يبدو أن صيغة التفاؤل لم تعد قادرة على التأثير فضلاً عن التمرير وهي ترزح تحت وطأة المشاعر المحبطة، وعلى رغم الإسقاط المعنوي لهذا المفهوم بغية التحفيز وشحذ الهمم إلا أن هذا الاسلوب لم يحقق نجاحاً، بل انه يسهم في تراكم السلبيات ويعزز من سطوة النظرة التشاؤمية على اعتبار ان ما يتحقق لا يواكب النظرة الخيالية، التي يتمناها البعض، على حين انهم يُشبعون الموقف تنظيراً لاسيما في حال التشبيه او المفاضلة، والمنطق يفرض في هذه الحال، اعتبار الموضوعية في المقارنة، بمعنى ألا تقفز في المقارنة على نحو يئد الهدف في مهده حينما تسوق تجارب الدول المتقدمة متجاوزاً الوسط، لأنك كمن يضع العصا وسط عجلة التفكير، فضلاً عن نبرة الاستقلال من المنجزات التي تتم، وإن كانت بسيطة فهي تظل نتاج فكر ونواة محفزة للمرحلة التي تليها وهكذا، وإذا أردنا للفكر ان يتطور فينبغي الايمان بأهمية المراحل وتأثيرها واكتمالها وليس القفز عليها وإسقاطها في فخ المفاضلة، وكلما تحققت مرحلة واكتملت جوانبها دفعت الأخرى للمواكبة والمجاراة وفقاً للمعطيات المنطقية، فضلاً عن الرعاية والدعم المعنوي في الوقت ذاته، فالمصنوعات البسيطة تستهلك وتستخدم وتؤدي الغرض ليتم انجاز الاصعب فالأصعب وهكذا بمعزل عن تكرار إنجاز الآخرين، فالصانع والمفكر والمبتكر يرون منتجات الآخرين ويستخدمونها وليسوا بحاجة لتكرار إنجازهم والتباهي به على سبيل المقارنة، إذ كيف يتم اللحاق بالركب في الوقت الذي يتم فيه إضعاف مستوى التهيئة للسير في هذا المضمار، وهذا يحيلنا الى إشكالية تناغم الخطاب مع القدرات والتحفيز المتزن لنيل المؤهلات التي تتكىء عليها فرضية التحقيق، فضلاً عن اهمية التحفيز كبرنامج خلاق يرنو الى الارتقاء مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إغفال التدرج في مجال المقارنة، وهذا من الأهمية بمكان لكي يتم استيعاب التشجيع وفقاً للرؤية الموضوعية والمنطقية في الوقت ذاته. يعكف الخبراء في البلدان المختلفة إلى دفع عجلة التنمية والاقتصاد ومن ذلك الحرص على تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاتكاء على مصدر واحد، لما يشكله هذا الأمر من خطورة بالغة ولا سيما إذا تقلص الطلب على المنتج الواحد، وبالتالي انحسار العائد، ما يشكل إرهاقاً اقتصادياً يضع البلد تحت مطرقة الديون والقروض، أي أنها ستوقع نفسها أمام سطوة الدول الصناعية الكبرى، غير أن ارتفاع الحس في هذه الناحية، والارتقاء على نحو يلامس الهموم المستقبلية ينطوي على التأسيس السليم للأجيال المقبلة، مع تسارع الطفرة الصناعية الهائلة التي يشهدها العالم أجمع. إن الممارسة من خلال التطبيق تختلف عن التنظير والتلقين، كذلك يجب أن تستثمر مهارة الجيل الجديد والشباب وهم يتعاطون مع الأجهزة المتطورة بحرفية واستغلالها إيجاباً في سياق التطوير والنهوض بالفكر، من هنا فإن التركيز على المعامل في المدارس يجب أن يحظى بأهمية قصوى، وإضافة مادة «الإنترنت» في المدارس في المراحل الأولية سيسهم في النهوض على نحو منضبط من جهة، واتساع الآفاق لمواكبة التطور من جهة أخرى، ومن خلال «الإنترنت» يمكن الدخول إلى مواقع الصناعات المختلفة لتأسيس مهني يرتكز على شحذ العقول وتهيئتها للانخراط في المجالات الصناعية المختلفة، إننا بحاجة الى طفرة تعليمية ونقلة نوعية في المسار التعليمي لضخ المزيد من النبض للأحاسيس التي بدورها تستشعر مدى اهمية ما يتعلمونه، أي أن رفع مستوى الاحساس بأهمية التعليم يعتبر فرس الرهان، وسيتمكن المتلقي من استيعاب المعلومة والاستفادة منها بعد التخرج، والأساس في التعليم يبدأ من المراحل الأولية، لذا فلا بد من الاهتمام والتركيز على هذا الجانب، فيما يكون الطالب المنطلق من تأسيس قوي وقاعدة صلبة ستعينه على اعتماده على نفسه، وفي هذه المرحلة تتضح الميول ويتم دعمها من المدرسة والأسرة. احتواء ودعم ابتكارات الصغار بهذا الصدد سيشكل نواة لجيل ينظر إلى الأعمال المهنية والحرفية كجزء من البناء الحضاري، أي أن الثقافة الصناعية جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية المتكاملة، ولتكريس هذا المفهوم الحضاري، فإن تشكيل الأنماط الفكرية المرتبطة به يجب أن يحظى بالاهتمام، إن إعادة النظر في توزيع الادوار وإحداث غربلة من شأنها الارتقاء النوعي بالاساليب ليتم استقطاب الخبراء والمتمرسين ودفعهم للمشاركة في وضع اللبنات الاولى في البناء، وهذا بلا ريب سيُحدث طفرة نوعية تتجاوز النمطية التي ما برحت تنقل الطلبة من مرحلة الى اخرى بمعزل عن تأهيل كافٍ يسد الفراغات التي تنتج أجيالاً تفتقر الى المهارات، وبالتالي غياب مؤشرات الرصد والتحريك، أو بالأحرى استثارة القدرات الكامنة واكتشافها، كل ما نحتاجه هو استنباط هذه المهارات لتؤتي أكلها، وحينما يصل الطالب الى المرحلة الجامعية فإن كل ما يحتاجه المساندة، نظراً إلى انه يمتلك الادوات التي تمكنه من البحث والاطلاع، وهذا التوجه لا يسهم فقط في تنمية التعليم على أسس موضوعية سليمة فحسب، بل إنه وفي حال تعثر الطالب وعدم قدرته على المواصلة لأي سبب من الأسباب في إحدى المراحل فإنه يستطيع إتقان أي حرفة، عطفاً على التأسيس السليم والثقافة الشاملة، وتحديداً الصناعية، وطبقاً لإدراك أهمية المراحل وتأثيراتها. [email protected]