حين تناقلت الصحف خبر (المسرحية النسائية) والتي عُرِضت بقصر الثقافة بالرياض.. كانت ردة الفعل بالمجتمع سيناريو متكرراً لما يتوقعه المثقفون والمثقفات، بين مواقف معارضة وأخرى مشجعة وثالثة على حذر!!! ولعلها دائرة مفرغة كغيرها من الدوائر التي تظل المرأة غالباً محورها حين يتعلقُ الأمر بها لتصبح بالتالي حديثاً للمجالس أقوالاً للصحف مهاترات غير منطقية للمتطرفين.. آراء متذبذبة لا مسئولة للجاهلين.. أو غير الواعين.. ودعماً فقط تنظيرياً للمعتدلين.. فتلجمها المعوقات.. ويتراجع بها جمود التخلف.. وتتراكم أعباؤها.. وتتزاحم أحمالُها.. فتظل مكانك سِرْ في طابور التقدم والإنطلاق الإنساني.. تنطوي بها الأيام والسنين وهي متأخرة عن اللحاق بركب يكاد يفوتها في كثير من المجالات!! إن مفهوم (المسرح) وفكرته المتفق عليها عالمياً لا تستدعي استعراض أهميته ودوره كجانب ثقافي..تربوي.. ترفيهي.. اجتماعي.. يعكس الواجهة الثقافية المتحضرة للمجتمع.. ويوظف الخطاب بصورةٍِ غير مباشرة تساهم في بناء الإنسان مسلكاً ومظهراً ومضموناً.. فيما يعرضه من مشاهد سلبية لتجنبها وتدعيم الايجابيات لتقمصها واتباعها.. من خلال السيناريو والحوار وشخوص التمثيل.. بل ربما كان في المسرح جوانب تنظيمية وأجواء هادئة.. تعلم الأفراد أصول ومبادئ حياة الجماعة.. وكيفية تعاملهم مع بعضهم البعض.. وكم من مسرح اشتهر وممثلوه وذاع صيتهم في أنحاء المعمورة!! وترك في نفوس رواده من الآثار الأدبية والتربوية والثقافية مما لا يخفى على الكثير!! وكون هؤلاء الأفراد خلقهم الله ذكوراً وإناثاً.. فلماذا تقوم الدنيا ولا تقعد حين يجتذب المسرح الإناث كما يستوعبه الذكور!! هل توقف الإبداع والفكر والثقافة عند أحدهما دون الآخر؟ أم هل استأثرت القدرات والميول والمواهب على جنس دون الآخر في مجتمعنا خلاف المجتمعات الأخرى؟!! كم نحن بحاجةٍ اليوم أكثر من غيرنا لمسرح هادف يخاطب هؤلاء الشابات بأسلوب غير الوعظ والإرشاد المباشر الذي باتت تقذفه أذهانهن.. بل أسماعُهن.. وتتندَّر به نكاتهن والطرائف بينهن دون تطبيق!! كم نحن بحاجة لمناقشة فكرة (المسرح) أصلاً وبصفةٍ عامة كأحد مجالات الأنشطة الثقافية الهادفة.. قبل الشروع في نقد أول مسرحية نسائية تعرض بالمجتمع.. من حيث التفاصيل والأبطال من الممثلات.. و القصة والاخراج والمشاهد والديكورات وأعداد الحاضرات وغيرها من المعايير الأدبية والفنية والثقافية للحكم على جودة واتقان هذا العمل باعتباره أحد الفنون الراقية التي تميزت بها كثير من الدول المتحضرة.. وساهمت في تربية مجتمعاتها وأفرادهم ولعلها لم تكن المسرحية النسائية الأولى إلا بما نالته من الإذن الرسمي المسبق بالفسح والعرض من وزارة الثقافة والإعلام في واحدة من أرقى وأعرق الصالات بالرياض! وحين يكونُ الحديث بالحديث يذكر.. سأروي لكم تجربة مسرحية مررتُ بها شخصياً من خلال مشاركتي كمديرة مدرسة وطالباتي بالمرحلة الثانوية ومعلماتهن في لقاء (المودة) لعام 1425ه. على مسرح مركز الأمير سلمان الاجتماعي كأحد الأنشطة اللاصفية للطالبات، برعاية حرم الرئيس العام لرعاية الشباب حفظها الله.. كانت المسرحية بعنوان (بين البيت والمدرسة يدٌ واحد لا تصفق). المسرحية كانت من عدة فصول أبطالها الطالبات أنفسهن بدءاً بالكتابة والتمثيل وانتهاءً بالاخراج.. وكانت تلقي الضوء كوميدياً على أهمية دور الأم في التواصل مع إدارة المدرسة من أجل مصلحة ابنتها. كان المسرح بما فيه من مشاهد وأبطال وحضور كثيف من الأمهات والتربويات والمسئولات والإعلاميات