قالوا الحضارة هي الفضائيات والكمبيوتر والإنترنت والجوالات والكاميرات الرقمية والصواريخ.. قلت لا.. وألف لا.. (الحضارة هي عين حبيبي) فَبُهِتَ مَنْ قَالْ.. فقلت: انظروا إلى عقل حبيبي هو الحضارة، وفكر حبيبي هو الحضارة، وقلب حبيبي هو الحضارة.. لم يصدق أحدهم قولي مساكين إنهم يتمسكون (بالماديات) يريدون الغناء والرقص ودلع المذيعات والفيديو كليبات والمجون والدلع ويبتعدون عن النرجسية والرومانسية. لم يعلموا أن الحضارة أولاً وأخيراً هي منهج من مناهج التعبير عن الرأي.. ولم يعلموا أن منهجي معك مختلف لأنك مختلف.. فالبشر باتوا يلتصقون بالمادة الباردة كالثلج، وأنا أطلب شعلة المحبة لأضمها إلى صوري فتأكل ضلوعي وتُبري أحشائي، لأنني أَلِفْتُ المادة تميت الإنسان بلا ألم، والمحبة تحييه بالأوجاع. فليعموا أن الأرض كلها وطني، والعائلة البشرية كلها عشيرتي لأنني أزرع فيها الحب والوئام، وإنني أرى الناس يتكاتفون على هدم هياكل الروح، ويتفانون على بناء معاهد الجسد، وأنا وحدي واقفة في موقف الرثاء. فأين الحضارة التي عنها يتكلمون؟، وأين السعادة التي إليها يقتربون؟، فالسعادة تهمس باكيةً شاكيةً حزينةً تقول: الإنسان حبيبي، أشتاق إليه ويهيم بي ولكن أرى لي في محبته شريكةً تشقيني وتعذبه، وضرَّةً طاغية تُدعَى (المادة) تتبعنا حيث نذهب، وتفرقنا كالرقيب، بِتُ أطلب حبيبي في البر وتحت الشجر وبقرب البحيرات فلا أجده، لأن المادة قد غرَّته، وذهبت به إلى المدينة إلى الاجتماع والفساد والشقاء وأطلبه في معاهد المعرفة، وفي هياكل الحكمة، فلا أجده لأن عدوتي قيَّدته في مغاور الطمع والشراهة. وأناديه عند الفجر، عندما يبتسم المشرق فلا يسمعني لأن كرى الاستمساك قد أثقل عينيه، وأداعبه في المساء إذ تسود السكينة، وتنام الأزهار فلا يحفل بي لأن انشغافه بمآتي الغد يشغل ضميره. هو يحبني.. ويطلبني في أعماله، وهو لن يجدني إلاَّ في أعمال الله، يردم وصالي في صرح المجد الذي بناه على جماجم الضعفاء، والأسهم والاستثمار وبين الذهب والفضة. وأنا لا أوافيه إلاَّ في بيت البساطة الذي بنيناه قبل (الجشع والطمع) على ضفة جدول العواطف، ويريد تقبيلي أمام الطغاة والقتلة والمفحطين والإرهابيين والمتخلفين وقاطعي الإشارات، وخاطفي الأطفال ومعذبي البشر؛ وأنا لا أدعه يلثم ثغري إلاَّ في الوحدة بين أزهار الطهر، وحدائق الفضيلة. يبتغي الحيلة وسيطاً بيننا ولا أطلب وسيطاً إلاَّ العمل المنزه، والعمل الجميل. ولا أخفي عليكم.. أن حبيبي تعلَّم الصراخ والضجيج من عدوتي.. من ضرتي (المادة) وأنا سوف أعلمه أن يذرف دمعة استعطاف من عين نفسه، وأن يتنهد تنهيدة استكفاء لما أصابه، حتى يصحو مما هو فيه. من فضلك.. تعال إليَّ.. (واترك الأسهم) ولغتها ونقمتها التي أبعدتك عني، وأخذتك مني وامتلكت وقتك