ترددت أصداء واسعة في الآونة الأخيرة عن فصل السوق المالية في المملكة إلى رئيسي وثانوي، بحيث يكون الرئيسي معنياً بالأسهم القيادية وذات العوائد المجزية، والثانوي يُعنى بأسهم الشركات المدرجة حديثاً في السوق وكذلك غير الرابحة. وذلك في ظل قيام معظم الدول باستخدام السوقين اللذين يحملان عادة اسم داخل المقصورة وخارج المقصورة. وحول هذا الموضوع أجرت صحيفة (الجزيرة) حواراً مع المحلل المالي والاقتصادي د. أسعد جوهر للوقوف على خلفيات وآثار هذا التقسيم على المستهلك سواءً أكانت إيجابية أم سلبية. * ما مدى جدوى تطبيق هذا السوق المقسم وفصل المؤشر عن السوق الثانوي في ظل تواجد الجو المضارباتي والعزوف الملاحظ عن الأسهم ذات العوائد والقيادية؟ - لطالما ظلت هذه الثقافة المتواضعة لدى العامة في سوق الأسهم سواء من مضاربين أو مستثمرين صغاراً أو كباراً فلا أعتقد أن تقسيم السوق سوف يجدي نفعاً على المدى القصير، وتكمن المشكلة في ضعف الثقافة والرؤى الاستراتيجية لجميع شرائح المجتمع، فبالتالي لو بحثنا عن عمق المشكلة لوجدنا أنه من الصعب أن تتغير هذه الثقافة.. المسألة مسألة ثقافة، عادات، مسألة تداخلات مختلفة في مشاكل اقتصادية جزئية لدى الأفراد يصعب تماماً أن نجد لها حلاً قريباً، فطالما ظلت الشريحة التي تضارب في السوق تعرف تمام المعرفة وتعلم عين اليقين أنها تضارب على أسهم خاسرة وأسهم لا جدوى منها كاستثمار فإذاً كيف بنا أن نوجه هذا السوق بشكل يخدم الشرائح المختلفة.!! لا أعرف إلا أنني متأكد تماماً أنه لن يؤدي إلى أي جديد في السوق بالفترة الحالية. أما على المدى الطويل فأعتقد جدواها وأنا ممن يدعون لهذه التجزئة ولابد أن تتخذ هذه الخطوة بتقسيم السوق ولكن حينما يُخلق نوع من أنواع التنظيم للسوق الذي من شأنه المساهمة في توعية الناس بشكل أكبر. ولكني كقارئ للسوق وبالذات من النواحي النفسية فأجد أنه من الصعب تغيير الفكر الذي تولد لدى الناس وأصبح جزءاً من ثقافتهم الاجتماعية..!! ألا وهي المضاربة في الجانب الخاسر اعتقاداً منهم بأن ذلك سيحقق لهم ثروة سريعة تسهم في تحسين دخل الفرد وهنا مكمن الفرس. الحلول بيد الاقتصاد ككل..!! * كيف يمكن إيجاد حلول لمشكلة الثقافة إذاً؟ - عندما أقول إنها ثقافة أفراد فهذا يعطيك مؤشراً بأن الحلول ليست قريبة، والحلول أيضاً ليست بيد الهيئة، الحلول بيد الاقتصاد ككل، هناك شريحة معينة ذات دخول محدودة وهناك شريحة أخرى تآكلت دخولها وبالذات الطبقة المتوسطة وما دون ممن لم يجدوا أي فرص لتحسين دخولهم المادية، وهناك عدم وجود مؤشرات اقتصادية حقيقية تعيش المستوى المعيشي للأفراد داخل المجتمع، جميعها أسهمت في بحث الفرد عن وسيلة لتحسين وضعه. ليست لدي أي مشكلة إطلاقاً في أن تدخل بشركات مضاربة خاسرة ولكن المشكلة تكمن في التالي: أولاً: لا بد أن يعلم المضارب أو المستثمر بأن خيار المراهنة على هذه الشركات