هذا كتاب ألفه صاحب المعالي الشيخ/ عبدالرحمن بن محمد السدحان عن (سيرة حياته المباركة) وأنا من أحبّة أسلوب هذا الرجل وعشقة مذهبه في الإنشاء والتعبير، فلما سمعت به خرجت في طلبه أنشده حيث يباع، فوجدته، فابتعته، وإذا هو (361) صفحة تروي لنا شيئاً من أيام دهره الخوالي، منذ طفوليّته أوائل السبعينيات الهجرية بمزرعة جده لأمه في (قرية مشيّع) العسيرية، وتنقله خلال المملكة، من أبها إلى جازانفالطائف ثم مكةوجدة... وكذلك في الخارج: لبنان ونيويورك ولوس أنجلوس، حتى أرسى في (مدينة الرياض) حرسها الله. ولقد عاش وعاين في تلك الأزمان والأوطان ضروبا من أحوال الدنيا قليلها صفو وهناء، وكثيرها نكد وعناء.. ولهذا بدا لنا الكتاب ترهقه قترة بظلمة الشطر الأول من حياة ربه (عبدالرحمن) إلا من بارق ضعيف يومض أياماً ثم ينام عاماً.. ومرادي بالشطر الأول: ما بين الطفولية وصدر الكهولية فما السعادة عنده -تلك الفترة- إلا الشعرة البيضاء في الثور الأسود (ندرة) حتى لكأن صاحبنا هو الشاعر القائل: وأيام الهموم مقصصات وأيام السرور تطير طيراً أو الآخر القائل: مضحكات الزمان توزن وزناً والبلايا تكال بالصيعان أو أنه من يقول: محن الزمان كثيرة لا تنقضي وأرى السرور يجئ بالفلتات فما كان بلوغ المرام عند صاحبنا إلا أن يسالمه الزمان فلا يشقيه ولا يسعده، ولو لم يظفر بأكثر من قوت اليوم، على نمط ما كان للملك الضليّل (أمرئ القيس) يوم أدبرت عنه الدنيا وقلب الدهر له ظهر المجن.. وألجأه إلى أن يقول (وحسبك من غنى شبع وري) بعد أن كان يقول: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي لكن صاحبنا وإن كان - يومئذ - قد يشبه أمير الشعراء الجاهلي فيما ألم به من ضعف، إلا أنه يفارقه في إقبال من أيامه وتطلع من أحلامه، وآمال طوال عراض هو يصبو إلى بلوغها وهي تنتظره ملهوفة.. غير أنه لم يحن زمانها يومئذ لصغره وقلة حيلته. وأقول كذلك إن حال هذا الوزير السعودي (ابن سدحان) تختلف عن حال نظيره العباسي سليمان بن وهب (وزير المهدي) إذ يقول سليمان: قد ذقت حلوا وذقت مرا كذاك عيش الفتى ضروب ما مر بؤس ولا نعيم إلا ولي فيهما نصيب فهو لم يمر عليه نعيم. إلا نال منه وتمتع، وأما عبدالرحمن فقد قنع من الغنيمة بالإياب، فإنه في تلك الفترة الغبراء إذا نجا من التنكيد فهو المرفه السعيد. أخونا هذا رعى الغنم صغيراً، وساس البقر، وشرب الماء مع بهيمة الأنعام، ودهمه أول شبابه خطب الخطوب وكرب الكروب (طلاق أبيه أمه) فانهال عليه من الوبال وسوء الحال ما جرعه شحم الحنظل وحساه عصير الخروع، فصار (يتيما وأبوه حي) مذبذبا حيران بين يد أبيه وصدر أمه، وما أكثر ما نزع من حجرها نزعا في هيئات مروعات تذرف لها العين دما ثم توالت عليه الرزايا بالذي أنقض ظهره وضيق صدره، حيث أمسى يعيش في بيئة موحشة بالجبال العالية والوحوش الضارية، فلا يرى من الدنيا إلا المراعي القفر أو ما بين داري جده وأخواله، أو دربه إلى المدرسة كل يوم يمشي على رجليه أربعة أميال في الغدو ومثلها في