إنه والد الجميع في أسرة العمري، غالب من ينتسب للأسرة على كثرة فروعها وتعدّد أماكن أبنائها في القصيم وما جاورها يربطه معه قرابة، يُضاف إلى ذلك قرن من الزمن عاشه - رحمه الله - جعله مرجعاً في معرفة الآباء والأجداد على كثرة تفرّع الأبناء والأحفاد. لقد عاش - رحمه الله - رحلة طويلة من الكفاح، أدرك خلالها بداية توحيد هذه البلاد على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله -، وكان - رحمه الله - مرجعنا في أخبار تلك الفترة وتفاصيل أحداثها وسير أعلامها، وكنا نستفيد منه - رحمه الله - في معرفة الأنساب وقصص السابقين وحياتهم وطرائف أخبارهم. أما عن صفاته فقد كان - رحمه الله - صبوراً تحلَّى بذلك في جميع حياته على ما مرَّ به من صعاب، وكان - رحمه الله - قليل الحديث لا يحب أن يستأثر به في المجالس، لكنه إذا سُئل عن أمر وخصوصاً في أحداث من مضى وجدت عنده خبراً منها، وكانت القناعة تلازمه؛ دوماً فليس هو ممن تستهويه الدنيا واللهث وراءها، وقد أورثه هذا رضا النفس، وراحة البال، وسكينة القلب. لقد كان - رحمه الله - كريماً يحب زائريه ويرحب بضيوفه، ما من مناسبة إلا ويدعو أسرته إليها، وكان رحيماً بالصغار يحب مداعبتهم وإهداءهم، وقد كنت يوماً أحدهم فكنا نفرح بزيارته - رحمه الله - فيلاطفنا ويمازحنا بعبارات لا تُنسى، ولم نكن ننتظر الأعياد حتى نأخذ من أعطياته؛ فقد كان يمنحنا دوماً مع كل زيارة له. ولما ضعف جسمه وذاكرته في آخر حياته بقي - رحمه الله - صبوراً لم ينفك عن صفتين عظيمتين أولاهما: ذكر الله وحمده وشكره والثناء عليه، والثانية: الترحيب بزائريه وإكرامهم. هذه هي الدنيا رحلة من السنين والأيام وإن طالت فلا بد أن تنقضي، ندرك فيها أحباباً ونفقد آخرين، وقد قيل أحبب من شئت فإنك مفارق، ولكن يبقى لنا مع من نحبه ذكريات ومواقف نتذكرها فنترحم على أصحابها وندعو لهم بالمغفرة والرضوان. إن الذكر الحسن والسيرة الطيِّبة من العمل الصالح الذي يبقى صاحبه حياً بين الناس وإن كان تحت الثرى، وهكذا كان جدي - رحمه الله - صاحب ذكر حسن وعمر مديد، وإني لأرجو أن يكون - رحمه الله - ممن شمله قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) رواه الترمذي. رحمك الله جدي رحمة واسعة، وغفر لك، وجمعنا وإياك في فسيح جناته آمين.