فرحة الصغار بالعيد لا زالت باقية مع تغير الزمن تختلف مظاهر العيد والعادات والتقاليد المتبعة فيه باختلاف الناس والمكان سواء كان في المدن أو القرى، إلا أن العيد في القرى قد يعكس مظاهر العيد التقليدية التي لا زال أهلها محافظين على جمالها وصامدين أمام تغيرات المجتمع وتحولاته بدعم من كبار السن الذين عاشوا زمن الطيبين وزمن التقنية والانفتاح، ورغم ذلك صعب على البعض منهم مقاومة جيل اليوم الذي تخلى عن تلك العادات والقيم واستبدلها بالسهر، والنوم صباح يوم العيد، أو القطيعة والانعزال بأسرته، أو السفر. ذكريات الماضي في البداية يقول د.عثمان السلوم: في العيد يربط كل إنسان حاضره بعبق وذكريات الماضي الجميل بنكهته وطعمه الخاص والمختلف عن بقية الأيام، إلا أن العيد في الماضي له شعور أحلى وأفضل خاصة عند الأطفال، حيث كانوا يجتمعون ويتنقلون بين شوارع الحارة والبيوت فرحين مستبشرين يعلوهم صوت الأناشيد، ويشاركهم الفرحة الكبار في توزع العيديات التي هي عبارة عن عدد من الحلويات، ويبقى أطفال اليوم هم أكثر المحرومين من فرحة الأعياد، نظرا لأن تلك العادات تلاشت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبح العيد عند الأطفال أشبه بالأيام العادية فالألعاب والملاهي بأنواعها متوفرة طوال أيام السنة. بساطة وألفة ويصف د. السلوم العيد في الماضي بإمكانيته البسيطة والمحدودة، حيث لا تتوفر الثياب والملابس الجديدة، ولا الأطعمة والحلويات المختلفة، كما يتميز مكان المعايدة بالشمولية لجميع أفراد العائلة والأقارب والجيران وأهل القرية، وتمتد سفرة العيد بالأكلات الشعبية مثل الدخن والمرقوق والقرصان والجريش، مشيرا إلى أن البساطة في ذلك الزمن حاضرة، ومع ذلك فرحة العيد واستشعار مذاقه في الماضي أكبر وأجمل من وقتنا الحالي، لافتا إلى أن استشعار فرحة العيد والسعادة بحلوله هي ليست بالإمكانات والأطعمة، وإنما بالروحانية التي تأثرت سلبا بالماديات في السنوات الأخيرة، وانغمس الكثير في الماديات والمظاهر والدنيويات، حيث تقلص عدد الحضور في المكان المخصص للعيد، وأصبح نطاق المعايدة والسلام لا يتعدى الأقارب والجيران، فيما يحضر البعض والإرهاق يغلب عليه بسبب السهر طوال ساعات الليل. ارتباط بالماضي ويروي د. عبدالله مطر -أكاديمي ومستشار قانوني- أن أيام العيد بأنها تبدأ عند أهل مكة بتجهيز عشاء ليلة العيد بالطبق المعروف لديهم والمسمى «المنًزلة»، التي تتناول بالخبز ومشروب السوبيا، ثم يجتمع الأهل للذهاب إلى صلاة العيد في الحرم المكي الشريف في مجموعات أو فرادى قبل الصلاة بفترة من أجل التجهز لصلاة الفجر ثم انتظار صلاة العيد، وبعد إتمام الصلاة، يتبادلون السلام والتهنئة على القريبين منهم في المسجد، ثم تجتمع العائلة عند أكبر رجالالتها أو ما يسمي كبير العائلة من أجل التهنئة بالعيد، وتناول وجبة الإفطار التي تحتوي على العديد من الأطباق الشعبية الشهيرة، أو تقديم الكبدة والتقاطيع والمقادم على وجبة الإفطار كأحد التقاليد المعروفة حجازياً، بعد ذلك يقف الأطفال عند كبير العائلة للحصول على العيدية وهي أوراق نقدية جديدة، مشيراً إلى انه في عصر التكنولوجيا والإنترنت أخذت بعض العادات التي من صميم هويتنا وتاريخنا مجراها في التقلص أو الفقدان، محملا العبء الأكبر على الأسرة في ضرورة الاستمرار في نقل تلك العادات من جيل إلى جيل للبقاء عليها بأصالتها ورونقها الجميل وربط الحاضر بالماضي لترسيخ هويتنا وعاداتنا والانتصار على التكنولوجيا. فجوة اجتماعية ويرى د. عبدالله الناهسي- إعلامي ومستشار أكاديمي- أنه في