ينطوي على مخاطرة كبيرة فلا بد أن يكون مستعداً لهذه المخاطرة. ثانياً: ينبغي عليه أن يعلم بأن إقراضه من بنك أو من فرد بغرض تحقيق ربح سريع لن يؤدي إلى ربح بل قد يُلزمه خسارة كبيرة قد تُعمق من مشاكله. ثالثاً: أعتقد أن عموم الاقتصاد الكلي والجزئي لابد من إعادة دراسته وقراءته من جديد سواءً على مستوى دخول الأفراد أو على مستوى الخيارات المتاحة أمامنا لتحسين أوضاعنا. المستثمر الصغير لن يثق بسهم يرتد للخلف..!! * وكيف يمكن جعل المستثمر الصغير يلجأ للأسهم القيادية وخصوصاً في حال فصل السوق وخفض نسبة التذبذب بالسوق الثانوية؟ - المستثمر سواءً صغيراً أم كبيراً يبحث عن الربح السريع والمرتفع، فمهما حاولت أن تخلق له أنواعاً من الجو الثقافي في سبيل أن يتحول للأسهم القيادية وذات العوائد فلن يفعل ذلك وهو يرى هذه الأسهم تزداد ارتداداً إلى الخلف.!! المستثمر أو المضارب الصغير لن يصل لمرحلة الثقة الكاملة في قرارات وضوابط السوق إلى بعد أن تكون الشفافية كاملة وأن يكون هذا المستثمر الصغير جزء من المكون الكبير للسوق، فلا يجب أن تُهمل شرائح داخل السوق. دوماً يعاقب الصغير فمتى يُلام الكبير..؟! * هل ترى أن الشركات تقوم باتخاذ قراراتها بطرق صحيحة؟ - في الواقع حينما تُصدر الأنظمة فهي تَُصدُر في البداية ثم تُدرَس على عينة منتجة من داخل المجتمع..!! والأصح هو دراستها بالطرق العلمية التي تعلمها الجميع في مدارس الاقتصاد المختلفة وتكمن في اختيار شرائح منتجة من داخل المجتمع كتوزيع استمارات أو القيام بعمل استبيانات ثم أخذ هذه العينات ومحاولة اختبار صحة فرضياتها واستنتاجاتها، إذاً هناك طرق علمية تؤخذ في الاعتبار عند دراسة أي قرار. وهذا كله يندرج تحت بند الشفافية، إذاً عندما يصبح السوق شفافاً ويُسمع صوت المساهم الصغير في كل شركة من الأصوات الكبيرة، وعندما تُعقد الجمعيات العمومية وتأخذ بآراء الأقلية عندها سينضج فكر المجتمع.. ولكن في ظل عدم تواجد هذه القوانين كيف تريد من المستثمر أن ينطلق لهذه الشركات القيادية وهي غير مكترثة له؟! توجد هنا مشكلة كبيرة ويجب أن توضع على طاولة النقاش وتكمن في ماذا لو أخطأت الأصوات الكبيرة في الشركات وقامت بعمل قرارات عشوائية؟! على الهيئة أن تعي الجانب السلوكي للمستثمر * هل هناك رسالة تود أن توجهها؟ - نحن في بلد اقتصادي يسعى بأن يكون اقتصادياً حراً فينبغي أن ننظم ونضع القوانين والضوابط ونعطي أقصى درجات الشفافية والإفصاح والقيام بتهيئة نظام قضائي تجاري مالي قوي يضبط إيقاع المخالفين، ثم تُترك الأمور تسير كما يجري السيل. وإنه على هيئة سوق المال أن تنفتح لكافة الشرائح والآراء وأن تصل هي للآخرين لا أن يصلوها، وأعتقد أن الخطوات التي تقوم بها الهيئة تحتاج إلى إعادة تقييم من جديد وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب النفسي والسلوكي للمتعاملين في سوق المال.