من يتأمَّل في سنن الله سبحانه وتعالى الكونية ويتابع مسيرة الدول والممالك والقوى البشرية عبر التاريخ يؤمن بأنَّ ملامح سقوط الدول الكبرى المتسلِّطة في هذا العصر تبدو واضحةً أمام أعين أهل البصيرة المرتبطين بمنهج الله الذي لا يتبدَّل، ويدرك أنَّ هذه الدول التي تتعالى بما لديها من قوَّة مادِّية ومال وعتاد قد بدأت - بالفعل - تتهاوى وتحثُّ خُطاها إلى النهاية المحتومة التي كتبها الله عز وجل على كل ظالم غاشم متجاوز للحد، متطاولٍ على الله سبحانه وتعالى. إنها حقيقة ناصعة لا ينخدع عنها إلاَّ من رانت على قلبه أهواؤه وأخطاؤه، وغطَّتْ على بصيرته رغباته وشهواته فأصبح عاجزاً عن رؤية الأمور على حقائقها. هنالك قيمٌ ومبادئٌ لا خلاف بين عقلاء البشر على ضرورة وجودها في حياة الأمم القويَّة؛ لأنها ضوابط تحول بين الأمم وبين الانحدار، وتظلُّ الأمم بخيرٍ وقدرةٍ على البقاء والعطاء ما بقيت فيها تلك القيم والمبادئ، ومن أهمها (العدل) الذي قامت عليه السماوات والأرض، وهو الأساس المتين الذي تستقرُّ به صروح الدول وتثبت، ولهذا كانت الدولة العادلة منصورة مستقرة الكيان وإن كانت كافرة، والدولة الظالمة مهزومة مهزوزة الكيان وإن كانت مسلمة؛ لأن العدل هو الذي يحقِّق مصالح البلاد والعباد، ويرعى حقوق الناس، ويحمي الضعفاء من الأقوياء المتسلطين. والعدل إذا قام على منهج الله، وتحقَّق في ظلِّ أُمَّةٍ تعبد ربَّها وتطبِّق شرعه وتحقِّق ما أمر به في شؤونها العامة والخاصة، يكونُ حامياً لها من الضياع والضلال، حارساً لها من سطوات الأعداء، محقِّقاً لما تصبو إليه من الأمن والاستقرار والرخاء. وإذا تأمَّلْنا بتجرُّدٍ وموضوعية حالة الدول الكبرى في زماننا هذا وجدْنا أنها - بوضوحٍ كامل - قد خرجت عن هذا الطريق الآمن الذي يحفظ كيانها ويحميها من الانهيار؛ أعني طريق العدل الذي تقوم به الحياة؛ فقد أصبح الظلم الدَّولي واضحاً منظماً مدعوماً بالمال والفكر، وأصبح الاعتداء على الضعيف (شرعية دولية) تصدر بها القرارات والأنظمة، ويستخدم لدعمها حقُّ (الفيتو) الذي يُعدُّ هو في ذاته علامةً بارزةً من علامات الظلم والاعتداء. هذا الانحدار العالمي إلى هاوية الظلم والتسلط هو الذي يؤكد لنا أن سقوط الدول الظالمة بات وشيكاً، وأن ذلك مرهونٌ بالوقت الذي يقدِّره مَن حرَّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرَّماً، وتوعَّد الظالمين بالعقابين: العاجل في الدنيا، والآجل في الآخرة. هذه الدول الكبرى تتخبَّط في سياساتها، وتعلن من الآراء والمواقف السياسية ما يؤكِّد أن عمى البصيرة قد أصابها، وترتكب من الجرائم العسكرية ما يؤكِّد أنَّ ظلمها يسوقها إلى النهاية المحتومة التي لا مفرَّ لظالم منها، وبهذا تسقط الدول وتنهار، وفي التاريخ عشرات الشواهد. ملامح السقوط بارزة تماماً، كلَّما مرَّ يومٌ أكَّدها وأبرزها لكل ذي عقلٍ وبصيرة، وهي مع وضوحها ما زالت تخفى على قومٍ حجبتهم خطاياهم وأوهامهم عن شمس الحقيقة الساطعة. إشارة وإذا بدا للنمل أجنحةٌ حتى يطيرَ فقد بدا عَطَبُهْ