إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. أخيتي.. اعلمي أن عنوان الفلاح وأمارة استقامة المنهج، الإقبال على كتاب الله، ولقد استشعرت ذلك كثيرا من المسلمات فبدأن يتوافدن على حفظ القرآن وأقبلن على تلاوته وتدبره، وهي خطوة رائدة تحتاج إلى من يدفعها لبذل المزيد، وأقول لمن لم تلحق بالقافلة بادري؛ ففي الأمر متسع، وهلمي قبل فوات الأوان. واجعلي نفسك ممن تحقق فيهن موعود الله بتيسير القرآن للحفظ والذكر كما قال عز وجل:(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (22) سورة القمر. واعلمي حافظة القرآن أنك محسودة بحق مغبوطة بين الخلق، قال عليه السلام: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار..). أتدرين أخيتي أين مرتبتك، روت عائشة - رضي الله عنها - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة) فأنت رفيقة الملائكة، وقال عليه السلام: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها). يا حاملة القرآن.. هنيئاً لكِ بشرى رسول الله: (إن الله لن يعذب قلباً وعى القرآن). ويا حاملة القرآن.. هنيئاً لك شفاعة كتاب الله قال عليه السلام: (يجيء القرآن يوم فيقول يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة). أخيتي الفاضلة: لا أشك في أن كل واحدة منا تسعى لبر والديها بقدر ما تستطيع، فإليك هذا الباب من أبواب برهما ألا وهو باب حفظ القرآن.. قال عليه السلام في حافظ القرآن يوم القيامة: (يوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوَّم لهما أهل الدنيا فيقولان: بم كسينا هذه فيقال بأخذ ولدكما القرآن) فمن منا لا تريد أن تلبس والديها هاتين الحلتين. أخيتي الفاضلة: اعلمي أن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، وقد أمر عليه السلام بتعاهد القرآن واستذكاره والمواظبة على تلاوته في قوله: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها). فلا تزحزحي يا أخيتي نفسك عن هذه الرتبة العليا التي نلتِها، فنسيان القرآن من أعظم المصائب، قال أبو العالية - رحمه الله - : (كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه). إن سبب نسيان القرآن من الإعراض عن تلاوته، ونسيانه دال على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره. واعلمي أخيتي الحبيبة أن حافظة القرآن يجب أن تحفظ به جوارحها فيلزمها التحفظ عن الدنيا أكثر مما يلزم غيرها لأن لها من الأمر ما ليس لغيرها ولا يغرنك الحفظ فتتركي العمل لأن العبرة ليست بالتلاوة فقط بل بالتمثل بأمره واجتناب نهيه، إن حفظ كتاب الله يقابله مسؤولية وواجب يوازي ذلك لأن الحفظ ليس شهادة تعلق أو درعاً يرفع ولكنه أمانة يجب القيام بحقها. قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يغلو من يغلو تعظيماً لحق القرآن. وصيتي الأخيرة لحاملة القرآن.. إياك والتكبر على من ليس بحافظ فلربما أفلح المقل المعذور وخسر الحافظ المغرور، واعلمي أن سبب إخراج إبليس من الجنة التكبر إذ قال (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (76) سورة ص، فحقت عليه العقوبة ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) سورة ص. لا تنتظري من الناس ثناء ولا تقديراً وجاهدي أن لا تتأثري بمدحهم وإطرائهم إخلاصاً لله. نعم.. يجب عليهم أن يوقروا حاملة القرآن لأن في جوفها كلام الله وإن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي فيه قال ابن عبدالبر: وحملة القرآن هم المحفوفون برحمه الله المعظمون كلام الله الملبسون نور الله فمن والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد استخف بحق الله. أسأل الله أن يهدي حاملات كتابه، وأن يرزقهن تلاوته على النحو الذي يرضيه عنهن، وأن ينور به أبصارهن ويطلق به ألسنتهن ويغسل به قلوبهن ويفرج به همومهن وسائر المسلمين والمسلمات. (*)أستاذ مساعد بقسم السنة وعلومها في جامعة الإمام بالرياض