وفكرك حتى أصبحت مدمناً للشاشات وللأحمر والأخضر.. من فضلك.. تعال إليَّ كي تستريح.. فالمادة أبداً لا تريح حيث هي همٌّ في همٍّ في هم.. من فضلك.. تعال إليَّ واسكبني كل مساء قطرة ندى على فراشك الدافئ لتثلجه، وازرعني في ظلال أهدابك، وأرقدني كالنبَّرة المبحوحة على طريق حنجرتك. من فضلك.. تعال إليَّ.. فدعوتي لعينيك سوف تناديك أبداً، وسوف تذكرني بأنك عائد، وأنك حاضر، فثَّمة نقرٌ على نهد بابي يعلن قدومك وصوت مليء ينادي عليَّ.. نعم إنه صوتك أنتَ تقول تعالي، فإنني هنا فبدونك أنتِ ودون المحبة لا حياة. تعال إليَّ وأنقذني من وحدتي وعذابي أنا لا أريد مالاً يأخذك مني.. أريد حياتنا بسيطة هادئة محفوفة بالحب من كل جانب. لا أريد مالاً واستعلاءً.. واستخفافاً بعقلي.. عدْ إلينا.. إلى بيتك واترك عنك الأسهم والشلة التي أوقعتك في هذا التيار الأحمر، وفي محيط الخسارات الذي من أجله فقدنا الأمن والحنان والبيت ورأس المال ولا نريد أن نخسرك أنت.. لأنك رأسمالنا ولأنك أول حبل إنقاذ على هيئة رجل، وأول جهاز تنفسي على هيئة إنسان، وأول حلمٍ يسير على قدمين وأول وآخر اختيار فرض نفسه على كل حواسي؛ من فضلك تعال فما زلت عروسك التي تحب.. فلا تتركني للخوف والسهر والدموع حيث أرى الأخضر الذي كان والأحمر الحالي سيضيع عقلك ويضيع حياتنا وبيت أحلامنا الذي بنيناه بالحب. وقفة أغوص في ليلٍ عميقٍ، أُلَمْلِمُ خطواتي فوق الرمال وأجمعُ أشلائي، وأدور على درب المرفأ أتمتم بحروف اسمك، وتضيع الحروف في الأفق البعيد، هناك حيث أنادي الحرمان أناجي السهر.. ورغم كل الجراح جراح الفراق التي تسيل فوق قلبي، فلست أملك للفراق سوى الدموع أذرفها، سأحبر في زمان أحلامك وسألحق بك، وقلبي في راحتي، ينبض وأناديك أنت يا أعذب الألحان عندي فلا تهمل النداء.. فهذا الحب هو الحب الكبير.. فتعال إليَّ بكل الحب، وكل العنف.. إنني أشعر بالشلل في أعضائي، وبتصلب شراييني، وها هي الوجوه كل الوجوه تنسحب من حولي ويبقى وجهك القدسي اللمحات في ذاكرتي وفي صفحة يدي ذات الأوجاع الرمادية كصدفةٍ يتيمة فإنك صامد كالريح في وجه صفعات الليل السوداء إنك الشمعة البيضاء التي ترتعش. وأنا أحترق بصمت، وينزل رمادي وفتات عذابي لاسعاً، حارقاً، لتتناوله أنت وتطفئه بلمسةٍ حانيةٍ، ونظرةٍ دافئةٍ.. حينها فقط يذوب الجميع من حولي.. إلاَّ أنت تبقى وحدك شامخاً كالنخلة.. منتصباً كالقدر. لحظة دفء أحبك رغم جنون الجراح ورغم جفاف الدروب، ورغم الخطوب، ورغم انتحار المنى، واحتضار الصباح أحبك حين يموت الربيع وحين يزول الرحيق ويذوي البريق، وحين تثور الليالي وتقسو الرياح أحبك وجه الحياة المرح، وطعم الكفاح المرير ووهج الهجير.. أحبك لون الدماء.. وصوت السلاح.. ورجع الأنين.. للتواصل تليفاكس 2317743 -ص.ب. 40799 - الرياض 11511