سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشبانات انضم إلى الجاسر وابن خميس والعبودي في مطابقة أماكن الصمان القديمة للحديثة د. السنيدي معقباً على مقال (العلامة أبو منصور الأزهري يؤلف تهذيب اللغة في صحراء الصمان):
قرأت مقالة الكاتب سعد الشبانات وعنوانها (أبو منصور الأزهري يؤلف تهذيب اللغة في صحراء الصمان وذلك في عدد الجزيرة (12344) في 20-6-1427ه وتعقيباً عليها أقول: تضم كتب اللغويين القدماء مواد وإفادات، تثري دراسات الباحثين في تاريخ الجزيرة العربية في عصورها الوسيطة، خاصة مناطقها التي يواجه الباحث فيها ندرة المصادر عنها في بعض المراحل التاريخية، ولقد جاءت إفادات هؤلاء اللغويون نتيجة الرحلة إلى البادية والاقامة فيها أو مشافهة الأعراب القادمين من بواديهم، ولقد كانت الصمان والدهناء ومناطق نجد الوسطى من البيئات التي حرص جماع اللغة على أخذ الألفاظ والمأثورات من أهلها في عصر السماع اللغوي. وما كتبه سعد بن عبد العزيز الشبانات في الجزيرة العدد (12344) 20-6-1427ه عن صاحب معجم تهذيب اللغة هو تذكير للباحثين بأحد هؤلاء الأعلام اللغويين، وهو أبو منصور الأزهري (282 - 370ه) صاحب معجم تهذيب اللغة، ولقد سبق للأستاذ سعد الشبانات أن أخرج لنا دراسة قيمة عن الصمان، قدم لها الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -. ولعل من حسنات مقالة الأستاذ سعد أن أعادتني إلى أوراقي ودفاتري التي احتوت على دراسة عن الأزهري، ورحلته إلى البادية، وتنقله من الهبير شرق الأجفر إلى أرض الدو جنوب شرق حفر الباطن، وإقامته في وادي الستارين (وادي المياه) بين قوم من بني سعد بن زيد التميميين، وتجوله معهم في الصمان والدهناء. لقد كان مجال إقامة الأزهري وتجواله بعد الأسر أوسع من تحديده بمنطقة بعينها، لكن القارىء لكتابه، ومن خلال الإشارات والإفادات المتناثرة في معجمه بوسعه أن يحدد ذلك المجال الذي أقام فيه الأزهري وتجول مع عرب بني سعد بن زيد (علماً بأنه أخذ منهم مواد لغوية كثيرة، كما أخذ من غيرهم من العرب كبني أسد وبني فزارة). وما أورده الأستاذ سعد- وفقه الله- في مقاله المذكور من انطباق وصف الأماكن التي ذكر الأزهري أنه رآها في الصمان على واقعها هو أمر في غاية الأهمية، خاصة وأن الأستاذ سعد درس المنطقة من خلال جولة ميدانية. وهو ينضم بذلك إلى مجموعة من المؤرخين والبلدانيين الذين أكدوا انطباق وصف الأزهري في القرن الرابع الهجري على ما هو موجود في خريطة اليوم ومن هؤلاء العلامة حمد الجاسر - رحمه الله - وكذلك الشيخ ابن خميس عندما نقل كلام الأزهري عن ظاهرة الدحول في الدهناء، وكذلك الشيخ محمد العبودي عند تناول (الينسوعة) التي وقف عليها الأزهري، فذكر العبودي أنها بريكة الأجردي (معجم القصيم، 2- 174).ومما تفيدنا به هذه الجهود والدراسات تأكيد مسألة رحلة الأزهري إلى البوادي المشهورة في نجد وشرقي الجزيرة، وإقامته في بعض (المراكز الزراعية) شرقي الجزيرة، والشك هنا مدفوع، لكن التساؤل خطوة منهجية لابد منها، لاسيما وأن ادعاء المشاهدة ومشافهة الأعراب ظاهرة كانت موجودة زمن السماع اللغوي، كما أن الوقوع في الوهم أمر وارد. لقد سبق لي أن نشرت بحثاً عنوانه: (مشاهدات الأزهري في شرقي الجزيرة العربية قراءة تاريخية في معجم لغوي) في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية ج15، شوال 1423ه تطرقت فيه إلى جوانب من مشاهدات الأزهري. لقد كان الأزهري (والنسبة هنا ليس إلى الجامع الأزهر بل إلى جده الأزهر بن طلحة من هراة، أما الجامع الأزهر فأنشىء بعد دخول الفاطميين مصر سنة 358ه) ممن أسروا في وقعة الهبير سنة 312ه بعد أن قفل عائداً من حج عام 311ه، ومع ما صاحب الأسر من إكراه واسترقاق، إلا أن الأزهري بدا مسرورا بجمعه لمادة لغوية من تلك البيئات القبلية ويبدو - والله أعلم - أن أعرابنا الذين ملكوا أمره أحسنوا إليه، فأصبح جزءاً منهم، وشاركهم في أعمالهم التي تعتمد على التعاون والجهد الجماعي، ورغم أن المواد السياسية التي يقدمها الأزهري قليلة، وعمله أساساً إنما يخدم الغرض اللغوي، إلا أن لديه ما يصور واقع الحياة، وأحوال جزء من السكان في مناطق لم يحظ تاريخها وأحوال سكنتها بتغطية كافية، كما أن مشاهداته تلك تؤهله لأن يصنف ضمن الرحالة والجغرافيين والوصفيين، حيث جاءت إفاداته ثمرة رحلاته وتنقلاته بين بوادي العرب ومنتجعاتهم. والحديث عن الأزهري يطول، كشاهد عيان في ربوع الدهناء والصمان، وأقام في شرقي الجزيرة لا يتسع المجال لذكره، ولكن يبقى التأكيد هنا على مصدرية مواد المعجم وأهميتها في دراسة وتوثيق أحوال الجزيرة العربية في أوائل القرن الرابع الهجري. أ.د. عبد الرحمن بن علي السنيدي -قسم التاريخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية