قشعريرة قوية تسري في أنحاء الجسد حينما يرى أفواج المعتمرين والمعتمرات لبيت الله الحرام، وجموع الزائرين والزائرات لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، إنها قشعريرة (الفخر والسرور) بما حبا الله به بلادنا من (شرف الإشراف على تلك الأماكن عظيمة القدسية)، والذي أثار حسد الحاسدين وحقد الحاقدين، ولكنه تعالى يعلم من يستحق الفضل فينعم به عليه لأنه الأدرى بمن (يؤدي رسالته على الوجه المطلوب دونما بدع شركية تصرّ عليها العقول الجاهلة المتبعة لسلطان الهوى ووساوس الشيطان المهلكة). دموع الفرح والحبور تنهمر وهي تسمع آيات كتاب الله الكريم التي يُصدع بها من تلك المواطن المقدسة (شهر القرآن) الذي أنزل فيه وتفرغ أثناءه رسولنا العظيم وصحابته الكرام لتلاوته وتدبره، إنه شهر الصيام والقيام فكيف بالله يعمدون إلى بتر شطر هذا الجسد المتكامل، وقد قال تعالى مخاطبا نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام: )أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(، فجمع الطائفين والعاكفين جمعا اعتياديا على وزن اسم فاعل: طائف وعاكف، بينما جمع المصلين على وزن صيغة المبالغة وهو أقوى، فجعلهم: الركع السّجود على وزن فُعَّل وفُعُول، أقوى مما لو كانت مثل وزن سابقتيها فكانت على هيئة راكعين وساجدين بالجمع المعتاد. كما لا ينكر منكِر ان صلاة التراويح والقيام في الحرمين الشريفين أكبر وسيلة لنشر الإسلام العظيم آخر الأديان وأصحّها الذي تكفّل الله سبحانه بحفظه ونشره، وهذه إحدى الوسائل القوية التي يَسَّرها تعالى لنشره في كافة أنحاء الأرض، بل في كل دار بشريّ وجهاز إعلامي مرئي أو مسموع، لاسيّما وقد قامت بلادنا بجهود عظيمة من حيث ترجمة المصحف الشريف وهو يُتلى على الملأ، فما أعظمها من وسائل دعوية معاصرة. أسأل الخالق العظيم أن يجعل أجرها الكبير في موازين أعمال أهل بلادنا الإسلامية العزيزة مسؤولين ومواطنين.. مرحى أهل هذه البلاد قاطبة.. فلقد نقلكم الله من ذل الجاهلية إلى عزّ الإسلام، ومن عبودية المخلوقات إلى عبودية خالق الكون العظيم، وأنقذكم من الفرقة والذل (والخضوع للقياصرة والأكاسرة) إلى عزّ التوحيد، فأضحت (العروبة) المرتبطة بالبداوة هي الآن قائدة العالم الإسلامي (يعتزّ بلغتها) التي هي لغة كتاب الله العظيم والتي صار ثلث سكان العالم يتحدثون بها بل ويتسابقون لتعلمها وإتقانها. وسلام يا أتباع النبي العربي الأمي محمد بن عبدالله يا من (أصبحتم للمتقين إماماً) ترمقكم أنظار العالم كافة ما بين معجب مبهور مأموم لكم، وحاسد غيور يتمنى أن يكون مكانكم فإياكم أن تهبوا هذه الفرصة الثمينة للذين يتربّصون بكم الدوائر ويعضّون عليكم أناملهم من الغيظ، واجعلوا نصب أعينكم - بني قومي - مكرمة الخالق لكم التي بيّنها بقوله: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). إن جهود هذه البلاد المباركة حكومة وشعبا لا ينكرها منكر أو يجحدها جاحد مهما بلغ به العداء أو الجحود، منها التوسعات العظيمة للمسجدين العظيمين، التي أعطت الحق لكل مسلم كي ينعم بالعبادة فيهما، ولا يستطيع مدّعٍ أن يجحد انها كانت بسبب كثرة الركّع السّجود الذين يريدون فضل القرآن في شهر القرآن، حتى أصبحت وأمست بلادكم بلاد الحرمين الشريفين قبلة ومحجّاً عالميين، فحافظوا على هذا الفضل العظيم ولا تبتغوا له بدلاً من زيف الحياة الدنيا ومتاعها الزائل الذي يودّ أعداؤكم المتعددون أن تستغنوا به وبئس البديل. (*) الأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بالرياض