إن لأي دولة من الدول في هذا النسق الدولي الرحيب آمالاً وآلاماً وكما يقال: على قدر الهمم تكون الهموم - كما أن لكل دولة من هذه الدول خططاً طويلة المدى وخططاً قصيرة، كما أن لكل دولة خططاً استراتيجية تُرسم عبرها أهداف الدولة العامة فتصول الدولة وتجول داخل هذه الخطة وبجانب كل خطة من الخطط الاستراتيجية خطط تكتيكية يتم من خلالها تنفيذ الخطة الاستراتيجية. وما بلادنا إلا واحدة من هذه الدول التي لها خططها التنموية المتوالية، فما من منشط من مناشط الحياة إلا وأعد له خطة تندرج تحت مظلة الخطة الخمسية والتي كان أولها الخطة الخمسية (1390 - 1395ه) وحتى الخطة التي نعمل على ضوئها اليوم فحققت بلادنا ما تريده من كل خطة أو على أقل تقدير كان هناك رهناً تاماً.. فحازت بلادنا العزيزة من خلال هذه الخطط درجات السبق والقدح المعلا في جميع مناحي الحياة فحققت بلادنا نمواً اقتصادياً بل تنمية اقتصادية ورقياً اجتماعياً؛ وقبل هذا وذاك حافظت على الوحدة والانسجام، ولعل ما أستطرد به الآن يعد من نافلة القول ليس.. إلا - ولكن في غمرة هذه الطفرات الاقتصادية والاجتماعية والترقي في السلم الحضاري كان لهذا التطور إيقاعات سريعة على الإنسان السعودي، فقد ينسى أقصد المواطن السعودي أشياء هامة بين ثنايا هذه التنمية المباركة ولكون رجالات دولتنا -حفظهم الله- حريصون كل الحرص على ما ينفع أمتهم ودينهم فقد عملت بكل ما تملك من وسع وجهد لضبط حركات وإيقاعات هذه التنمية المباركة، وكان على المواطن هو الآخر مسؤولية حيال هذه التنمية المباركة ولكوني مواطن أدين لوطني كل خير وسعادة.. فإني رأيت أن أدلي بملاحظات قد أراها صائبة وقد يراها غيري خاطئة ولكن ما على المحسنين من سبيل، ولكون هذا الموضوع الذي تحت ريشة قلمي عسير المنال بحيث لا أحسبني إدراكه والوقوف على دلالاته فضلاً من أني سأقع في الخطأ من حين لآخر كما لا أشك لحظة واحدة من أني سأرتبك في تحديد المعاني، ومن ثم لا أعرف من أين أنفذ إليه. لأن هذا الموضوع يعد من المحاذير السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبالرغم من صعوبة طرحه فإني سأكتب فيه على الرغم من أنني لا أملك وسائله ولا أدواته والآن إليكم ما بجعبتي من ملاحظات: إنه يوجد هوة عميقة وفرق شاسع بين آمال الدولة في التنمية وآمال المواطن في تنميته الشخصية، فالدولة أعزها الله تعمل جاهدة بكل ما أويتت من قوة معنوية ومادية من أجل راحة كل من يدب على أرضها سالكة كل وسيلة وكل أمر من شأنه أن يصنع ويساهم في سعادة ورفاهية المواطن، فلم تبخل الدولة في يوم من الأيام على المواطن ولكن المواطن هو الذي يبخل على الدولة وتعالت عنده الأنانية المفرطة وبني الأمجاد الذاتية ولو كانت على حساب الدولة، وتملص من المسؤولية فصار المواطن يتمرد على أنظمة الدولة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية ولم يرع حق الدولة ولا يهتم بقدسيتها.. فالدولة تبني والمواطن