بأيِّ جملة أسطِّر وبأيِّ كلمة أعبِّر وقد خانتني في مثل هذا الموقف الكلمات والعبارات، فما أعظمه مفقود، وأكرمه ملحود، كان تغمّده الله برحمته أُمّة في فرد .. ديناً، وخلفاً، ووفاءً، وصدقاً، وحسن معشر، فرحم الله الشيخ الداعية سعد بن إبراهيم الحيدر الذي وافاه أجله المحتوم أواخر الأسبوع الماضي، فكان نبأ وفاته فجيعة لا تداوى، وأنا عاجز عن وصف هذا الحدث الهائل الذي شخصت له الأبصار وذهلت له العقول وجعدت لمنظره الدماء في العروق .. في لحظة واحدة يتضرّج بالدماء ذلك الوجه الشريف المتلألئ بنور الفضيلة والكرم والطهارة والعظمة، فإذا صاحبه يغادر للحياة الأخرى وهو في رونق العمر وزين الشباب. لقد طافت بالنفس مشاعر متناقضة وأصبح المرء بين مصدِّق ومكذب .. أحقاً رحل أبو إبراهيم؟ أحقاً لن نراه بعد اليوم يحيي المجالس بروحه اللطيفة ويؤنس الجلاّس بوجهه المتهلل؟ أحقاً لن نجده بعد اليوم يبذل من سعيه ليواسي وينيل من جاهه ليعين؟ أحقا عباد الله. إنّها مشاعر عجيبة تطوف بالنفس حتى يخشى عليها ولولا نعمة الإيمان بالقضاء والقدر وأنّ كل ما يجري في هذا الكون أمر مقدّر لا يملك أمامه المرء شيئاً لكانت دهشة المفاجأة قاتلة للنفوس. لقد كان - رحمه الله - مثالاً للصلاح وقدوة في ذلك لا يسع من يلقاه إلاّ أن يجله ولا يملك من يعرفه إلاّ أن يحبه، كان لا يطوي صدره على ضغينة ولا يحرك لسانه بنقيصة ولا يقبض يده عن معروف، ولهذا منحته هذه الصفات محبة الجميع له. إنّ من عرفه عرفه بالبشاشة وسعة الصدر فقد كان في حياته طلق الوجه متهلل القسمات، هاشاً باشاً يسع بشره وحلمه الناس جميعا حتى إن كل من لقيه قال: إن هذا الرجل ليحبني. وكان مضرب المثل في التعامل الاجتماعي المثالي فلم يشغله علمه ودروسه وخطبه ودعوته إلى الله أن يكون الزميل الوفي والزوج الصالح والأب الحنون والجار الواصل والقريب البار. أسأل الله جل وعلا أن يعلي ذكره وأن يجعل ما نراه من كثرة الداعين له، والذاكرين لطيب أخلاقه بشرى خير له. فقد رؤي في المنام قبل وفاته بيوم أو يومين مع خاله الشيخ عبدالله بن حسن القعود - رحمه الله - وهما في أُنس وانشراح وهذه من البشائر الطيبة إن شاء الله. نسأل الله العلي القدير أن يتغمّده بواسع رحمته وأن يغفر له وأن يرفع درجته في المهديين وأن يخلفه في عقبه في الغابرين وأن يفسح له في قبره وينور له فيه وان يحفظ أولاده ليكونوا ذرية طيبة وأبناء صالحين إن شاء الله يستجلبون له الرحمة والدعاء .. اللهم آمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.