يمر العيد تلو العيد، ونحن بفضل الله في أحسن حال، ونرفل في نعم الله عز وجل التي تترادف وتتواصل بلا حساب. وتحملني أجنحة الشوق إلى ذكريات العيد في حارتنا القديمة، حيث تتوارد إلى الذاكرة صور ومشاهد العيد مع جيراننا في ذلك الوقت، كانت الحياة كلها تتسم بالبساطة والعفوية، وتشيع مشاعر الحب والود بين الجيران، الكل متآلفون متعاونون متراحمون، يشارك بعضهم بعضا في الحزن والفرح. كان الجميع لحمة واحدة كأنهم أبناء عائلة واحدة. أذكر أن الوالد رحمه الله كان في ذلك الوقت إذا سافر، أو فارقنا لأمر، كان يذهب وقلبه مطمئن، وباله مستريح، وهو لا يشعر بأي قلق على أبنائه؛ لعلمه أن الجيران سوف يتفقدون أحوالهم، ويقومون على قضاء حوائجهم، ومساعدتهم عند الحاجة، ويحيطونهم بالعناية والرعاية، كأنهم من نفس العائلة. كانت والدتي - حفظها الله وأطال في عمرها - عندما كان يأتينا شيء من الأرزاق - بفضل الله - في العيد، سواء من الكليجا، أو التمر اليبيس، أو الحلوى، كانت تقوم بتقسيم هذه الأرزاق على جميع من بالحارة، وكانت ترسلني وأنا غلام في السابق من عمري إلى بيوت الجيران لأقوم بتوزيع هذه الهدايا المتواضعة عليهم. تتوارد هذه الصور على ذاكرتي، وتتتابع في مخيلتي لأتذكر تلك المشاعر الرائعة، مشاعر الحب والود والتآلف والتراحم بين الجيران في السابق، كان العيد يحفل بتلك المظاهر والمشاعر، فيكون له وقع في النفوس ولا أروع. حق لقد كانت أياما رائعة، ببساطتها، وبما فيها من هذه المشاعر بين الجيران، ولذلك فهي تستحق أن تبقى محفورة في الذاكرة، مستقرة في الوجدان، راسية في سويداء القلب. وهذه الخواطر هي دعوة للجميع لكي نعيد إلى أرض الواقع هذه المشاهد الرائعة، ونحقق هذا الترابط والتلاحم بين الجيران، ولا نسمح لمشاغل الحياة مع كثرتها أن تلهينا عن جيراننا، أو أن تصرفنا عن مشاركتهم الأفراح والأحزان، وأن نتكاتف معهم في السراء والضراء، وأن نتفقد أحوالهم باستمرار، ونقف معهم لقضاء حوائجهم، فبهذا يصبح المجتمع كله أسرة كبيرة، بل كالجسد الواحد، مستحقا لوصف النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) والحمد لله رب العالمين.