هم أيتام وليسوا بأيتام، بل إن معاناتهم أشد من معاناة اليتيم، فاليتيم وهو من توفي والده عرف يتمه بين الناس، وجاءت الأحاديث النبوية في الحث على رعايته وكفالته، والمجتمع بطبيعته يتعاطف معه، إنهم تلك الشريحة المنسية من أبناء السجناء ممن ابتلوا بغياب عائلهم خلف قضبان السجن، هؤلاء قد يكونون في حالتهم هذه أشد من الأيتام، لأن اليتيم معلوم عند الناس أن أباه قد مات فيعطفون عليه ويصلونه، وأما هؤلاء فقد تكون النظرة إليهم نظرة احتقار وازدراء ونظرة عتاب، وهذا خطر عظيم، فإن الأولاد لا يتحملون أخطاء آبائهم ولا يجوز تحميلهم إياها ولا احتقارهم وإنما الواجب النظر إليهم بعين الرحمة ومواساتهم وتصبيرهم على مصابهم وتشجيعهم للخروج من محنتهم وتحذيرهم من العزلة ومحاولة خلطهم بالمجتمع الصالح الذي يستفيدون منه في دينهم ودنياهم، وكذلك تفقدهم في المدارس ومتابعتهم حتى لا تزل بهم القدم والعياذ بالله فيما لا تحمد عقباه. وإذا كان العيد عند عموم الأطفال يوماً غير عادي فإنه عند هذه الشريحة يوم أقل من عادي، حيث يتجدد الحزن والألم والهم بذكرى السجن والسجين، أقبل العيد تاركاً لهؤلاء آهات وزفرات جسدتها دموعهم البريئة بأقسى معاني البعد والحرمان، آهات تنطلق من قلوب منكسرة فقدت من يمسح بحنانهم على رؤوسهم الصغيرة آهات وآهات وآهات ولا يعرف قيمة هذه الآهات إلاّ من عاشها وأدركها بحقيقتها وتجرع مرارتها. أتى العيد ليذرف هؤلاء دموع الحرمان بفقد الحنان، أتى العيد ليجدد معاناتهم ببعد مُعيلهم وقرة أعينهم، جاء العيد، والفرحة لم تجئ! معاناة هؤلاء لا يشعر بها إلا من شرب من كأسها، ومن تجرع مرارتها، إنهم أيتام مع وقف التنفيذ. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة). أخرجه مسلم.