الرواح، يدوس الحجارة والشوك والحفر، وتكنفه أشباح الغيلان وهرير الكلاب العاديات العاويات من بين يديه ومن خلفه منها العقور ومنها المسعور يلوح الردى بين فكيه ونيوبه حتى عاف - لذلك - المدرسة وما فيها، وآثر الفلاحة ورعي الغنم على جنة الكتاب والقلم. هذا وقد ابتلي بالحصى في كليتيه فذاق من عذاب السقم ما زاد من كدر عيشه، ولم يسترح إلا بعمل الجراحة مرتين بعد مقدمات من الأوجاع تفطّر القلب وتفري الكبد. ولقد سافر ذات مرة بسيارة فيها صبية في الثامنة عشرة من سنها، وكانت مضطجعة في السيارة قدامه، وقد انشدخ أنفها برمية رصاصة خرقت بعضه وهي في أنات وزفرات حبيسة بالوجع الممض، حتى صار من يشاهدها كأن جوفه يحشى بجمر الغضا. ومن البليات التي عرضت لهذا الرجل (أن ختنه أبوه كبيرا) ولا تسل عما دهاه بذلك من التفزيع والترويع. وفي لوس أنجلوس أنقض عليه يطارده (غول بشري) سكران ومعه آلة قتالة يقول - كذبا - إنه البوليس، وكاد يهلك صاحبنا لولا أن نجاه الله بيهودي بلغ الشرطة فأزاحوه عنه وكفوه بأسه (وهي قصة مبسوطة في الكتاب). إلى غير ذلك من النوازل التي أوحشت قلبه وأغطشت حياته، حتى لقد هممت وأنا أقرأ هذا أن أقترح عليه أن يسمي الكتاب (قطرات من سحاب العذاب). على أن ما جرى لأستاذنا السدحان من الأوجال والأهوال ليس هو بدعا فيه، بل إن البشرية كلها تشركه في نائبات الدهر، من أبينا الأول حتى آخر من يفنى من عياله.. فالدنيا طبعت على الأكدار والأنكاد، وإن كتب الأخبار والسير مليئة بالوقائع من معاكسة الدهر بنيه في قديم الدهر وجديده، ولا يسلم من عوادي الزمان أحد ولو كان في برج مشيد: من ذا يد الدهر لم تنله أو اطمأنت به الديار كل عن الحادثات مغض وعنده للزمان ثار ويقول شاعرنا - نحن العامة - راشد الخلاوي: ما خلت الأيام من لاكونه ومن لا كونه عابيات له أعباه أجل إنه ليس بعد قول الله قول: سواء ما في آل عمران (لتبلون في أموالكم وأنفسكم)، أو في سورة البلد (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أو غيرهما من أي التنزيل. فمن أراد أن يكتب عن خطوب الدهر ويطول (عدا ورصدا) فهو محتاج إلى أن يتخذ له مقعدا للكتابة في مصنع الورق ويمكث دهراً لا شهراً، ثم هو ليس ببالغ مما يريد إلا بمقدار ما تلقفه كف الصغير من الغدير الكبير. أيها الإخوان: قلت أول كلمتي: إني كلف بأسلوب السدحان في الكتابة، لأني أراه بليغ العناية بما تخطه يمينه من فنون القول، ومن أحرص الكاتبين على أن يكون فصيح اللفظ صحيح المعنى سهل العبارة واضح الغرض، يصطفي الألفاظ والجمل ثم يسكبها من السطر في موطنها الصحيح، بل أكاد أظنه إذا جلس للكتابة وبسط الورقة وأهوى إليها بالقلم فإنه يتردد في تخير الألفاظ - إثباتاً وحذفاً - حتى يطمئن إلى أنه استقامت له جادة التعبير.. بل لقد كدت أحسبه بهذه الحفاوة الشديدة والحرص الطموح يوشك أحياناً أن يلمس حد الصنعة والتكلف.. ثم إن له ميزة في الكتابة ليست كثيرة عند غيره، تلكم أن القارئ لا يكاد يتلو صفحتين أو ثلاثا من كلامه إلا