إنه لمن المؤسف حقاً أن تُصبح المشاهد التي تعرض علينا يومياً في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، على مدار الوقت، وفي كل لحظة لأحداث وصور الموت والقتل والدماء والتهديم والحصار والجرف الواقع على أرض فلسطين، وعجباً أن تصبح مشاهد عادية لا تبعث في ضمير العالم رجفة صحوة، ولا أقل الأحاسيس الإنسانية التي تجمعنا كبشر على هذا الكوكب. أين ضمير العالم.؟ أين كل الحضارات التي صنعتها الأجيال كي تقيم من هذا العالم عالماً من العدل والتآخي والتحضّر.؟ إن شريعة الغاب أرقى ألف مرة مما نرى ونسمع، وما يجري في أرجاء فلسطين يومياً، بل وفي كل لحظة، يؤكد أن الكائنات الأخرى أرقى من هؤلاء الذين يحملون صفات بشرية، فالحيوانات حتى الضارية منها لا تقتل إلا لسببين إما بسبب الجوع والبقاء وهي فطرة الحياة، أو في حالة الدفاع عن نفسها كبادرة طبيعية فطرية أيضاً، أما هؤلاء الصهاينة فإنهم يمارسون القتل رغبة في القتل، واستعلاء من فهمهم المنحرف على أنهم أخيار النسل البشري، وأنهم الشعب المختار، وهم وعلى مرّ التاريخ كانوا قتلة للأنبياء، ومكذّبين للرسالات، ومتنكرين للبشر، وها هم يتلذذون في مشاهدة دماء الأطفال والنساء والرجال والشيوخ الآمنين العزّل حتى من أبسط وسائل الدفاع عن النفس، والعالم الكبير هذا الذي يدّعي التحضّر صامت أخرس.. لا أحد يقول، ولا أحد يعترض، ولا أحد يرفع صوته بصيحة حق تنصف شعب فلسطين المظلوم. كيف يمكن أن تقوم معادلة كما يدّعون بين مدجج بالسلاح حتى أسنانه، بالطائرات والمدرعات والجنازير وأعتى أنواع الأسلحة بمختلف أشكالها وألوانها، وبين أعزل لا يملك حتى سقف بيت يحميه ويحمي أسرته من الموت.؟ والأكثر من ذلك فهذا المدجج هو المعتدي على شعب مسالم أعزل، سرق أرضه وتاريخه وتراثه، وها هو يمارس عليه أبشع صنوف الأذى والظلم. ثم يقول العالم الظالم في وسائل الإعلام المشبوهة أنه عنفٌ متبادل.! كيف يمكن أن يصدق أحد هذا الادعاء الغريب.؟ وكيف يمكن المساواة بين الضحية والجلاد.؟ بين القاتل والمقتول.؟ بين الظالم والمظلوم.؟ هل يمكن أن يصدق عاقل بأن اجتياح غزة والضفة بهذا الحشد العسكري الهائل بسبب البحث عن جندي صهيوني أسير.؟ أو لوقف إطلاق الصواريخ على المستعمرات.؟ أم هو لتحطيم خيار الشعب الفلسطيني لحماس وإسقاط الحكومة التي انتخبها الشعب بحريته وقراره.؟ أم هي إبادة جماعية لمن تبقى من الفلسطينيين المتجذرين في أرضهم وبيوتهم وتاريخهم.؟ هل المطلوب أن يسلم الشعب الفلسطيني رقبته للذبح دون أي اعتراض ودون أي مقاومة.؟ هل تلك الأسرة الآمنة المسالمة التي تابعنا مشاهد القتل التي طحنت أفرادها وأودت بحياة ربّ الاسرة وابنته الطفلة وزوجته وابنها الصغير وهي نموذج لعشرات من الأسر الفلسطينية التي قتلت أو شردت أو انتهكت إنها أسرة من أبٍ وأمٍ وثلاثة أطفال في فراشهم وفي بيتهم الصغير الذي لم يبق لهم في هذه الدنيا غيره، هل يمكن أن تمثّل تلك الأسرة ذلك العنف الآخر كما يدّعون بهتاناً وظلماً وهي من تمزّق لحم أفرادها، وتناثرت دماؤهم، ودمر بيتهم، وجرّفت أرضهم، وقطّعت أشجارهم، ومنع عنهم الرغيف والضوء والأمان بفعل قذيفة دبابة من عيار ثقيل على طريقة القتل المشبع التي تنتهجها القوات الصهيونية في قتل أكبر عدد من الأفراد، استهدفتهم مع سبق الترصّد والحقد.؟ شعب فلسطين يعيش القتل اليومي، وفي كل لحظة نسمع بمجزرة جديدة تنفّذها قوات الصهاينة، وهي بذلك تواصل ما تعوّدت عليه منذ أقدمت على احتلال أرض فلسطين في العام 1948 وطرد وتشريد شعب فلسطين إلى عوالم الشتات، ولن ننسى مجزرة دير ياسين وقبية ونحالين والحرم الإبراهيمي وحرق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والمجازر التي استهدفت العرب حتى ومن هم خارج حدود فلسطين، مجزرة سيناء ودفن الأحياء من العرب المصريين في رمالها ومجزرة بحر البقر في مصر، ومجزرة صبرا وشاتيلا وقانا في لبنان، ومجزرة الهامة والقطيفة في سورية. وما هذه المجازر التي ذكرتها إلا أمثلة لما يمارسه الصهاينة من مجازر وانتهاكات في كل يوم، ضاربين عرض الحائط بكل مقترحات السلام والمبادرات العربية التي نهضت لاحتواء المشكلة، والعالم أخرس صامت. أين العدل وأين المنادين بالحرية وأين المرددين شعارات الديموقراطية.؟ إن الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والمعنوي غير المحدود الذي يقدّم على طبق من ذهب إلى الكيان الصهيوني من دولة القطب الأوحد أمريكا ومن دول الاتحاد الأوروبي، ومن كثير من الدول التي تحني رأسها أمام الخوف من عصا التأديب الأمريكية، أو من عصيّ الحصارات والمقاطعات الاقتصادية والتجارية والسياسية، هذا الدعم يعطي الضوء الأخضر لقوى الشر الصهيوني في مواصلة الولوج في الدم الفلسطيني والعربي، ويفرض على الآخرين الصمت أمام كل ما يجري وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. قامت الدنيا ولم تقعد من أجل أسير صهيوني، وهو جندي يشارك في توقيع القتل على الفلسطينيين العزل، وهو مع من أوغلوا في سفك الدم الفلسطيني، وقد أسر في عملية نوعية نفّذها المقاومون الفلسطينيون على الأرض التي دخلها ذلك الجندي الأسير مع جيش الاحتلال زوراً وغازياً وهو يحمل سلاحه الكامل، وفي الوقت نفسه لم نسمع صوتاً عادلاً تحدث عن العشرات من المدنيين الفلسطينيين قادة ووزراء وسجناء وأعضاء مجالس رسمية تشملهم حصانة دولية واتفاقيات دولية لحمايتهم خطفوا خطفاً وهم في بيوتهم وليس لهم أي نشاط عسكري.؟ هل هذا هو العدل.؟ لقد انقلبت الموازين بشكل أصبح يدعو إلى الهوان وإلى التنكر لكل حاقد أرعن ينادي كاذباً ومدّعياً بالحرية والعدل، والعالم يمضي إلى خراب ما دام من يدعون أنهم قادة العالم يكيلون بمكيالين يقلبون الحقائق ويساوون بشكل أحمق وغبي بين الجلاد والضحية وبين الظالم والمظلوم وينصرون من ليس له حق ولا بينة على من هو صاحب حق ودليل وبينة. إن ما يجري في فلسطين الآن، في غزة وفي الضفة الغربية، وما يراه العالم ويسمعه لهو وصمة في جبين كل من يدّعي انتصاره للعدل والحرية، وكل من يسكت أو يتجاهل كل تلك الجرائم التي تمارس على الشعب الفلسطيني هو مشارك بطريقة ما في ارتكاب الإثم والظلم. فالساكت عن الحق شيطان أخرس. وليس لنا ونحن في حالة الصمت والخرس العالمي إلا أن نلجأ إلى الله سبحانه فهو نعم المولى ونعم النصير، ونسأله تعالى أن يحمي فلسطين وشعب فلسطين من كل سوء، وأن يثبّتهم على الحق ويقويهم لأنهم الخط الأول الذي يدافع عن كل عربي وكل مسلم على هذا الكوكب، وأن ينصرهم الله بنصره المؤزّر، ويمدّهم بجنود من عنده، إنه السميع القادر الكريم. الرياض - فاكس 014803452