في بعض الأحيان يهدم. إن المواطن لا يرعوي إلا لمصالحه الشخصية مطوِّحاً بمصالح بلده بعيداً وصار يعمل بحرية مطلقة متناسياً أن للحرية مهما كانت وتمادت لها حدود وآفاق. فالحرية في كل شيء لابد لها من ضوابط ولكن المواطن يطلق لنفسه عنانها ويعمل ما يشاء دون رعاية حق الصالح العام متجللاً بعنوان قد اتخذه (أنا حر) ضارباً بمصالح دولته ومجتمعه عرض الحائط وهذا التصور خطأ فادح وعقبة كداء وجرثومة فتاكة تنخر في جسم التنمية طولاً وعرضاً. فلن تقوم للبلاد قائمة ولا لسلمها الحضاري رقي إذا سار المواطن على هذا النهج، وإلا فالواجب على المواطن أن يسير مع الدولة جنباً إلى جنب في صف واحد وتحت راية واحدة. وإلا إذا اختلفت المقاصد وصارت الدولة تريد شيئاً والمواطن يريد شيئاً آخر فمتى يتم بنيان كيان التنمية وهياكلها المختلفة!؟ إن التوافق والتجانس مع أهداف الدولة وأهداف المواطن مطلب نبيل وغاية أسمى، فالتفاهم بين هذين الركنين ضروري من أجل بناء جسم تنموي سليم. إننا اليوم نرى أحياناً مع الأسف الشديد فوارق بين المصالح الشخصية والمصالح الوطنية وهذه الفوارق تتجسد ماثلة في المنشط الاقتصادي وقد تصل أحياناً هذه الفوارق في بعض الأحيان إلى درجة التضاد، وهنا نقطة جديرة بالذكر والتسجيل وهي يجب ألا نخلط بين الأنانية الشخصية وما نتحصل عليه من مكتسبات ليست حقاً للغير. فاقتناص الفرص التي تلوح في الأفق من قبل المواطن مسلك سليم أما اقتناص الفرص التي تصادم مكتسبات أشخاص آخرين هي التي يعاب عليها ومن تصرفات المواطنين التي يندى لها الجبين هو مطل الدولة في تسديد المستحقات المالية كالأقساط العقارية والزراعية والصناعية وغيرها. فما التمرد على الأنظمة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية إلا من هذا القبيل الذي يعين حركة دولاب التنمية، فكما أنعمت الدولة على المواطن فيجب على المواطن ألا يبخل على الأقل باحترام أنظمتها وكما قيل: أخذتم مجاناً فأعطوا مجاناً. إذاً صحوة الضمير يجب أن تبقى على طول الخط تماس مصالح الغير، وهذا الكلام ليس كلاماً فلسفياً صرفاً ولكنه كلام له إمكانية التطبيق على أرض الواقع إذا تخلصنا من الأنانية وعالجنا الانفصام الاجتماعي ومتى ما أردنا أن ندفع كل الصراعات الشخصية يجب أن نتطبع بطابع الدين ونتوكأ على تعاليمه، فالدين ينادي بصحوة الضمائر وهناك شيء آخر هو أننا نسمع أحياناً في منتديات المواطنين كلاماً مفاده أن الدولة لم تحقق كل الرغبات وأن الدولة قد تمنع المواطن من تصرف ما يرى أنه حق له.. لكن الدولة لم تمكنه من ذلك. هذه نظرة ساذجة وتصور منبعه الجهل المفرط والسبب في ذلك يعود لشيء هام وهو أن المنظم في أي منشط كان عند تنظيمه مشروعاً ما كان يرسم لأهداف واقعية عامة. فالمنظم عندما يريد أن يسن قانوناً ما لابد أن يضع في اعتباره أشياء ومنها: أ - أن يخدم بقانون الفرد شريطة ألا يضار بمصالح المجتمع والوطن. ب - أن يخدم هذا التشريع