ويرى فيه ما يشير إلى معنى آية من القرآن أو جملة من الحديث أو حكمة أو مثل شارد.. وذلك مما آثر عن قدماء العرب في أشعارهم ونثورهم. على هذا النسق من فن الإنشاء والتعبير، ألف السدحان كتابه عن سيرته المحمودة.. وأنا لما قرأته بدا لي منزع إلى التأمل فيه وتدبر ألفاظه ومعانيه، فرأيت أن لقلمي مدخلاً صغيراً إلى شيء من الملاحظ النقدية فيه، وهي سهلة هينة، علما أنها لم تلج إلى غرض الكتاب وموضوعاته وإنما هي شكلية لغوية صرفياً أو نحوياً أو في نسق الكلام ونظمه، إلا ما يعنّ - بالندرة - مما يلمس الموضوع، فقد ألم به (مجرد إلمام). ولن تكون ملحوظاتي مرتبة بحسب تسلسل ورودها بالكتاب، إذ ليس للترتيب هنا من الاعتبار ما يحرصنا عليه.. وإنما المهم (والنص المراد علاجه). هذا وأنا عليم بأني لست أهلاً للنقد ولا قريباً من أهليته لأني لم أدرسه في كتاب، ولم آخذه عن أستاذ، أو أحذق شيئا من أصوله وقواعده التي تعلّمها فعلمها الهويمل والغذامي وابن حسين وغيرهم من نوابغ المدارس النظامية.. وإنما أنا قبست شعلة ضعيفة من هذا الفن بالفراسة من مدرسة الحياة (الابتدائية) وسأتناول (سحائب الذكرى) بطريقة هذه المدرسة المسمحة الساذجة، وعلى هذا فإن قولي ليس بعيداً من أن يكون جله بل كله ساقطاً من أصله، فإن كانت الحال (هكذا) فأنا أشهد الله أني ما تعمدت الغلط، بل هو حاصل نظر فاسد عن اجتهاد خالص الخلوص لوجه الحق ثم لمقام هذا الكاتب العظيم، على أن الاختلاف في الناس سنة ماضية فيهم بالتوارث من القديم (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك). قلت فيما مضى: إن الأستاذ السدحان من أشد الناس احتفالا بما تدونه يمناه من نفائس الكلام، وأنه حريص على (بلوغ المرام) في الإجادة.. ولكن هذا التوخي البليغ لا يعصم من الخطأ المطبوع في البشر أجمعين (إلا من اختصه الله بالعصمة منهم). وأول ما حرك خاطري بما خط في الكتاب ونبه الذاكرة والقلم إلى شيء من المآخذ فيه، (إغفاله ذكر التواريخ) لوقائع هذه السيرة المحمودة، كانتظامه في كتاب القرائن طفيلا، وما تلاه من مراحل الدراسة حتى لامس الدكتوراه، وكذلك أسفاره منذ الصغر إلى كثير من نواحي المملكة ثم رحلاته الخارجية حتى إنك لتبلغ من قراءة الكتاب الصفحة (250) من غير أن ترى أي رصد تاريخي إلا مغادرته إلى بيروت 1961م، وأنا كنت دونت في مسودة كلمتي هذه صفحتين أو ثلاثا عن تقصير صاحبنا في هذه المسألة المهمة مع الإيضاح بالأدلة، ولكن صرفت النظر عنها اختصاراً. إذاً هيا إلى مأخذ آخر على كتاب (قطرات من سحائب الذكرى) إنه الإكثار من الألفاظ (غير العربية) منتشرة في جوفه حتى لا تكاد تقرأ عشر صفحات إلا وترى هذا الأمر العجيب (من غير حاجة إليه ظاهرة) إلا أن يكون الولع بالمصطلح الإفرنجي وكأنه حلية للكتاب وتطريز (وما هو من ذلك على شيء كثير أو قليل، إلا التكدير لصفو كتاب فصيح اللسان ناصع البيان، أما أنا فلو أن المؤلف غير هذا الأديب الرصين لظننته يتأنق ويدل مباهياً بسعة ثقافته بكلام العجم.. لكن شيخنا