تفتخر الشعوب بأوطانها، وتلتصق بتراثها، وتبرز بهذا الخصوص كل ما هو جميل يعكس أصالة البلد، سواء كان سلوكاً نبيلاً يجسد الأخلاق الفاضلة المؤسسة للأجيال، على نحو مؤثر أو من خلال انتمائها لأوطانها مصدر عزها وفخرها، ويعكف الخبراء في البلدان المختلفة إلى تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاتكاء على مصدر واحد، لما يشكله هذا الأمر من خطورة بالغة ولا سيما إذا تقلص الطلب على المنتج الواحد، وبالتالي انحسار العائد تبعاً لذلك التقلص، ما يشكل إرهاقاً اقتصادياً يضع البلد تحت مطرقة الديون والقروض قصيرة الأجل أو طويلة الأجل، فالأمر سيان، أي إنها ستوقع نفسها أمام سطوة الدول الصناعية الكبرى، وما يلحق ذلك من تبعات لا تسر بتاتاً البتة، والدولة الكريمة - أعزها الله - أدركت هذا الأمر منذ عقود، وبات التوجه لتأسيس بدائل تساند مصدر الدخل مثار اعتزاز وفخر لكل وطني غيور، أي إن ترجمة الرؤى الثاقبة حيال هذا الأمر، بدأ يتجسد واقعاً على الأرض، غير أن ارتفاع الحس في هذه الناحية، والارتقاء على نحو يلامس الهموم المستقبلية يقع على عاتق المواطن أيضاً في التفاعل مع خطط الدولة الهادفة، والتأسيس السليم للأجيال القادمة، مع تسارع الطفرة الصناعية الهائلة التي يشهدها العالم أجمع، وقد سألني أحد الأصدقاء ذات مرة، لو كنت مسؤولاً عن التعليم، فماذا أنت فاعل؟ فأجبته بسرعة فائقة ربما تسبق سرعة طائرات الأباتشي لحولت نصف المدارس إلى معامل، ذلك أن الممارسة من خلال التطبيق تختلف عن التنظير والتلقين، كذلك يجب أن تستثمر مهارة الجيل الجديد والشباب تحديداً في التعاطي مع الأجهزة المتطورة بحرفية تفوق الوصف، من هنا فإن التركيز على المعامل في المدارس يجب أن يحظى بأهمية بل وأهمية قصوى، وإضافة مادة الإنترنت في المدارس في المراحل المتقدمة سيسهم في النهوض على نحو منضبط من جهة، واتساع الآفاق لمواكبة التطور من جهة أخرى، ومن خلال الإنترنت كذلك يمكن الدخول إلى مواقع الصناعات المختلفة لتأسيس مهني يرتكز على شحذ العقول وتهيئتها للانخراط في المجالات الصناعية المختلفة، و(التعليم في الصغر كالنقش في الحجر)، وفي هذه المرحلة تتضح الميول ويتم دعم هذه الميول المتوافقة مع الرغبة من قبل المدرسة والأسرة، فاحتواء ودعم ابتكارات الصغار بهذا الصدد سيشكل نواة لجيل ينظر إلى الأعمال المهنية والحرفية كجزء من البناء الحضاري، أي إن الثقافة الصناعية جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية المتكاملة، ولتكريس هذا المفهوم الحضاري الخلاق، فإن تشكيل الأنماط الفكرية المرتبطة بهذا المفهوم يجب أن يكون في المراحل الأولى، وفي تقديري فإن المراحل الأولى تعد الأساس للتشكيل الصحيح، وسأنتقل من مجال التعليم وهو حجر الأساس، إلى مجال آخر لا يقل أهمية فيما يخص تنويع مصادر الدخل ألا وهي السياحة، فسمو الأمير سلطان بن سلمان لم يألُ جهداً في التركيز على هذا الجانب من خلال الهيئة الوطنية للسياحة بفكره الثاقب ورؤيته الواقعية، واستشعاره لأهمية هذا المصدر الذي تعول عليه الدول كثيراً في دعم مداخيلها، فضلاً عن التصاقه بالتراث وارتباطه بالموروث الثقافي والمفهوم السياحي بدلالاته المختلفة لم يكن غريباً علينا، فنحن نتقن السياحة حينما نمتطيها ونجوب الأقطار يمنة ويسرة، غير أن تعزيز هذا المفهوم من ناحية علمية وعملية لا يقتصر فقط على الأدوات، بقدر ما يشكل المواطن بخلقه الرفيع وتعامله الكريم تعزيزاً يدفع عجلة السياحة إلى الأمام، فهو الساعد الأيمن بهذا الخصوص، ولا تنقصه الخبرة كما أسلفت، فأغلبية المواطنين اكتسبوا خبرة ليست باليسيرة من خلال الاحتكاك، أي إن الثقافة السياحية متوافرة، ويبقى دور التوجيه الصحيح والإرشادات المتكررة بأهمية السياحة كمدخل قومي يعزز من قوة الاقتصاد، وهذا ما نشاهده وتجسده الهيئة الوطنية للسياحة من خلال برامجها المختلفة.. فلنسهم في دعم التوجهات النبيلة الخلاقة بحسنا الواعي، وإدراكنا لما تشكله هذه الصناعة من خير للبلد وأهله. [email protected]