دائماً ما تجتذب أسعار النفط ومعدلات النمو الاقتصادي اهتمام الاقتصاديين، وذلك للتأثير المباشر لأسعار النفط على معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وتأثير ذلك على التجارة العالمية والسلع الإستراتيجية، وارتفاع أسعارها وما يستتبع ذلك من حدوث أزمات تؤثر على استقرار العديد من الأسواق العالمية وربما تلامس الأوضاع السياسية. ولأنّ ارتفاع أسعار النفط يُعَد من الأزمات ذات الجوانب، والمؤثرات حيث تقوم الدول المنتجة والدول المستهلكة بالدور الرئيسي في انخفاض أو ارتفاع سعر برميل النفط، ونظراً لقوة منظمة أوبك في السوق العالمية، ولأنّ مسؤولية تأمين الإمدادات النفطية وضبط الأسعار تتمتع بحساسية شديدة لدى دول منظمة أوبك باعتبارها أحد أهم مسؤولياتها الرئيسية، لذا فهي تقوم بدور كبير في تحديد الأسعار سواء بالانخفاض أو الارتفاع أو الثبات؛ ونتيجة لما آلت إليه الأسعار في الفترة الحالية، حيث تجاوز سعر البرميل حاجز 75 دولاراً واستقراره فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل، فإنّ هناك العديد من العوامل كان لها الدور الكبير في اتخاذ المنظمة قراراً في الاجتماع (141) بالإبقاء على سقف الإنتاج عند 28 مليون برميل يومياً، وكثيراً ما يتجاوز الإنتاج لدول أوبك هذا المعدل حيث يسجل حالياً رقماً قياسياً يدور حول 30 مليون برميل يومياً، أي نحو 40% من النفط الخام العالمي، وأهم تلك العوامل الآتي: - ثبات أسعار النفط فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل في الأسواق العالمية. - استمرار الطلب على النفط بقوة من قِبل الدول الصناعية والأسواق العالمية والارتفاع المتتالي.. ومن المتوقّع أن تستمر تلك الحالة على المدى المنظور. - جاءت الزيادة في إنتاج الدول (خارج أوبك) أقل من المتوقّع، وخاصة روسيا. - ارتفاع الطاقة الإنتاجية نتيجة عدّة عوامل من أهمها الانتهاء من مشاريع إنتاجية نفطية جديدة في عدد من دول (أوبك) خاصة في السعودية والإماراتوالكويت. - المشكلات الأمنية والتوتُّرات السياسية التي تواجه العديد من دول العالم، وخاصة في الدول النفطية الأعضاء في أوبك مثل نيجيرياوإيرانوفنزويلا، مما كان له أثر بالغ في زيادة المخاوف والقلق من خفض إمدادات النفط، إضافة إلى عمليات تفجير المنشآت النفطية والأنابيب في كل من العراق والهند وكولومبيا، ومحاولة التفجير الأخيرة في السعودية. وقد وجد هذا القرار دعماً في معظم أعضاء المنظمة إذ دعت السعودية والكويت، الدولتان صاحبتا الثقل في أوبك إلى الإبقاء على المستوى الحالي للإنتاج، معتبرتين أنّ الخفض غير مناسب في ظلِّ التوتُّر الحاد القائم حول الملف النووي الإيراني والأسعار المرتفعة، حيث أكدت السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، أنّها لا تؤيد خفض إنتاج المنظمة المحدد ب28 مليون برميل في اليوم حالياً، وذلك للحيلولة دون ارتفاع الأسعار، حيث إنّه من وجهة النظر السعودية أنّ الوقت غير مناسب لإجراء خفض في الإنتاج لما ما سيكون له أثر كبير في الأسواق غير المستقرة أصلاً، وتنتج السعودية نحو 9.5 ملايين برميل في اليوم وتصل قدرتها الإنتاجية إلى 11 مليون برميل يومياً، أما الكويت فقد أيّدت بقاء مستوى الإنتاج عند نفس المستوى، وتنتج الكويت 2.5 مليون برميل في اليوم. وكانت دول أوبك منقسمة إلى ثلاث فئات من حيث سقف تحديد الإنتاج سواء بالانخفاض أو الارتفاع أو التثبيت: - الفئة الأولى: تتكون من الدول التي تعاني من انخفاض في إنتاجها أو تعاني من صعوبات في زيادته، وتشمل فنزويلاوإيران، وأحياناً نيجيريا. وهذه الفئة طالبت (أوبك) بتخفيض الإنتاج للحفاظ على الأسعار الحالية ولها في ذلك مبرِّراتها والتي من أهمها: - توقُّعات انخفاض الطلب على النفط في النصف الثاني من 2006 بنحو مليوني برميل يومياً، الأمر الذي قد يخفض الطلب على نفط (أوبك) ما بين 700 ألف و900 ألف برميل يومياً. - زيادة الطاقة الإنتاجية في عدد من دول (أوبك) قد تسبب قلقاً في عدد من عواصم (أوبك)؛ لأسباب عديدة