هذا طول باعه في العربية يجنبه هذا الاحتمال.. لأن الله وهبه من الفقه بلغته الأصلية حظا يغنيه عن العارية من لسان قوم آخرين.. ومهما تكن الحال فإن هذا ليس من نعوت الكمال وإنه لممّا يغفر للمؤلف لو أن كلمات الرطانة في كتابه يسيرة أو أنه حين استطابها شرحها لنا مثل (الهنداسة والشيشة) فقد بيّنهما في الهامش.. ومن المستطرف أنه فسّر (الحب) في هامش 128 فقال: هو بفتح الحاء، يعني الناتج عن زراعة البر أو الشعير أو الذرة، مع أن هذا معلوم في سائر ديار العرب، ومثل ذلك كلمة (تستقي) قال: أي تجلب الماء بواسطة القربة.. فهل من أحد يعربي لا يفهم هذا؟؟ ثم إنه تركنا (نحوس وندوس) في معنى الهيراركي فقد رددها مراراً كقوله (كان لجده مكانة في الهيراركي الاجتماعية) ومثل ذلك (البرجماتية) وغيرها من ألفاظ الأجناب، طرحها قدامنا ولم يفسرها ولم يجعل من السياق ما يدل عليها فلماذا لم يبيّنها كما فعل في الصفحة 120 مع لفظ: دمة أو رقصة خماسية (فقد فهمنا من (رقصة) أن الدمة بمعناها أو قريبة منه لكنه (حفظه الله) ألقى علينا هذه العجماوات من الألفاظ مما لا يفهمه إلا خاصة الخاصة (أمثاله)، مع أن السيرة الذاتية لا تكتب قصرا على النادرين علماً، وإنما هي لنا نحن عامة الناس كذلك.. ومن الطريف - أيضاً - أنه قال في 119 كالعروس والختان (الهود) أي أنه فيما فهمت فسر الختان بالهود.. فإن كان كذلك فهو كمن يشرح المرأة بأنها (السجنجل) فارسية معربة. حيث بالغ في صرفك عن المعنى الواضح إلى المعنى البهيم، وكنت هنا أنتظر أن يبين لنا معنى (الهود) فلم يفعل مما أرجعني بالذكرى الدراسية إلى المعهد العلمي بالرياض قبل ثلاث وخمسين سنة وكان الدرس مادة (التفسير) فعرض لنا في سياق الشرح بعض آية في الأعراف: (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ومن العجيب أن شيخنا فسر لنا لفظ (الجمل) بأنه حيوان كذا وكذا... مع أنه ليس فينا إلا والجمل هو من أول ما رأى وعرف في الدنيا.. فلما جاء (سم الخياط) وثب شيخنا عنه وثبة أنا لا أدري إلى اليوم متى انتهت؟؟ على أننا لا نستبعد أن ذلك الشيخ المصري الجليل قد وعى تفسير الأعراف كلها قبل أن يولد أكثرنا، لكن الذي كان (هو ما قلت). إذاً فليت الذي شرح لفظ الختان بأنه (الهود) تركنا بلا شرح على (طمام المرحوم) فلقد كاد فهمنا لفظ الختان يضطرب بهذا التفسير الغريب. ثم أعود إلى أن المؤلف (سلمه الله) قد أكثر من ألفاظ الإفرنج مثل هيراركي، سيناريو، التيب، طابور، برجماتية، أجندا، مهراج، فوبيا، مانيو، ونحو ذلك، نعم، لقد أكثر من ترديد هذه المصطلحات الدخيلة. أيها الإخوان: تعالوا نتحول عن هذا إلى الشئون اللغوية -وهي موضوع كلمتي كلها في الأصل- مزاوجة بين النحو والصرف. في الصفحة 32 (فاطعمتك مثنى وثلاثاً ورباعا) وهذا مما يحفظ سيبويه لو كان حيا، لأن هذه الأسماء العددية مما لا ينصرف فلا ينون، كما جاء في الآية الثالثة من النساء في (جواز أن ينكح الرجل من النسوان إلى أربع) وعلى هذا فالصواب أن يقال: (فأطعمتك مثنى