ذاك المساء الجميل في مطعم جنوب أفريقيا حيث جال بصري في فن اللوحات المعبِّرة الرائعة التي رسمتها أنامل محترف تعود إلى أزمنة قديمة جداً، حملتني بوصلة خيالي وأبحرت بي حيث ذلك الكائن الجميل الذي علَّمني درساً لم تلقِّنه لي أبجديات الحياة، وحتى هذا اليوم وأنا كلِّي دهشة وانبهار مما أرى من قطّتي الرقيقة ذات الحنان الأخّاذ .. فقد سرحت بإحساس الأمومة الذي مارسته أمامي. في يوم ما كانت على غير العادة تئن وتلتف حول الصندوق المصنوع (من الكرتون) حرصت على وضع صغارها فيه؛ فكانت تطوف حوله محاولة فعل شيء وكأنّها تعلن برسالة غير واضحة، حاولت مساعدتها بنقل الصندوق إلى الحجرة المجاورة فركضت ورائي وأصدرت صوتاً أرعبني وكأنّها تعلن بلغة الاحتجاج والسخط عن إعادة صغارها حيث كانوا.! كان ذلك أحد المواقف الكثيرة التي عشتها معها وهي تشاركني تلك العجلة من الحياة، حتى اعتادت الجلوس بجاني والتقرُّب إليّ عندما تكون لها حاجة حتى في أثناء تأدية مهمتي الكتابية. ومن الصور التي رصدتها ذاكرتي في ذلك المساء الفوضوي على غير العادة، قمت بقص نصف الصندوق الذي أودعتهم فيه كي يتمكنوا من مشاهدة ما يدور في حجرتي .. وسرعان ما هرعت على وليدها الصغير وهو يتدلّى من حافة الكرتون وأخذت تصرخ وتدفع بيدها على الداخل كي لا يسقط كنت أقرأ مشاعر الأمومة الكامنة فيها! ورويداً رويداً أراها تتسلّل من بين صغارها تلعقهن وترضعهن، وحينما يجتاحني إحساس الفضول لمراقبة ما يحدث مع صغارها .. كانت تصدر من جنباتها صوت الخوف والقلق حتى نبرتها التي تنادي بها تحمل معنى الرفض. فسبحان الخالق الذي أوجد غريزة الأمومة والحنان والحب في تلك الكائنات الرقيقة. وما زالت الحياة تحمل صوراً عديدة لكائنات أليفة علّمتني أنّ إحساس الأمومة لا يقتصر على بني البشر فقط. * مرفأ: صار يخامرني شعور بأنّ تلك الكائنات هي الأنقى والأجمل والأصدق في العطاء!