** الذين يعيشون العيد في عنيزة .. يخرجون بقناعة مؤداها أنّ فننا الشعبي ما زال بخير وإن تراثنا الفني الثري بألف نعمة .. ما دامت تلك الساحة التي لا تتجاوز المئة متر مربع تتمدد بعشرات البشر ومئات المتفرجين الذين يمارسون ألوان فننا ويمنحونه قدراً كبيراً من وقتهم، عن طريق تفريغ شحنات انتماءاتهم التاريخية فوق ثرى تلك الساحة .. هناك وهناك فقط الناس يتغنون بالسامري ويترنمون بالحوطى، ويتراجعون صدى التاريخ في أعماقهم .. هناك تقوم المساجلات العكاظية على الطريقة النبطية، وفي زاوية أخرى ترتفع صيحة الحرب على أنغام الطبول ورقصات العرضة .. وكل عيد تشهد عنيزة هذه الظاهرة التي تميزها عن كثير من مدن المملكة .. الشيوخ بشعورهم البيضاء المسترسلة تلتقي أيديهم وتتعانق حناجرهم مع الشباب الغض .. يقدمون سوية طبقاً شعبياً لا ينعدم فيه الثراء والأصالة .. ومعهم أطفال صغار لم يعرفوا طعم الحياة كما ينبغي ولكن يعرفون ان لهم تراثاً شعبياً خالداً يعطي لشخصيتهم التميز والنكهة الخاصة .. منظر رائع .. يتلاقى فيه الماضي مع الحاضر .. ويسيران مسرعين إلى المستقبل بآماله وتطلعاته .. ويتجسّد الجميع سوياً في صورة لا تنقصها إلا ريشة المصوِّر البارع الذي يحوِّلها إلى لوحة معبرة حية .. عنيزة بلد التاريخ والماضي المتفتح والواقع المشرق والمستقبل المضيء مدينة تتحول إلى أضواء .. وعمل فني رائع لا يحتاج إلى الفسيفساء لتزدان وتتلألأ. نكهة التاريخ تشمها في كل زاوية غير انها لا تضوع وتفوح إلا هناك في تلك الزاوية. حيث يجتمع الكهول مع الشباب واليافعين ليجسدوا الفن الشعبي المتعدد .. إن ما يوجد في عنيزة نتطلع أن يمتد فيشمل باقي مدن المملكة لكي تظهر الشخصية الحقيقية للتراث الشعبي الكبير الذي بدأ ينطمر تحت ركامات الحياة .. ويضيع بين تلافيفها.