وثلاث ورباع). وفي 62 (بعد أن غشتني وحشة الزمان) فقوله غشتني ليس بصواب بل يقال (غشيتني) على زنة لقيتني ونسيتني ، جاء في سورة طه (فغشيهم من اليم ما غشيهم). هذا ولقد رأيت في الكتاب مع الفعلين (عانى واحتاج) شأنا في قواعد النحو (ليس مرضياً).. حيث ألتبس على المؤلف حكمهما في باب (التعدي واللزوم) فعكس القاعدة فيهما مراراً. فالفعل (احتاج) وهو لازم، جعله متعديا بنفسه فسلطه على المفعول مباشرة فنصبه، جاء ذلك في ستة مواطن: يقول في 42 (يحتاجونه) والصواب: يحتاجون إليه، ونظائره في 85، 108، 213 ، 265 مرتين.. وأما الفعل المتعدي (عاني) فقص جناحيه وألزمه مكانه فلم يعمله إلا مسحوبا بحرف جر يقول في 86 (كنت أعاني منه) والصحيح أعانيه، وشبه ذلك في 95، 139، 167.. هذا وإن قول المؤلف (أعاني من اليتم) غلط من وجهين: أولهما أنه عدى الفعل (أعاني) ب(من) وهو غني عنها، فهذا خطأ لغوي.. وثانيهما أنه خالف الاصطلاح في حقيقة اليتم حيث وصف نفسه به مع أن أباه - يومئذ - حي.. (إلا أن كان يريد التعبير المجازي). وفي 70 (باقة من أغصان الرمان) والفصيح أن تبدل الباء بالطاء فيقال (طاقة).. ويشبه هذه الغلطة ما جاء في 209، 348. وفي 43، 75، 76 يستعمل المؤلف لفظ (الطيف) على أنه النوع أو الجنس أو الشكل فيقول مثلا (تحمل أطياف الضيم) وهذا التعبير لا يصح للغرض الذي يريده الكاتب هنا، ذلك أن الطيف في اللغة: الخيال الطائف في المنام، وهذا بعيد عن المعاني التي يريدها.. إذاً هو تعبير لا سند له في اللغة على ما أفهم أنا. وفي 127 (كنت ألهو كطفل) يشير إلى زمان كان فيه طفلا حقا، وهذا التعبير غير صحيح.. فإن كاف التشبيه زيادة أفسدت المعنى فيلزم حذفها ليصبح الكلام (كنت ألهو طفلاً) ونظيره هذا في 350 (أو المجتمع ككل) والصواب (المجتمع كلا) أو تغيير العبارة هكذا (المجتمع عامة). وفي 157 (واذكر إنني) بكسر همزة إن، والصواب فتحها، فإن حرف التوكيد (إن) وما انسبك معه من الجملة بعده، يعرب مفعولا به للفعل (أذكر) فوجب فتح الهمزة هنا، وكذلك قال (رغم إنني) والصواب أنني بالفتح، وفي 208 (وما إن وقفنا) بالكسر والصحة: الفتح. و72 (معلم زمان) بمعنى المعلم في الزمن الماضي فأخلفه التعبير الصحيح فقال هكذا، وهو لهجة في بعض ديار العرب ليست فصيحة، لأنها لا تؤدي المعنى المراد بها.. يقول عبدالفتاح مصطفى في قصيدته الشعبية (لسه فاكر):- لما تسألني أقولك كان زمان)): ختم بها المقاطع.. وما كان لكتابنا (قطرات من سحائب الذكرى) أن يجاري هذا التعبير العامي. 176 (أجاد أنت أم تمزح) وددت لو أن الفعل (تمزح) عطف على فعل (مثله) بدلا من عطفه على اسم، كي تتحقق المعادلة بين فعلين محض أو اسمين محض فيقال: (أجاد أنت أم مازح)، أو يقال (أتجد أنت أم تمزح). 346 (تدغدغ كبريائي) أنا أرى إضافة الكبرياء إلى أحد منا نحن البشر (غير مناسب).. ولا أريد هنا الإضافة النحوية، بل إضافة (التقديس). 