وصف الأستاذ الدكتور أحمد بن عبد الله الباتلي عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية شهر رمضان بأنه موسم عظيم من مواسم الخيرات، واغتنام الحسنات، وتكفير السيئات، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، فحري بكل مسلم ومسلمة استغلال هذا الشهر الكريم في الطاعات، وعدم التفريط في الأوقات، وإشغالها بالسهر على المحرمات. بل رمضان شهر العبادة والجد في الطاعات، ومن ضيع شهر رمضان فقد فاته خير كثير. وكذا أي يوم من أيام عمرك لا تفرط فيه، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ونقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي). وعلى الجميع الالتزام بآداب الصيام من تعجيل الفطر، وتأخير السحور وحفظ لسانه من اللغو والرفث. وأكد الباتلي أنه يجب على كل مسلم ومسلمة التفقه في أحكام الصيام، بمعرفة أحكامه الشرعية، والقراءة في كتب الفقه في باب الصيام، أو في كتب الفتاوى الشرعية لعلمائنا، وفقهم الله تعالى، وسؤال أهل العلم عما أشكل من أحكام الصيام، وأهم أمر يجب التفقه فيه، المفطرات التي تفسد الصيام كالأكل والشرب والجماع، والإبر المغذية، والقيء عمداً وما لا يفطر وأحكام القضاء. وأيضاً يجب معرفة أنواع الناس في الصيام، ومتى يجب الصيام على المسلم، ومتى لا يجب لكونه معذوراً كمن كان فاقداً للعقل، أو مريضاً أو مسافراً يشق معه الصوم، وأحكام المسن إذا كان يشق عليه الصوم، ومما يعين على ذلك حضور الدروس والمحاضرات في المساجد، وسماع المواعظ والتوجيهات الرمضانية، والإكثار من تلاوة القرآن في رمضان، فهو شهر القرآن. وأشار الباتلي إلى أن من مزايا الصيام ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم يُضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك) متفق عليه من حديث أبي هريرة. وهذا الحديث يدل على عظم فضل الصيام من وجوه عديدة: الوجه الأول: اختصاص الله عز وجل الصوم له، وذلك تشريف للصيام، ومزية خاصة له دون سائر الأعمال. وسبب ذلك أنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه أحد، فلو أراد أن يفطر دون أن يعلم به أحد من الخلق لاستطاع ولكنه لا يفعل ذلك خوفاً من الله الذي يطلع عليه ويعلم سره وعلانيته، ورغبة في ثوابه على الصيام فيكون الصيام أقرب إلى الإخلاص من سائر الأعمال، ولذا قال الله في الحديث القدسي المتقدم (يدع شهوته وطعامه من أجلي) فكأنه تعليل لما سبقه، أي الصيام لي، لأنه ترك طعامه وشهوته من أجلي. الوجه الثاني: أن الأعمال تضاعف بأعداد معلومة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإن الله تعالى قال (وَأنا أجزي به) فليس للجزاء به عدد معين. والكريم الجواد يعطي على قدر كرمه وجوده. فهذا يدل على أن جزاءه بغير تحديد ولا حساب، والله تعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين. وهذا كما قال تعالى في الصبر: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} والصيام صبر: ففيه صبر عن معصية الله، فتجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة. الوجه الثالث: أن الصوم جنة أي وقاية لصاحبه من اللغو والرفث والآثام، ولذا قال بعده (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم) والمراد بالرفث الفحش، ويطلق على الجماع ومقدماته، وكل ذلك منهي عنه حال الصوم. والصخب: الخصام والصياح. فالصوم يقي صاحبه من أن يفعل ذلك، ويمنع عنه أذى غيره ومسابته ومشاتمته فيقابل من سابه أو شاتمه بقوله: إني صائم، فلا يعامله بالمثل بل يقتصر على قوله ذلك ليمتنع الآخر عن المشاتمة والسباب. وهو وقاية لصاحبه - أيضاً من النار - كما روى الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال (إنما الصيام جنة يستجن بها العبد من النار). الوجه الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وخلوف فم الصائم تغير رائحته بسبب الصيام لخلو المعدة من الطعام والشراب، فهذا التغير لما كان ناشئاً من طاعة الله عز وجل كان جزاؤه أن جعله عنده أطيب من ريح المسك، كما صح أن الشهيد يأتي يوم القيامة وريح دمه كريح المسك، وإن كان ذلك أمراً مكروهاً عند الناس. الوجه الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، بتمام صومه وإكمال هذه العبادة العظيمة، وهذا من أعظم نعم الله عليه. وكذلك يفرح بتناول ما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي معه منه وقت الصوم، وهذا من فضل الله تعالى عليه. وفرحة عند لقاء ربه بما يجد من ثواب الصوم الذي لا حد له ولا حصر بعدد معين كما تقدم، ويجده مدخراً له أحوج ما يكون إليه {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ.إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.