أصدر الدكتور عبد العزيز بن محمد الفيصل كتاب (رؤى وآفاق)، موضحاً أنه عبارة عن (مقالات في الأدب والنقد والاجتماع والتاريخ والفكر.. في ثلاثة مجلدات من 2534 صفحة من القطع المتوسط). والدكتور الفيصل أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعلى ذلك فالكتاب منهجي مهني محترف. وموضوع الكتاب - كما قال المؤلف في مقدمته - (مقالات كتبت على امتداد 20 عاماً)، فيه المقالات الأدبية والنقدية والاجتماعية والوطنية والوصفية والفكرية، فهو يخدم الوطن وأبناء الوطن. وهو مفيد للطالب الجامعي بحكم أن مؤلفه أستاذ جامعي، وللقارئ بشكل عام لأنه متنوع المعارف، فالقارئ ينتقل من موضوع إلى آخر في رحلة ممتعة (هذا كلام المؤلف). والدكتور الفيصل لم يرسم منهجاً معيناً للكتاب تاركاً ذلك للزمن، ونحن لسنا معه في ذلك؛ فالتبويب يريح، وخصوصاً من يريد أن يجعله مرجعاً، وعلى كل (الكمال لله وحده)، مختتماً مقدِّمته بأنه جعل عنوان الكتاب (رؤى وآفاق) هو عنوان عموده الصحفي في (الجزيرة) على مدى عقدين من الزمان، وحتى الفهرس جعله في آخر الجزء الثالث من (40) صفحة. والمقال الأول بعنوان (مناجاة) بين شجرة أرطى تتقاذف الرياح عيدانها تخاطب غمامة فوقها قائلة: (إني أنتظر منك قطرات أيتها الغمامة، جودي بمائك القراح)، ويظهر أثر البيئة في الكاتب من الأرطى إلى شوق الصحراء الظمأى والماء القراح، يا ليت الكاتب وضع شرحاً لبعض المفردات، ويذكر من البيئة الطلح والذئب. ويتساءل في مقالة أخرى: (النثر العربي) إلى أين؟ لينتقل إلى (الفصحى والعامية) ذاكراً أسماء بعض من دعوا إلى نبذ الفصحى بحسن أو سوء نية؛ لينتقل إلى دالية دريد بن الصمة وعينية متمم النويري في الرثاء، منتقلاً بالقارئ إلى عيون الشعر العربي، لينتقل إلى (المسرح والمسرحية) ليتحدث عن الحداثة والملهاة والمأساة، ليأتي إلى الانتماء والتبعية بين العقم والإبداع ليحدثنا بعد عن (الرافعي والزيات) الأديبين المصريين الملتزمين مصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات، وكلاهما (علم في رأسه نار). ويتحدث في مقالة أخرى عن عزوف الأدباء عن بيئتهم، ليحكي لنا عن (كراتشوفسكي وتاريخ الأدب الجغرافي)؛ جمع التاريخ والجغرافيا مع التراث العربي الإسلامي، ويسير بنا في (مسار الثقافة العربية) ليحدثنا عن أديب المجلس الذي لا تملُّ من قوله، ذكر من أدباء مجالسنا الشيخ عثمان الصالح رحمه الله، والشيخ حمد الحقيل، وأديبنا الشيخ عبد الله بن إدريس، وغيرهم؛ ليعرج بنا على تعريف (بالقصيدة)، ويكشف عما اعتراه من المعاناة، وخصوصاً بروزها في الأدب، لينتقل إلى مفرق الجماعات وهادم اللذات (الموت) (داهية القرون)، ولعله من تجربة شخصية يحدثنا عن انتقال الطلاب من بيوتهم إلى مدارسهم لأول مرة (البراعم تؤمُّ مناهلها)، ولم ينسَ (وامعتصماه)، وحاجتنا إلى المعتصم. ثم وقد شاب الدكتور الفيصل يحدثنا عن اللحية والخضاب، ثم يذكر الشاعر إبراهيم طوقان صاحب الدم الخفيف (وبالمناسبة التبرع بالدم كان معروفاً في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن