تأمل أخي الحبيب كلام الله في وصايا لقمان حيث نجد الوصايا مبدوءة بقوله: (يا بني) فهي تدل على حرص الأب على تعليم ابنه مسائل الدين ويختار لذلك أفضل وأجمل العبارات لكي يكون أثرها أقوى؛ فهو يحب ابنه، وكما قال ابن كثير (وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ولهذا وصاه). انظر أخي كيف حرص لقمان وهو الحكيم على تعليم ابنه، فهو أولا: قدم له النصائح، ثانيا: يختار الأسلوب الأقرب في التأثير، بل نرى في وصايا لقمان مع أسلوب الترغيب نجد أسلوب التعليل فهو يقول (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) ثم يذكر السبب (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ويقول (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ) ثم يذكر السبب فيقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ويقول: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ( ثم التعليل الواضح والقوي: )إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( وينبه ابنه إلى الأخطار المتوقعة لتنفيذ كلامه فيقول: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ( ثم يذكر له مصيرا متوقعاً حتى لا يصاب بإحباط في أول منعطف )وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ (فهذه أساليب تربوية عظيمة من ذلك الأب الناصح الحكيم لفلذة كبده، وبعد ذلك لو أردنا أن نقارن بين هذا الأب الحكيم وبعض الآباء في هذا الزمان فتجده في غفلة عن ابنه وإذا قدم له النصائح نادرا فإنه يقدمها في قالب منفر أو مجرد تعليمات وتعميمات كأنه في ثكنة عسكرية لا يتفاهم ولا يذكر الأسباب ولا يفتح باب النقاش والمصارحة؛ فتكون النتيجة غالبا أن الأبناء لا يستفيدون من أبيهم فهم كالأيتام، وإن كان الأب حيا والأبناء لا ينصاعون لأبيهم وإن لم يخالفوه أمامه فهم لن يبالوا غالباً في مخالفته في غيبته؛ لأنهم لم يجدوا الأب الحكيم الذي ينصح ويربي ويختار أفضل الكلام، وهذا شامل للأم بل جانب الأم أكبر في التربية والتأثير والمتابعة والتوجيه، ولكن لكل مقام مقال يناسبه، والله أعلم.