بعيداً عن ادعاءات النصر الذي تمليه الاعتبارات العاطفية والحسابات الوقتية التي تستند إليها كتابات المتعاطفين مع المقاومة أو المعارضين للهيمنة الأمريكية في المنطقة. ودون الالتفاف إلى التقييم السلبي من قبل الإسرائيليين لما جرى من معارك بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حزب الله، ذلك أن الإسرائيليين لم يكن تقييمهم ينحصر في نتائج الحرب التي لم تنتهِ بعد وإن وقفت مدافعها وسكتت صواريخها، ولكن الإسرائيليين عُدوا منهزمين نفسياً، ومع أن هذا أهم عناصر الانتصار عسكرياً بالنسبة إلى المقاومة اللبنانية، وسيشكل هذا (الخذلان النفسي) رادعاً قوياً لأي مغامرة إسرائيلية قادمة، إلا أن النتائج التي تحققت لا تعكس (الانتصار) الذي يتحدث عنه المتعاطفون مع حزب الله ولا تستوجب حالة الغضب التي تسود الأوساط الإسرائيلية، فالنتيجة التي انتهت إليها (الحرب السادسة) كانت تدمير البنية التحتية لجنوبلبنان والضاحية الجنوبية لبيروت وعزل العاصمة بتدمير الجسور التي تربطها بالطرق الدولية، ومقتل أكثر من ألف ومئتي مواطن لبناني إضافة إلى آلاف الجرحى، وتدمير أكثر من خمسة عشر ألف منزل، ونحو تسعمئة مبنى تجاري وستمئة وخمسين كيلومتراً من الطرق وثمانين جسراً.. جراء قيام القوات الإسرائيلية بأكثر من أربعة آلاف وخمسمئة غارة جوية ما أدى إلى نزوح قرابة المليون مواطن من جنوبلبنان باتجاه العاصمة وصيدا وصور، ولا يزال كثير منهم لا يستطيعون العودة بسبب تدمير منازلهم وانعدام الأمن. وتشكل الكلفة التدميرية بالنسبة إلى لبنان تسعة مليارات وأربعمئة مليون دولار، إضافة إلى الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اللبناني الذي توقف خمسة وسبعون بالمئة من قوته العاملة، إذ توقف ثلاثة أرباع اللبنانيين عن أداء عملهم بسبب الحرب، إضافة إلى فقدان مئات الملايين من الدولارات من الموارد السياحية. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فقد كبدتها الحرب مئة وثمانية وخمسين قتيلاً منهم مئة وتسعة عشر عسكرياً وقرابة الألف جريح، كما فرّ من المناطق والبلدات الشمالية ثلاثمئة إسرائيلي صوب المدن الجنوبية بعد إطلاق حزب الله ثلاثة آلاف وتسعمئة وسبعين صاروخاً استهدفت مدن العمق الإسرائيلي، وهو ما شكل تطوراً نوعياً في الردع الذي انتهجه الحزب للردع على تمادي الإسرائيليين في استهداف المباني والمدنيين، وقد تسببت الغارات الصاروخية في تكبيد إسرائيل ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى إصلاح شبكتي الكهرباء والماء وثمانين مليون دولار خسائر عائدات السياحة أيام الحرب، وينتظر أن تتزايد لاستمرار التوتر وأجواء الحرب. هذه الجردة لخسائر لبنان وإسرائيل تعطي مؤشراً لتقييم نتيجة (الحرب السادسة) من خلال منظور الخسائر المادية.. أما النتائج السياسية فهو ما ستعكسه القرارات، وأولى تلك القرارات ما تضمنه القرار 1701 الذي وإن لم يحقق كل ما طالبت به واشنطن وتل أبيب بعد أن حدت الدبلوماسية العربية من (المطالب الأمريكية) في مشاورات مجلس الأمن التي سبقت اتخاذ القرار، إلا أن مضمون القرار والخطوات اللاحقة التي ستتبعها تعد متعارضة تماماً مع الشعور بالنصر الذي يكاد يطغى على كتابات المتعاطفين مع المقاومة الإسلامية في لبنان، وحالة الإحباط لدى الإسرائيليين! كيف حصل هذا التناقض في التحليل..؟!! هل للمنحى العاطفي لدينا نحن العرب سبب في اتجاه المحللين لمنحنا نصراً ابتلعته الدهاليز السياسية، ومع تخدير الجماهير العربية بالنصر الذي تحقق؛ لأن المقاومة والتضحية العالية الكلفة قد أجهضت الخطوط الإسرائيلية والأمريكية لإنجاز (الركن اللبناني من مخطط الشرق الأوسط الكبير).. وإن كانت الحقيقة أن العملية تأجلت أو لنقل تستبدل الآن بأساليب سياسية وبأدوات أخرى بعد فشل الإسرائيليين، ولعل هذا سبب الإحباط في تل أبيب التي بدأت تشعر أن دورها كمخلب شر لتنفيذ خطط فرض الهيمنة في المنطقة قد تراجع.