يقع من بعض الصائمين أخطاء لأسباب عدة، فهي قد تقع نتيجة عادة أو أصل شرعي صرف مقصده، أو نوايا حسنة لإظهار الفرح والسرور بهذا الشهر، أو جهل، أو غير ذلك مما حاصله في نهاية الأمر مخالفة الشرع المطهر، والعبادات مبناها على التوقيف. فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )، وهذه الأخطاء منها ما هو محرّم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو بدعة، وقد تكون خاصة بالصوم، أو بما تبعه من عادات وغيره. من ذلك: التقصير في صلاة الجماعة، فكثير من الناس يقبلون على العبادة في رمضان وتمتلئ بهم المساجد، خاصة في صلاة المغرب في الأيام الأولى من الشهر وما زالوا يتناقصون، وما إن يأتي آخر الشهر حتى يرجع الناس إلى عادتهم في التقصير، وعدم المحافظة على الصلوات، ويعود رمضان كغيره من الشهور، وهذا لا شك أمر خطير فعن بُرَيْدَةَ أن رَسُول اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلم- قَالَ: (الْعَهْدُ الذي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)، فينبغي للمسلم أن يحافظ على عبادته وصلاته، ويجعل رمضان فرصة للتغيير، والتعود على الخير، والإقبال على الله عز وجل. ومنها عدم التحرز من الغيبة، فالغيبة تضر بالصوم ضرراً عظيماً، فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلم- قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ)؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ). قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ في أخي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ). ومنها السعي بالنميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد، وقيل: إفشاء السر، وهتك الستر عما يُكره كشفه. وكل من حُملت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا وكذا لزمه ستة أحوال: الأول: ألا يصدقه: لأنه نمّام فاسق، وهو مردود الخبر. الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه. الثالث: أن يبغضه في الله عز وجل فإنه بغيض عند الله، والبغض في الله واجب. الرابع: ألا يظن في المنقول عنه السوء؛ لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم} (الحجرات:12). الخامس: ألا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث عن تحقيق ذلك، مصداقاً لقوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا}. السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلم قَالَ: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ مَا العضة هي النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ). وَإِنَّ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا). وعن حذيفة رضي الله عنه أنه بلغه أن رجلاً ينم الحديث، فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ). وروي عن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6)، وإن شئت عفوت عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً. قال الحسن البصري- رحمه الله- : (من نمّ إليك نمّ عليك). ومن المحرّمات في رمضان وفي غيره: إطلاق البصر في المحرّمات، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور:30)، وقال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور:31)، وهذا أمر لعباده المؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم عما حرّم عليهم، فلا ينظرون إلا إلى ما أباح الله لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم. وقال صلّى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ، وَيُكَذِّبُهُ). ومنها استماع الغناء واللهو، وقد قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (لقمان:6). قال ابن مسعود رضي الله عنه: والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات هو الغناء، وقال مثله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وغيرهم، ففسروه جميعاً بالغناء. ومنها السباب وبذئ الكلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلم - قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إني صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ..)، قال ابن حجر: المراد من الحديث أن لا يعامله بمثل عمله؛ بل يقتصر على قوله: (إني صائم). ومنها الكسل والخمول، فبعض الصائمين يتخذ من رمضان فرصة للكسل والخمول، في حين أن سلفنا الأوائل كان رمضان شهراً للفتوح والجهاد، فضلاً عن عبادة المسلم اليومية التي يضربون فيها أروع المثل ظاهراً وباطناً. وبعض الكسالى يحتجون بحديث ضعيف وهو: (نوم الصائم عبادة) وعلى فرض صحته فإنه لا يدل على مراد هؤلاء الكسالى الذين يقضون نهارهم نوماً وليلهم سهراً ولهواً، وإنما المراد منه نومه الطبيعي الذي يتخلل يومه من قيلولة وغيره مما يستعان به على العبادة. والواجب على الصائم أن يستغل موسم رمضان، ويجتهد فيه لعله لا يدرك رمضان آخر. وللحديث تتمة.