217 (وكنا في سن مبكر)- قاعدة النحو: وجوب أن تطابق الصفة الموصوف تذكيرا وتأنيثا، أما هنا فقد خولفت هذه القاعدة فوصفت السن وهي (لفظ مؤنث) بكلمة (مبكر) وهو اسم مذكر، والصحيح (وكنا في سن مبكرة). 193 (وكنت طفلا يافعا) وصف الطفل باليفع: غير مسلّم.. فإن اليافع في اللغة: الغلام ناهز العشرين أو ترعرع وناهز البلوغ، وأما الطفل فهو الصغير، فهناك فرق بين الحالين ويظهر هذا في قوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم). 158 (وكانت عمالة المتجر) استعمال لفظ عمالة يراد به العمال (غلط واضح) وذلك أن العمالة (بفتح العين ورفعها وجرها) هي رزق العامل وأجر عمله. وليست جمعا لكلمة (عامل) التي تجمع على عملة مثل كتبة وحسبة أو عمال مثل كتاب وحساب، فالحق إذاً أن يقول المؤلف: وكان (عمال) المتجر. وفي الصفحة نفسها (وكان كل شيء عادي) والصحيح (عادياً) لأنها خبر كان ولا يجيز رفعها كونها محصورة بالقوسين، فالأقواس لها وظيفة غير الإخلال بقواعد النحاة.. وإلا لاضطربت أصولهم فصار كل من جهل إعراب كلمة وحار فيها استغاث بالأقواس تعصمه من زراية النقاد. وفي هذه الصفحة كذلك (بالقوافل القادمة من أو الراحلة إلى أبها وصبيا ومنهما) إنها ألفاظ خبص بعضها بعضها فتداخلت وكادت تكون أحجية. يعايا بها أي (يلغز بها).. ولهذا فأنا اقترح لفك هذا الاشتباك أن يقال (بالقوافل القادمة إلى أبها وصبيا أو الراحلة منهما) أليس كذلك؟؟ وفي هذه الصفحة وهو الملحظ الرابع فيها - قوله (كل عصر ومساء) وهل العصر إلا بعض المساء؟؟ فكيف يعطف الشيء على بعضه؟؟ إن المساء هو آخر العصر قبل الغروب.. فلا يتأتى الطباق البلاغي بين لفظي (العصر والمساء) لتضمن أحدهما الآخر.. وإنما يكون الطباق البديعي بين الصبح والمساء أو الليل والنهار ونحو ذلك. وفي 355 (يكفر عن سيئات الأمس) هذا التعبير يردنا إلى مسألة (التعدي واللزوم) التي مرت بنا مع الفعلين (احتاج وعانى) فإن الفعل (يكفر) مما يتعدى من غير وسيط فينصب معموله بالمباشرة.. قال تعالى آخر آل عمران: (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) ولم يقل (وكفر عن سيئاتنا) ونظائر هذا من الشواهد كثير في التنزيل كما في آل عمران والمائدة والأنفال ومحمد والتغابن.. وغيرها.. 353 (ولا يخدمان الحق ولا الحقيقة) أنا لا أرى فرقا (في المعنى) بين لفظي (الحق والحقيقة) وإنما الفرق في عدد الحروف والميزان الصرفي، ليس غير. 356 (جدها وهزلها) بفتح الجيم، وهذا من غلط المطبعة، فإن الجد بالفتح هو (الحظ) وبالكسر (الاجتهاد) وله معان أخرى غير ذلك.. هذا وقد اجتمع اللفظان معاً (الجد والجد) في بيت من الشعر كنت وزملائي نتغنى به في المحفوظات بمدرسة الرس السعودية منذ ستين سنة وهو: الجد يدني كل أمر شاسع والجد يفتح كل باب مغلق 319 (نحو ثلاثة أشهر تقريبا) أرى أنه لا يجمع بين (نحو وتقريبا) لأن أحد اللفظين يغني عن الآخر فيقال (نحو ثلاثة أشهر) أو يقال (ثلاثة أشهر تقريبا) إذاً فإحدى الكلمتين (حشو) إذا اجتمعتا في مثل هذه العبارة.. 