وسيدات المجتمع.. يعرض بكل جدارة صورة حية بتمثيل الطالبات لدور الأم الايجابية التي تتواصل مع المدرسة حرصاً منها على مستقبل ابنتها التربوي والتعليمي بشكل جذاب ومعشوق.. وفي الوقت نفسه يستعرض صورة الجانب السلبي في شخصية الأم البعيدة عن ابنتها والتي تفتقد الوعي بأهمية التواصل المدرسي بشكل فكاهي مقبول.. ورغم ما يجري أحياناً من أحاديث جانبية أو تلهو باستخدام الجوال في مثل هذه المحافل النسائية وغيرها من السلوكيات غير المرغوبة في هذه التجمعات الثقافية الأدبية أو التربوية الهادفة.. إلا أنه لم يُسمع صوتٌ إطلاقاً بالقاعة خلال العرض المسرحي لهؤلاء الطالبات سوى التصفيق والتشجيع الحار من الحاضرات.. مما زادني زهواً.. وفخراً بهن.. وقد أتقنت طالباتي تصوير المشاهد بجرأة أدبية وتمثيل عفوي ربما وصل درجة الاحتراف بل الإبداع المسرحي!! ولعل هذه التجربة المسرحية واحدةٌ من كثير غيرها ظلت محفورة في ذاكرة هؤلاء الشبابات دون غيرهم.. في بعض المدارس أو المراكز النسائية أو الجامعات ولم يعلم بها الآخرون!! وحين تدعو المؤسسات التربوية والثقافية لعقد الأنشطة الهادفة اللاصفية مع وجود الأماكن المخصصة والضوابط المحددة.. فلعلها فكرة جيدة وفرصة طيبة لاستثمار طاقات هؤلاء فيما يملأ أذهانهن بما يفيد ويلملم شتات قدراتهن فيما ينفع.. ويزيل غبار الفراغ من ميولهن ورغباتهن وتوجهاتهن بل ربما يقوم ويوجه لديهن بعضاً أو كثيراً من السلوكيات.. من مبدأ أن الوقاية خير من العلاج!! أيها السادة الكرام: هل لكم أن تنظروا حولكم لتروا بأم أعينكم كم هي واسعة وعريضة تلك الشريحة من الشابات بالمجتمع أغلبُها وجلها متسكع بمراكز التسوق!! أيها السادة الكرام: هل لكم أن تبحثوا في كل حارة عن احصائيات سكانية لتروا بأم أعينكم أن جلها من الشابات.. تخرج معظمهن كل صباح إلى المدرسة أو الجامعة ثم تعود ظهراً بلا حافزاً أو دافع غيرهما.. أي والله.. لربما غدت كلاهما حملاً ثقيلاً من الكتب والمحاضرات والدفاتر وجداول من الحصص المتراكمة ليس إلا!! وربما وزناً أثقل منهم حشته أولئك الشابات عشرات الكيلوات الزائدة في أبدانها سُمنة وإهمالاً!! أيها السادة الكرام: لعل هذه الشريحة من فئة الشابات قد تجاوزت حدود التعليم المدرسي أو الجامعي وغدت اليوم بكل ما لديها من ثقافة. وانفتاح وطموح تتطلع لأن تواكب غيرها من الشابات في كل مدن العالم وبخصوصيتها التي تميزت بها. فأين المكتبات العامة المنتشرة.. وأين النوادي الرياضية وأين المراكز الثقافية.. وأين المسارح واين دور المعرض المرئي الهادف.. لتجد هؤلاء الشابات ضالتهن!! أيها السادة الكرام: إن النظرية الاجتماعية للمعادلة العلمية في احتساب اعداد الشابات المتزايدة نسبة لمراكز الثقافة المتاحة شبه المعدومة قد يعطي نتائج لمفارقاتٍ شتى ونسباً غير متكافئة للتوقعات المستقبلية في البناء الإنساني لهذه الفئة والتي يفترض فيها المشاركة الفعالة في بناء الوطن والمساهمة في تنميته!! أيها السادة الكرام: * هل لا زالت المدارس والجامعات كافية لتأهيل الشابات للقيام بدورهن الواجب لاستكمال الواجهة الثقافية بالمجتمع؟!! * هل يكفي هذه الفئة أن تظل في موقع الإستفهام والتساؤل والتعجب والازدواجية والتردد والمناقشات السفسطائية؟!! * هل ستتاح فرصة الحوار التطبيقي الجاد لمعالجة مشاكل هذه الفئة؟!! * هل إشراقةُ الشمس كل يوم.. إلا حقيقة واضحة لا يمكن إنكارها أو إغفالها أو تجاهلها لمن كان بصيرا؟!! أيها السادة الكرام: لعل المسألة أكبر من مجرد مسرح أو مسرحية نسائية!!!