسرة تعنى بالشعر فوالدها وعمها من الشعراء المجيدين ومن علية القوم الذين لهم مكانة كبيرة في قلوب أبناء قبيلتهم وحل مشكلاتهم والأخذ بمشورتهم ومن شعر العمة (أم غازي) انه قبيل عهد المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله وإبان الحرب العالمية منيت الجزيرة العربية بالفقر والجوع الشديد لدرجة انهم يأكلون أوراق الشجر من شدة الجوع، سافر زوجها ضمن الكثير من الأهالي في تلك الحقبة من الزمن إلى دولة فلسطينالمحتلة للبحث عن الرزق حيث كانت تتوفر فرص عمل هناك وبعد فترة أرسل لزوجته (أم غازي) مبلغاً من المال كمصروف مع صورة شخصية له كتذكار لها بعد غربة طويلة عنها وعن الوطن وهنا جاشت قريحة أم غازي الشعرية بقصيدة مطلعها: يا مرحبا أهلا بمرسل ردته ومصور الروح لا يحسبنه يسأل وحنا عنهم ما نسالي وعندما شاع خبر هذه القصيدة بين أبناء القرية قال شخص يدعى (عواد بن سعد) هذه القصيدة لا يمكن أن تقولها أم غازي فهي ليست شاعرة بل قالتها لها شاعرة أخرى تدعى (هدية) فلما وصل الخبر لأم غازي ردت على هذه المقولة لابن سعد قائلة: عواد يا بو سعد هو المثل بس لهديه حقران يا بو سعد ولا علينا منكرية وعندما وصلت هذه القصيدة لابن سعد الذي استشاط غضبا على من أوصل لها مقولته واعترف بشاعرية أم غازي. رحمك الله يا أم غازي وغفر لك وأسكنك فسيح جناته وجزاك عنا خير الجزاء وجمعنا في مستقر جنته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.