أو التقنين الأجيال الحاضرة وألا يكون على حساب الأجيال القادمة. ج - أن يراعي في هذا التشريع أنظمة الدولة وتشريعاتها السابقة وألا يكون قد اصطدم مع توجهت سابقة إرتأتها الدولة. إذن تفكير النظم ونتاجه ليس لك وحدك بل لابد أن يخدم بتفكيره هذا مصالح المجتمع ناهيك عن مصالح الدولة، ولكن المواطن من فرط أنانيته يريد أن يجني وحده ثمرة هذا التنظيم وأن يأكل الكعكة المحلاة وحده ناسياً ما وراءه من أبناء وأحفاد. من هذه المنطلقات كلها يكون تفكير المنظم وإرادته منشطرة ومتعددة تخدم عدة مقاصد ذكرناها آنفاً، وبذلك يجب على المواطن أن يغض الطرف عندما يواجه أي تقصير في تنظيم ما، وأن هذا التنظيم أو ذاك خرق إرادته. وإلا فالمنظم أو المشرع يسعى دائماً لتحقيق أقصى مدى من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، وقد يصل إلى ذلك أو يقرب منه موحداً بين أهداف الفرد ومجتمعه ما أمكنه إلى ذلك سبيلا. وبالمناسبة إن النظم ولاسيما في المنشط الاقتصادي تكتنفه بعض الصعوبات والمشاق منها عدم رضى المواطن عن بعض تصرفاته، وإن الشخص الواعي إذا رأى أن هناك قصوراً فلا يلوم الدولة لأن النشاط الاقتصادي ونظرياته شديدة الحساسية مهما كان نوع التوجه سوءا كان توجهاً اقتصاديا ذا صبغة فردية أو قومية أو عالمية وسواء كان زراعياً أو صناعياً.. لأن علم الاقتصاد يدرس سلوكاً متصارعة، يدرس غاية المستهلك يريد أقصى إشباع ممكن على أن يدفع كمية قليلة من النقود، كما يدرس سلوك نتج يطمع في تحقيق أقصى ربح ممكن مع تكلفة متدنية ومع هذا الاتجاه تعجز بعض التنظميات الاقتصادية كما يعجز منظرها من التفويق بين هذه الرغبات المتضادة. كما أن بعض السياسات الاقتصادية توجه لتخدم أغراضاً سياسية يعجز المواطن عن إدراك كنهها لأن الفرد في غمرة أنانيته لا يفكر إلا بنفسه مطوحاً مصالح وطنه بعيداً. إذاً على المنظم إذا أتى يوماً لينظم منشطاً اقتصاديا أو اجتماعيا ما.. حتى يكون هذا التنظيم إيجابياً لابد أن يضع كل تلك الاعتبارات السابقة في تصوره وثمة أشياء أخرى تربك المنظم أحياناً وهي أمور تحصل لم تكن في حسبان المنظم ومن جراء ذلك قد يخفق هذا النظم لأنه وضع لتنظيمه أسساً لم تحصل أسبابها من هذا وذاك يجب على المواطن أن يكون لديه علم بذلك، علماً أن المنظم ليس نبيا معصوما من الخطأ ولكن لا يعد كونه بشراً كسائر البشر له نجاحاته وإخفاقاته إلا أن المنظم عادة يكون ذا تجربة وعلم ودراية ليس.. إلا. المهم أن يكون صواب المنظم أكثر من خطئه كي نرضى عنه وفي الحقل الاقتصادي لو كان هناك موارد كثيرة وانعدمت الندرة الاقتصادية فلن يستطيع المنظم أو المشرع إرضاء الكل لأن الرضا مسألة سلوكية نسبة يصعب أخذها بمقياس عددي ولكن لا يخرج دور المنظم عن تحسس رغبات المجتمع وأفراده ثم التوفيق بينها. وبالمناسبة لن نحقق الرفاهية ولا الضمان الاجتماعي إلا على أسس وفروض أخلاقية وأن يوجد هناك شخص مثالي أو يقرب من المثالية.