222 (صمت والدي برهة قبل أن يبتسم) كلمة برهة هنا: غلط واضح.. وهو مما يشيع في بعض ما يكتب في الجرايد، والظاهر أن السبب التباس كلمة برهة ب(هنيهة) والفرق بينهما كبير، فالبرهة للدهر الطويل والهنيهة للزمن القليل، تقول: انتظرتك هنيهة إذا كنت في انتظاره ساعة أو بعضها.. وتقول: سكنت الدار أو مكثت في مكة برهة إذا أقمت سنين. 209 (أصغر حجما من مدينة بيروت) أنا أرى أن وصف البلدان بالحجم ليس بمسدد.. والصواب - هنا- أن يقال: أصغر مساحة من بيروت.. 290 (بخروج الحصوة) والصحيح الفصيح أن يقال: الحصاة. 225 (يعمل في عروض التجارة) ورد هذا التعبير مراراً فهلا كان العمل بالتجارة (مباشرة) بدلاً من عروضها؟؟.. 235 (وما التوفيق بعد إلا من عند الله) أرى أن التعبير بالاقتصار على البعدية من دون القبلية هو من تضييق الواسع. 311 (أصلها في وقت لاحق) والصحيح أصل إليها.. هذا وقد لاحظت في الكتاب شيئا أنا أعده من غريب التعبير، ولعل المؤلف جعله من قبيل التحديث والتطوير إلا إن كان فعل هذا تواضعا ومروءة وإيثاراً، فهذا هو الأشبه بصفاته وأخلاقه!!.. ..... ذلكم أنه (سلمه الله) عندما يتكلم عن مشاركة أحد له في فعل ما فإنه يبدأ بشريكه ثم يثني بنفسه، وقد قرأت هذا في ثمانية مواضع من الكتاب وهي: في 203 (وفكرنا أخي مصطفى وأنا) و204 (إن كلامنا أخي وأنا) و208 (أما أخي وأنا) و212 (ونحن أخي وأنا صامتان) و227 (ثم ألحقنا أخي مصطفى وأنا) و240 (نتوجه والدتي وأنا) و296 (ثم نظمت لنا هو وأنا اللجنة محاضرة).. وأعجب مما مضى كله قوله في 280 (الرجل المشبوه والمخبر اليهودي وأنا) نعم إنه قدم في الذكر هؤلاء على نفسه الشريفة، أفبعد هذا الإيثار إيثار؟؟ أما الأم الغالية فحبا وكرامة ألف مرة ما دام الأمر وصل إلى هذا الحد. وأنا أرى أن هذا التركيب في التعبير ليس معروفاً في أقلام الكتاب قديمهم وجديدهم بل هو نحو من الابتكار بدأ ظهوره هنا.. ذلك أن المألوف في اللسان العربي أن يبدأ المتكلم بضميره هو ثم بمن يشاركه، مثل: كنت أنا وأصحابي أو كنت وأصحابي.. قال تعالى في آل عمران: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) فالسبق إنما هو لضمير المتكلم ثم يأتي الآخر المراد ذكره.. وفي المائدة (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) ثم جاء فيها كذلك (اذهب أنت وأخوك فقاتلا) وفي الأعراف قال (رب اغفر لي ولأخي) وفي سبأ (وإنا أو إياكم) وفي نوح (رب اغفر لي ولوالدي) هذا وإن في القرآن غنية في الاستدلال عن كثرة الأمثال. 42 سمى التاجر (رجل أعمال) وهذه التسمية إنما هي على مستوى جريدة تجارية سيارة.. أما كتابنا هذا فهو أرفع من اصطلاح العامة. 52 في الهامش (المسلكة جزء من شفرة حلاقة تستخدم لسن قلم الرصاص) والصحيح أنها آلة تلف عليها خيوط الغزل.. ثم إن القلم لا يسن وإنما يبرى بالمبراة ، والذي يسن هو: السكين ونحوه، فهو يشحذ ويحد ويصقل. 115 (ولا يتطلب طهياً) والصواب: طهواً، قيل لأبي هريرة في حديث رواه: أسمعت هذا من رسول الله؟ قال: فما طهوي إذا؟؟ (صلى الله على نبينا وسلم) 316 في هذه الصفحة ورد لفظ (معاليه) تسع مرات أليس هذا (كثيراً كثيراً) في صفحة واحدة؟؟.. 