تسعة نصوص ما بين القصيدة والقصة القصيرة والمقالة كانت حصاد ملتقى الأدباء الشباب لشهر ربيع الأول 1427ه بالمكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرياض الذي يشرف عليه الناقدان د. حسين علي محمد، ود. صابر عبدالدايم الأستاذان بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الجدير بالذكر أن الملتقى يجد صدى واسعاً لدى الأدباء الشباب، ويحضره جمهور من المثقفين والمهتمين بالصحافة الأدبية. حين تأسرنا نجد يبدأ الملتقى بقصيدة الشاعر السعودي الشاب حمد بن دخيل الله الذي يشكو صبابته إلى نجد، فجاء العنوان (ذكرى الأطلال) يكتحل بالهموم واللوعة أمام أطلال تجدد فينا ألفة المكان وشموخه وأمجاده بلغة قريبة إلى دفء أرواحنا، وهي قصيدة تحلق في فضاء خصب من الشاعرية في قافيتها وإيقاعها، وحميمية العاطفة المتدفقة فيها، فلا نملك إلا أن نردد مع الشاعر نبض أشجانه: يا نجد لي فيك أطلال أناجيها وأذرف الدمع من عيني فأسقيها القلب من وجده يا نجد يذكرها دوما ويبدي هموما كان يخفيها جارة الغربة أما قصيدة (يا جارتي) للشاعر عماد الدين دحدوح، فهي تستثمر عنصري القص والحوار، من خلال تشخيص الحيوان (القطة) وإنطاقها، وهي تلتحف الرمزية الشفيفة في معظم مقاطعها، ولعلنا نوافق الناقد د. صابر عبدالدايم فيما ذهب إليه في هذا الشأن حين قال: لو أبقى الشاعر الرمز دون تصريح ولا سيما في البيت الأخير لأكسب القصيدة نضارة، كذلك نرى أن القافية تفرض سطوتها على الشاعر أحياناً كما ألمح الناقد د. حسين عليم محمد، وقد وفق الشاعر في استهلال القصيدة، إذ جاء في المطلع: جلست بقربي في حيا ووقار شقراء ترقب حظها من جار جلست وترمقني بطرف ناعس في ليلة قمراء ذات نضار *** يا جارتي إني ضعيف منهك من أين جئت اليوم في الأسحار يا جارتي في غربتي كم أنعشت عيناك روحي فالصفاء إزاري يا قطتي لا تذهبي ودعي الدلا ل فإنني في حاجة الزوار بين الحقول ويوظف الشاعر بدر محمد الحسين السرد في قصيدته (بين الحقول)، ما فتح له الآفاق الذهنية على حد تعبير الناقد د. حسين علي محمد، ولعلي أجد أن خصوصية القصيدة لا تنبع من نزعتها القصصية فقط، ولكنها تتألف من فضاء الطبيعة ومعانيها وقبساتها الحانية الساجدة في جمالها لخالقها: كنت أمشي ذات يوم في روابي قريتي بين الحقول أنشق العطر وريا الزهر في الكرم الظليل ويتجدد معجم الطبيعة لفظاً ومعنى في معظم مقاطع القصيدة مثل قوله: وتموجات سنابل القمح المليئة في فضاءات السهول وشجون أسراب الحمام تفوح من شوق الهديل الفارس والحرف الأخضر وفي قصيدة: (الفارس والحرف الأخضر) للشاعر المبدع محمد عبدالله عبدالباري يرثي أحد دعاتنا الكبار في العصر الحاضر، وهي تعبر عن مفارقات موجعة بين حالنا وحاله، بين هواننا وإبائه، وبين الصغار والشموخ، بل بين الظلام والنور، والحياة والموت، فنقف مع الشاعر نقطف زهر اليقين بكل ثقة وحب وإعجاب بالفارس الشهيد: هناك على صفحات الزمان حروفك تهمي سنا وافتتان وذكراك في عالم الأمنيات لها بالربيع الوريف اقتران رحلت إلى الفجر في موكب يفيض شموخا ويسخو حنان وفدت ولليل ألف يد تشيد في كل شبر كيان وكل العيون ارتوت بالظلام وبالنور أصبحت أنت المدان أغلى طفلة ويمضي بنا الشاعر شيخموس العلي إلى حدائق الطفولة وأناشيدها وأفراحها في قصيدته (هي ثروتي) ليشدو لطفلته إيقاعاً عذباً بلغة سهلة ومعانٍ قريبة إلى نفوسنا، فيحرك المشاعر، وتهفو القلوب إلى فلذات أكبادنا في مشهد أخاذ: أهلا بأغلى طفلة جلست على سجادتي مسكت بأذني فجأة ويح لها من مسكة عبثت هنا وهناك نا لت من هدوء الغرفة قلبي تحرك نحوها فحملتها في لحظة ويمعن شاعرنا العلي في اقتناص الأفعال الحركية، وأفعال المشاركة في قصيدته، ما جعل السمع أكثر إنصاتاً لنبض وجدانه. مع البدر ويختم الشعر بقصيدة (يا بدر) للشاعر نبيل الزبير، وبداية نراه يشكو همه وحزنه للبدر بلغة تموج بالكآبة والضجر إذ يقول: مللت يا بدر إن القلب مكتئب وأصبح القلب عشبا ما رأى مطرا وزورق القلب بين الموج مرتعد يواجه الموت والأهوال والخطرا وعلى الرغم من هذا الحزن الذي تزخر به القصيدة إلا أن شاعرنا يسلمنا لنفحات من التفاؤل والأمل في آخر أبياته، فتصغي له: وجرت الشمس ثوب العرس في فرح وعانق الأرض نهر للحياة وجرى ألا ترى ذاك طفل ملؤه أمل بين الزهور يناجي الطير والشجرا ألا ترى ذاك طير راح يرسلها عبر النسيم لحونا فاقت الصورا هموم الطفولة وفي مجال السرد لم يخرج القاص محمد أحمد الصوان عن هموم الطفولة فيحكي في قصته (سارق الأبقار وسارق الفخار) هم الطفل (نبيه)، إذ يرى في منامه أنه يدافع عن أبيه الذي كاد الشرطي يقبض عليه متهمه بالسرقة، ولكنه ينجو بإيقاظ أخيه وليد، والقصة سهلة التراكيب ناصعة في مضمونها.