ال20). ويحدثنا عن إعجابه برسالة ابن فضلان الرحالة، داعياً إلى الجدة في العمل الأدبي فالأصالة في النثر والشعر، ويتنقل بين طه حسين وزهير بن أبي سلمى. وفي غمار حديثه في المقالات الأدبية يحدثنا عن قصيدة اليتيمة لدوقلة المنبجي ونسبت لغيره، وكل ما ذكرناه يدخل في الأدب وقد يدخل في الفكر. الجزء الثاني: وهو بني الغلاف، وجاء في أكثر من 800 صفحة، ونختار من مقالاته مقالاً عن التفرغ للفن، وآخر عن مدينة حجر، فمقال في النقد بعنوان (التجديد من أي باب يطرق؟) ليحدثنا عن (إطلالة الخويطر)؛ حيث أطل معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر على (عمر وشروط الوظيفة)، فمقال نقدي (من الكاتب) يقول عنه هو من سخر قلمه لخدمة القارئ، ونقرأ (النفط والأدب) ليذكر (الغيث والثقافة)، وكلاهما غيث، فيتحفنا بمقال عن المكتبة يستعرض ما تحويه من الدرر، ليحدثنا بمقال نقدي عن (الرصافي وحافظ)؛ معروف الرصافي الشاعر العراقي وحافظ إبراهيم شاعر النيل، ونختار مقالاً نقدياً بعنوان (حطيئة العصر العباسي)؛ حيث قارن بين الحطيئة المخضرم ودعبل الخزاعي في الهجاء، ويطالعنا مقال عن شارع جرير في الرياض الواقع في حي الملز، ويصف مشاعره تجاه وطنه في (لقاء الوطن)، ويدعو إلى الوئام والتآلف في (كيف أصبحت؟) مستشهداً ببيت شعر يقول: كيف أصبحت كيف أمسيت مما يزرع الود في قلوب الكرام ويتحدث عن مناقشة الرسائل الجامعية مهنية، وأنا أعرف المناقِشين يمدحون المناقَش في دقائق ثم يكيلون له في ساعات ليطلع علينا مقال (أموال العرب)، وأصل المال الإبل، ويجود علينا بمقال ترفيهي عن (هزل الشعراء) ذاكراً بيت الأعشى الشهير: وقد ذهبت إلى الحانوت يتبعني شاو مشل يدق شلول شلشل شول الجزء الثالث: وهو أزرق الغلاف في أكثر من (800) صفحة أيضاً، نعرض لبعض مقالاته: ونرى فيه (الرياض وبرج الوليد)، والرياض عاصمتنا الحبيبة، والوليد صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز، والبرج هو برج أو عمارة المملكة بين العليا وطريق الملك فهد الشهير، و(هذا الماء أين يذهب؟) يدعو إلى الاستفادة من مياه الأمطار، و(الإعلام سلاح العصر) داعياً المليارديرات: الوليد بن طلال والراجحي وابن محفوظ والشربتلي والعليان والرميزان وابن موسى لتعزيز الثقة بالتشريع الإسلامي عن طريق الإعلام، ومقال (الرياض مدن لا مدينة) جدير بالقراءة يعرض فيه للرياض بين دروازتين (بوابتين) إلى الرياض 70 ? 60كم، ومقال آخر عن قسوة الرياض، ويقصد شدة حر الصيف وانقطاع الكهرباء - مضى ذلك العهد - ومع ذلك فحب الرياض مع أهلها متبادل، ليرحب في مقال آخر بصاحب السمو الملكي الأمير سطام نائب أمير الرياض وما يقدمه للرياض إمارةً صاحب السمو الملكي الأمير سلمان. وبعد، فالكتاب على طوله يدعو لقراءته والاستمتاع بما فيه من ماضٍ وحاضر وآتٍ، ولئن كان ما فيه معاداً فأكثر الناس نسوا ما قرؤوا، وفيه تذكرة وفائدة، ويصلح مرجعاً للدارسين والباحثين، ولا سيما أن مؤلفه الدكتور الفيصل أستاذ أكاديمي مهني وشاعر وأديب.