أهمها انخفاض أسعار النفط. - انخفاض الإنتاج في بعض دول (أوبك)، وقلق هذه الدول من خسارة بعض الإيرادات نتيجة انخفاض الصادرات والأسعار في الوقت نفسه. - الفئة الثانية: تتكون من الدول التي استطاعت إضافة طاقة إنتاجية جديدة، ويمكنها زيادة الإنتاج خلال الشهور القادمة، أو أنّها تنتج حالياً فوق حصصها الإنتاجية، وتشمل السعودية والكويتوالإمارات والجزائر، وأحياناً نيجيريا، وهذه الدول أيّدت ثبات الإنتاج. - الفئة الثالثة: تتكون من إندونيسيا وقطر وليبيا، وهذه الدول وقفت مع الغالبية (الفئة الثانية) لاعتبارات عدّة، من أهمها: - أنّ أي تخفيض أو زيادة في الإنتاج سوف تضر السوق العالمية أكثر من استفادة دول أوبك نفسها فانخفاض الإنتاج سوف يزيد من التوتُّر الحالي في سوق النفط العالمية مما يزيد الأسعار، وزيادة الإنتاج من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى أقل من 50 دولاراً، وهو ما يضر بالدول المصدرة. - ثبات الإنتاج في الوقت الراهن سيكون له أثر كبير في استقرار السوق التي تعاني من عدم ثبات نتيجة عدّة عوامل من أهمها عدم الاستقرار الأمني في كثير من الدول وخاصة النفطية. وتقوم (أوبك) بدور رئيسي في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط حالياً، حيث توفر نحو 33% من احتياجات العالم، ومن المتوقّع أن تصل هذه النسبة في نهاية العقد الحالي إلى نحو 40%، كما أنّها مرشحة للزيادة؛ إذ يتوقّع أن تصل إلى نحو 48% بحلول عام 2025، ومن المتوقّع أيضاً أن تمسك المنطقة العربية ومعها إيران بمفاتيح الإمدادات النفطية العالمية بحلول عام 2020، حيث تشير البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية إلى أنّه توجد ست دول داخل (أوبك) سيكون لها القدرة على توسيع وتنمية طاقاتها الإنتاجية بحيث ترتفع إلى نحو 34 مليون برميل عام 2010 ونحو 47 مليون برميل عام 2020، وهذه الدول، هي: السعودية، الإمارات، الكويت، العراق، إيران، وفنزويلا، وهي تمتلك أكثر من 700 مليار برميل، أي ما يعادل نحو 61% من إجمالي الاحتياطات النفطية في العالم، وفي الوقت نفسه تُعَد دول أوبك من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط حالياً، وهي مكمن اهتمام كلِّ الدول المستهلكة لتهدئة أسعار النفط واستقرارها في الأسواق المتوترة، فضلاً عن أنّها تتحمل مسؤولية زيادة طاقة الإنتاج والاستثمار في مجال التنقيب والبحث لتلبية الطلب العالمي المستمر والمتزايد على النفط. وفي نهاية الأمر، يجب على أوبك العمل الدائم على استقرار الأسعار في حيِّزها الحالي، حيث إنّ العالم يمكن أن يتكيّف مع أسعار حول 60 دولاراً ولكنه سيحجم عن الشراء إذا استمر مستوى 70 دولاراً لفترة طويلة، حيث إنّ تأثير سعر 60 دولاراً لبرميل النفط في 2006 يختلف كلِّياً عن تأثير الأسعار المرتفعة في السبعينيات أو الثمانينيات، حيث أصبحت الطاقة عاملاً أقل أهمية في الاقتصاد العالمي، فمثلاً في الوقت الحالي يمثِّل الإنفاق على الطاقة نحو 2% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي مقارنة مع 8% عام 1980م، ولكن ارتفاع الأسعار عشرة دولارات أخرى واستمرار السعر نحو عامين قد يسبب مشاكل اقتصادية كبيرة تكون ذات تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي ككل، سواء الدول المنتجة أو الدول المستهلكة، حيث سترتفع نسبة التضخم بمقدار 2.25% سنوياً وينخفض معدَّل النمو بالنسبة نفسها، وكان الطلب المحرِّك الرئيسي للاتجاه الصعودي الذي قاد زيادة أسعار النفط ثلاث مرات منذ بداية عام 2002م، غير أنّ المخاوف بشأن الإمدادات تتحرّك نحو الصدارة، بالإضافة إلى أنّ صندوق النقد الدولي عدَّل في تقريره عن اتجاهات الاقتصاد العالمية بزيادة توقُّعاته للنمو العالمي خلال العام الجاري إلى 4.9% بدلاً من 4.3% لكنه حذَّر من أنّ التأثير الكامل لارتفاع أسعار الطاقة ربما لم يظهر بعد، وحتى إذا كانت القوى الاقتصادية الأكبر حجماً ما زالت مزدهرة، فإنّ الدول الفقيرة تجاهد لملاحقة ارتفاع تكلفة الوقود.