300 (شهدت ولايته شأواً جميلا) لو وصف الشأو بالبعد بدل الجمال كان أوجه فإن معنى الشأو: الغاية والأمد. 312 (حتى كرر أحدهما كلمة مبروك) نرجو أن يكون من قال (مبروك) ورددها قد نبه إلى أن الصواب: مبارك فإن المبروك هو: البعير إذا استنيخ. هذا وقد لحظت أن لفظ (الجسد) لم يرد في الكتاب إلا منعوتاً بالنحول، حيث جاءت عبارة (جسدي النحيل) مراراً، أذكر منها ما في الصفحات 137،147،165،193. وأورد المؤلف لفظ القيافة على أنه (حسن البزة والهيئة) فهل هذا صحيح؟؟ أليست القيافة تتبع الأثر!!.. أم أن ما جاء في الكتاب أحد معانيها كذلك!! وبعد، أيها الإخوان، فإن الكتاب - في جملته من حيث السباكة ونظم الكلام، فيه من التعابير والتصاوير اللفظية البديعة قطع موسيقية تأخذ بمجامع القلب) إعجابا وإطراباً.. تقرؤها بالعين فينساب في الأذن والوجدان رنين التعبير، سواء كان الحديث عن الرزايا وأحزانها (أيام الشري والعلقم والصاب) كالذي وصف لنا في (138) مما لو قرأه الرجل العروس - في قصر الأفراح - ساعة لقائه عِرْسَه (مجلوّة) بين يديه لأجهش باكياً، ونسي ما كان يصبو إليه في أحلى لياليه. أو كان الكلام فيه عن (الأفراح) التي أضحكت دنياه يوم بلغ به قطار العمر بعض محطات الهناء.. فقد وصف لنا المؤلف في (195) مشاعره في العيد وظله السعيد، يوم خرج على صحبه في زينته (الثوب الجديد والغترة والعقال والمشلح) هازئاً بمنغصات البؤس التي عرضت له في بعض أطوار حياته، وكان ذلك في أروع البيان. أو كلام الأستاذ/ عبدالرحمن السدحان عن صور الكفاح لبلوغ النجاح من (صغره) مما جاء في كثير من الصفحات.. ومن ذلك عزلته - أحياناً- مجالس زملائه في السكن، لاستذكار دروسه، أملاً في الدرجات العلى.. وكان يومئذ خارج المملكة مبتعثاً. وأما ما ظهر لي في (قطرات من سحائب الذكرى) من المآخذ لدى النظر والمراجعة فإنه مما (يعد ويحصى) في كتاب قوامه (361) صفحة، وحسب المؤلف نبلاً أنه كذلك.. أما الفضائل والمناقب فهي الأصل والقاعدة.. مما يشق علينا (جمعه وبيانه). أيها الإخوان، إن هناك أمراً لا بد لي من التنويه به قبل ختمي كلمتي وهو أني (والله يشهد) لم أرد (بجملة واحدة كتبتها إحفاظ أحد أو تكديره)، وإنما هو عقيدة لي في إبداء الرأي تلابس فؤادي (جبلة وطبعا) مما أحسبه أنا (حقاً حقاً) حتى لو خولفت فيه، فليس رائدي إلا (الحق) بصد النظر عن أي اعتبار آخر. وكذلك فإن ما قلته من تمدح وثناء، فليس له من دافع إلا أنه الصواب (في فهمي) ولقد استعذت بالله من المواربة ومن المداهنة (معاً) موقناً أنه أعاذني.. هذا، وإن في كتابنا (قطرات من سحائب الذكرى) من الفوائد والفرائد والطرائف والظرائف.. ما يطول به الدرب عليكم لو أوعبته كله ذكراً ونشراً: هذا كتاب لو يباع بوزنه ذهباً لكان البائع المغبونا وإن ما قلته فيه هو رأيي ولا يغض من قدره مثقال حبة من الدخن.. وإني أجتزئ بهذا داعياً الله لصاحب المعالي (الشيخ عبدالرحمن) بطول العمر وحسن العمل.