في مسيرته التي امتدت ربع قرن من الزمن يحتفل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بيوبيله الفضي وسط أجواء سياسية مشجعة، وشعبية هادئة. في ربع قرن من الزمن تمكن مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تحقيق هدف التحالف الإستراتيجي لدولة الست انطلاقاً من أسس ومبادئ المصالح الخليجية الحيوية المشتركة التي أدت إلى خلق مجالات متعددة من الاعتماد المتبادل والتعاون الوثيق في شتى المجالات التي تهم الدول الأعضاء فيها. وعلى مدى السنوات الماضية من عمر ذلك الكيان الإقليمي المتماثل في عوامل الجغرافيا والتاريخ والمنابت والأصول الاجتماعية، تمكن المجلس من تحقيق أهداف إقليمية ودولية عديدة لعبت دوراً كبيراً في تحقيق الانصهار السياسي والاقتصادي بين دوله الأعضاء، وبالتالي ساهمت في تأطير ذلك الكيان ليصبح أنموذجاً متقدماً من نماذج التكتلات الإقليميه التي تهدف إلى تحقيق المصالح والأهداف المشتركة لدول تتقارب مع بعضها بعضاً جغرافياً وتتشابه مع بعضها بعضاً في السمات الوطنية وترتبط مع بعضها بعضاً بروابط التاريخ والعادات والتقاليد والقيم العربية والإسلامية الأصيلة. صحيح أن مسيرة المجلس بطيئة ولكنها ثابتة وإيجابية، فقد حقق المجلس عدداً من الإنجازات في المجالات التي تهم أعضاءه في النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والبيئية والاجتماعية مما أدى إلى المحافظة على مصالحها الفردية والجماعية وتوحيد مواقفها السياسية والاقتصادية تجاه عدد من القضايا العربية والإسلامية والدولية الأمر الذي جعل منها مركز ثقل منطقة الشرق الأوسط وقوة سياسية واقتصادية لا يُستهان بها، لها وزنها وثقلها ومكانتها الإقليمية والدولية. وبالطبع فإن الكيانات الدولية والتكتلات الإقليمية لا يمكن أن تتبوء مكانتها بين الكيانات والتكتلات الأخرى وتحظى بالاحترام والتقدير والمكانة المرموقة إلا إذا ما تمكنت من تحقيق تعاون وثيق وتفاعل متكامل بين الدول الأعضاء فيها في المجالات التي تهم جميع الأطراف المعنية فيها وتحقيق أهدافها ومصالحها الجماعية بصورة موحدة وهو ما تحقق بالفعل إنجازه في مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. فالمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي يعكس الإرادة السياسية الموحدة لدول الخليج العربية ويضطلع برسم السياسات العامة واتخاذ القرارات السياسية الجماعية كموقف موحد تعكس بوضوح مصالح وأهداف الدول الأعضاء في إطار الأهداف والمصالح العربية والإسلامية وتعمل على تحقيقها بأقل تكلفة ممكنة. والتحرك السياسي الخليجي لمواجهة جميع الأزمات والتحديات التي واجهت المنطقة بأسرها كان وما زال تحركاً سياسياً واحداً لست دول مجتمعة الأمر الذي ساعد على تحقيق تلك الأهداف وأدى إلى المحافظة على الأمن والاستقرار في الخليج العربي وفي الشرق الأوسط. وفي نفس الاتجاه فإن التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م التي تمَّ تطبيقها فعلياً في عام 1983م وقطعت شوطاً كبيراً في تطبيق معظم بنوده ومواده الأساسية التي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق التعاون الاقتصادي بين جميع دوله وفي تطوير تلك العلاقات وتنميتها بما يحقق المصالح والأهداف الاقتصادية والتجارية المشتركة من أهمها: إزالة الحواجز أمام التحرك الاجتماعي للأفراد والجماعات بين الدول الست والسماح لهم بممارسة النشاطات الاقتصادية والمهنية والحرفية في أي دولة من الدول الأعضاء ومعاملتهم معاملة مواطني تلك الدولة، إلغاء الجمارك على منتجات دول المجلس المصنعة في الدول الأعضاء، والبدء في تطبيق تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، وإعداد مشروع موحد للتنمية الصناعية والتنمية الزراعية (سياسة زراعية مشتركة) وتنمية الموارد المائية والثروات السمكية بهدف تحقيق الأمن الغذائي المشترك لدول المجلس الست. وأخيراً فإن مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية مسيرة جماعية موحدة توجهها الأهداف والمصالح الخليجية المشتركة التي تسعى وتعمل على تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية لجميع شعوب العالم العربي والإسلامي وهي مسيرة ستعمقها حقائق التاريخ والجغرافيا والروابط المشتركة، وستنميها وتقوي دعائمها السياسات الخليجية الموحدة، وستحافظ على وحدتها وترابطها مصالح الأمن والاستقرار والرفاهية المشتركة. ومع هذا يجدر القول بضرورة دعم التيار الإصلاحي في مجلس التعاون الخليجي الذي بدوره سيضمن مسيرة الإصلاح الشامل للبيت الخليجي في مرحلة إقليمية ودولية خطيرة حالية وقادمة لا تقل خطورة عما سبقه من حقب زمنية مضت. فخطر الإرهاب الدولي والإقليمي ومخاطر التطرف والغلو ما زالت قائمة تهدد الجميع دون استثناء. الذي نود قوله إن المنطقة برمتها تقف على فوهة بركان ثائر بفعل قوى الإرهاب والتطرف والغلو التي يصعب تحديد مصادرها ومواعيد تحركاتها الدموية، ولهذا فإن مجلس التعاون الخليجي كان وما زال وسيظل العمق الإستراتيجي الوحيد لجميع دول الخليج العربية أياً كانت مواقعها. كما ويجب ألا ننسى مخاطر انتشار أسلحة الدمار في المنطقة وما تمثله من مصدر عدم استقرار لجميع الدول..