من المؤسف أنّ هناك إغفالاً من قِبل وزارة التربية والتعليم للدور المهم الذي تضطلع به الخدمة الاجتماعية في المدارس، فالخدمة الاجتماعية بحكم فلسفتها وركائزها وأسلوبها هي المهنة الأنسب للتعامل مع القضايا الاجتماعية وفي علاج المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب والناشئة بوجه عام. ولأهمية دور الخدمة الاجتماعية نجد أنه في الدول الغربية يُشترط وجود أخصائي اجتماعي متخصص في الخدمة الاجتماعية في المدارس، ليس فقط في الدول الغربية، بل في بعض دول الخليج العربي كالكويت وعمان. ومن الغريب أنه في الوقت الذي تزداد فيه التحديات والمشكلات الاجتماعية والانحرافات الفكرية التي تواجه الشباب؛ ما يستدعي زيادة الحاجة إلى مهنة الخدمة الاجتماعية في المدارس، إلا أن وزارة التربية والتعليم تتخذ مساراً مغايراً لهذا الجانب، بل إن وظيفة الاخصائي الاجتماعي الموجودة في السابق حُولت إلى مرشد طلابي بالرغم من عراقة مهنة الخدمة الاجتماعية في المدارس. فضلاً عن ذلك فإحصاءات وزارة التربية والتعليم تُشير إلى أن هناك عجزا في توفير المرشدين الطلابين في المدارس تصل نسبته إلى حوالي 50%. في السابق كان يوجد في المدارس أخصائيون اجتماعيون من خريجي الخدمة الاجتماعية، وكانوا من المتعاقدين لعدم وجود متخصصين سعوديين في ذلك الوقت، وكان لهم دور مهم مع الطلاب، ففي عام 1955م استعانت وزارة المعارف باثنين من الاخصائيين الاجتماعيين من جمهورية مصر، ونظراً لما أسفرت عنه جهودهما من نجاح فقد استعانت وزارة المعارف بمزيد من الاخصائيين الاجتماعيين المتخصصين في الخدمة الاجتماعية، وفي عام 1965م استعانت وزارة المعارف بمجموعة كبيرة من الاخصائيين الاجتماعيين من المتخصصين في الخدمة الاجتماعية حيث تعاقدت مع 44 اخصائيا اجتماعيا بعضهم عمل في الوزارة في إدارة النشاط الاجتماعي والغالبية وجهوا للعمل كاخصائيين اجتماعيين في المدارس. ويبدو أن المسؤولين في السابق أكثر شفافية للنواحي الاجتماعية واكثر إدراكا لأهمية التخصصية في وقت كان يتسم ببساطة القضايا ومحدودية المشكلات الاجتماعية التي يواجهها الناشئة. إن تحوير وظيفة اخصائي اجتماعي إلى مرشد طلابي خطأ كبير، فمفهوم مرشد طلابي ليس مفهوما مناسبا في وقتنا الحاضر حيث يُركز فيها على الناشئة كطلاب وهذا مفهوم قاصر؛ كما أصبح يُعين في وظيفة الإرشاد الطلابي من شتى التخصصات، بل ان بعض التخصصات بعيدة كل البعد عن الجانب الاجتماعي فهناك من المرشدين الطلابيين من تخصصاتهم علوم وفيزياء وكيمياء وغير ذلك؛ لذا فالقائم بعمل المرشد الطلابي لا يعرف أساسيات العمل والممارسة المهنية في التعامل مع القضايا الاجتماعية وعلاج المشكلات الاجتماعية التي تواجه الناشئة، حتى وان كانت أهدافهم نبيلة ومقاصدهم سليمة، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فسلامة المقصد وحسن النية ليست كافية في علاج المشكلات، خاصة في هذا الوقت الذي يزداد فيه تعقد المشكلات وتعددها؛ ما يتعاظم معه أهمية التخصصية في مواجهة المشكلات الاجتماعية.. هذا كله أفقد المدرسة دورها المهم في التنشئة الاجتماعية ومواجهة مشكلات الناشئة، وقد لمست ذلك من خلال خبرتي في المدارس، فهناك من المرشدين الطلابيين من يخافهم الطلاب أكثر من المدرسين نتيجة استخدامهم الضرب، كما أصبح يُعين في هذه الوظيفة المهمة أفراد تنقصهم الكفاءة والرغبة في العمل الاجتماعي، فقد يُرشح لوظيفة المرشدين مدرسون يُراد الخلاص منهم لأن عليهم ملاحظات في أدائهم لعملهم في مهنة التدريس. ومن ناحية أخرى فإن اشتراط التدريس فترة من الزمن قبل الترشيح لوظيفة الإرشاد، هذا خاطئ، فوظيفة المدرس تختلف تماما عن متطلبات وظيفة الإرشاد، ففلسفة التربية وأساليبها لا تنسجم مع طبيعة العمل الاجتماعي؛ فالمدرس يسعى إلى توصيل المعلومات إلى الطلاب وفي أقصر وقت ممكن وقد يتطلب ذلك الشدة معهم، لكن فلسفة الخدمة الاجتماعية وأساليبها تعتمد على بناء علاقة مهنية لكسب ثقة العميل وذلك لعلاج المشكلات التي يواجهها؛ لذا فإن المدرس الناجح في عمله لن يكون ناجحا في الإرشاد الطلابي، كما أن المرشد الطلابي الناجح لن يكون ناجحاً في مهنة التدريس. ومن هنا فإنه من الضروري إرجاع الدور المهم الذي كانت تضطلع به الخدمة الاجتماعية في المدارس في السابق، خاصة مع التحديات والمشكلات الاجتماعية والانحرافات الفكرية التي تواجه الشباب والتي تتطلب متخصصين في الخدمة الاجتماعية للتعامل مع القضايا المستجدة والمشكلات العديدة، ولبناء علاقة مهنية مع الطلاب لمعرفة ما يجول في أذهانهم من أفكار وتوجهات قد تكون منحرفة وتحتاج إلى تصحيح؛ لأن افتقاد دور الاخصائي الاجتماعي قد يؤدي إلى سعي بعض الطلاب إلى أفراد وجماعات قد يكون لديها أفكار أو توجهات منحرفة. [email protected]