ظل التوسع السكاني وتنوع الثقافات، وخاصة في المدن المكتظة بالسكان التي جاءت للبحث عن الإستقرار المعيشي والأمان الوظيفي، أصبح هناك فجوة إجتماعية بين الناس لعدد من الأسباب منها: إنشغال البعض في البحث عن مصادر الرزق، وضيق الوقت مما حتم عليهم أن يكون الوقت المتبقي هو للراحة والاسترخاء مع أفراد أسرته الصغيرة، الأمر الذي أدى إلى ضعف إحياء مشاعر العيد والتمسك بعاداته وتقاليده، وإظهار مشاعر الفرح والسرور ولبس الجديد وزيارة الأقارب والجيران، مشيرا إلى أن عادات العيد وتقاليده التي لازال جيل الأباء والأجداد يتمسكون بها هي في طور الاندثار، وأصبحوا يعيشون في مرحلة اليأس والإحباط مما يشاهدونه من أبنائهم أو المجتمع نظراً لقلتهم في مواجهة التغيير، مشددا في الوقت ذاته على العمل من أجل إحياء تلك العادات والدعوة لها عبر وسائل الإعلام ولجان التنمية المحلية، وكذلك المؤسسات المجتمعية لتشريب النشئ تلك القيم الإجتماعية والعادات الإيجابية للعودة إلى ماضي مشرف ومستقبل مشرق يعتز فيه الجيل بقيمه وعاداته التي تعزز التكافل والترابط. إلتمام للشمل من جهته قال صالح بن جعري- باحث اجتماعي-: يوم العيد عند كبار السن في وقتنا الذي نعيشه الآن لم يعد يحمل تلك النكهة الجميلة، واللقاءات الحميمة، نظرا لانغماس الشباب بما لديهم من ملذات خلقتها الطبيعة الجديدة للمجتمع، حيث يرى كبار السن أن العيد فرحة جماعية يلتم فيها شمل الأسرة الممتدة لدى كبيرها فيسمعون منه ويتغنون بحكاياته ويتعلمون من خبراته، في حين يرى جيل اليوم من الشباب أن العيد مجرد يوم يرتدون فيه الزي الرسمي، ويقيد حركتهم، ويقلل من فرص نومهم وسهرهم واجتماعهم بأصدقائهم، وبين هذا وذاك يظل الأطفال هم الوحيدون الذين يشعرون بفرحة العيد، وينتظرونه بشوق ففيه تجزل لهم العطايا وتقدم الهدايا. تقليد موروث ويتذكر د. ماطر الفريدي-استشاري نفسي إكلينيكي- العيد في السابق، واصفا أيامه بالبساطة في الطعام والملبس والترفيه وكذلك المكان عكس عيد الحاضر الذي دخل فيه التكلفة عند البعض بدأً من تغيير أثاث المنزل، والتعاقد مع أرقى المطاعم والمطابخ، وحجز القاعات والاستراحات للاجتماع، لافتاً أن ما يبذل حاليا من أجل إضفاء البهجة والفرحة في العيد كإقامة المهرجانات والاحتفالات والعروض المتنوعة لا يمكنه أن يعوض ذلك التقليد الموروث الذي يكمن في تلك التجمعات الاحتفالية الصباحية على طعام العيد في أحد شوارع الحي، ولا تلك العادات، والأكلات المتنوعة، والأهازيج التي يستقبل بها العيد داخل كل حارة. أسرة واحدة وتحدث «فالح الصغير»- اعلامي- قائلا: ذكريات العيد قديماً لا زالت قوية في الذاكرة لانها تحمل طعما مختلفا فيه الود والمحبة، وروح الأسرة الواحدة فبيوت الحي عبارة عن أسرة واحدة فيخرجون أطباقهم الشهية إلى الشوارع والممرات بقلب واحد وأصوات ترتفع بالدعاء، ولم يتغير الحال كثيرا في بعض القرى التي تعيد جزءا من رائحة عيد الماضي وذكرياته، أما في المدن الكبيرة للأسف لم يعد الجار يرى جاره حتى في العيد، ويبقى الزمنان مختلفين كليا، حيث نعيش زمنا مغايرا لذلك الزمن الجميل رغم صعوباته. عيد زمان جميل في مظاهره وعاداته وفي الترابط بين الأقارب والجيران أهالي الحي يشاركون في تقديم طعام العيد اجتماع الأقارب والجيران صباح العيد في شوارع الحي صلاة العيد قديماً حلوى العيد قديماً قبل ظهور الأنواع الجديدة استحضار مظاهر العيد قديماً في المهرجانات لربط الصغار بماضيهم الجميل د. عثمان السلوم د. عبدالله مطر د. عبدالله الناهسي صالح بن جعري د. ماطر الفريدي فالح الصغير