صعقت للنبأ المفجع بوفاة المربي الفاضل والأخ الكريم (عثمان بن ناصر الصالح) وإن كان الكاتبون قد أطنبوا في محاسن سيرته وحياته.. إلا أني رغبت أن أدلي بدلوي في الحديث عنه لما تربطنا به من وشائج القربى والود والمحبة ومسيرة أخوية تربو على نحو خمسين عاماً. كان الفقيد نسيجاً خاصاً من البشر يحمل مضامين خيّرة قلّ أن تجدها في غيره من أبناء هذا الزمن وهو طيبته ورقته ونموذج سامق كريم قد خط لذاته وبين مجتمعه وأهله أنصع الصفحات وأخلدها بهذه السيرة العطرة والممتدة والمحبة لكل الخير والتسامح ونبذ الشرور والحقد والضغينة في كل مشاركاته التربوية والثقافية والخيرية عبر نصف قرن من الزمن، ينبض بالعطاء الثر والجهد المتواصل في كل ميادين الخير والنبل والمساعدة لكل المستويات وعلى جميع الأصعدة سيما من يرغبون في مد يد العون للأبناء والمحتاجين خاصة في هذا الزمن الذي تحكمه المصالح والمطامع.. عصر القلق والانكسارات ونبذ قيم الخير والأصالة والبحث عن الامتيازات والمطامع، ولأن إيقاع الحياة يزداد سرعة وتوتراً وتزداد حاجتنا إلى قلوب صادقة خاشعة حانية لألتقاط الأنفاس المبحرة في شرايين الحزن الإنساني الصارخ بحياتنا وحياة جيلنا. ولقد كانت علاقاتي بالمرحوم علاقة وثيقة.. حيث لا ننسى تلك الأمسيات الجميلة الماتعة مع الإخوة البررة من الرحلات البرية المتكررة التي كان يتخللها عذب الحديث وسائغه وصنوف المعرفة وأبيات الشعر والحكمة والمثل يجزيها من هنا وهناك وتطلقها صادق المشاعر الجياشة، وأذكر أنه من خلال شاعريته وقصيدة لا يترك مناسبة أو دعوة إلا شارك فيها بقصيده الجميل، فقد كنا نتبادل معه بعض الرسائل عن بعض هموم الوطن والمجتمع ولدي عدة قصائد شعرية متباينة في مناسباتها تنبئ عن روح شاعرية ونفس طويل في بحار الشعر المتنوعة وملكة حاذقة في التصرف بفنون الكتابة الأدبية والاجتماعية.. ولكن عزاءنا في أبنائه، حيث أعدهم أحسن إعداد وآمل أن يكون شعاع والدهم عليهم وذلك بجمع قصائده المتناثرة في ديوان يحمل اسمه. فصبراً على هذا المصاب الذي أورث في القلب تزايد الجمر، فلله الخلق والأمر وليس إلا الصبر والأجر هذا والموت منهل لا بد من وروده وكما قيل: وما هذه الأيام إلا مراحل يحث بها حاد من الموت قاصد وأعجب شيء لو تأملت أنها منازل تطوى والمسافر قاعد غفر الله له وأسكنه فسيح جناته وأمطره شأبيب رحمته وغفرانه.. وعزاءنا لأسرته ومحبيه وعارفيه.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.