(الأيديولوجيا) مصطلح وافد يستخدمه المفكرون والمثقفون والقائمون بالاتصال في مؤسسات الإعلام العربي، يشير إلى (المعتقد الديني أو الثقافي الذي يؤمن به الفرد ويترجمه سلوكاً في الواقع المعاش). وفي كل إعلامات العالم هناك أيديولوجيا ترتبط بمضامين هذا الإعلام، حتى وإن كانت تحيِّد العامل الديني، باعتباره أهم المعاني المرتبطة بالأيديولوجيا، ذلك أن (تحييد الدين) هو ذاته معتقد أيديولوجي يؤمن بالمنهج العلماني في النظرة إلى الحياة. وباعتبار هذا التلازم بين المعتقد والسلوك فإن الانتماء الفكري في الإعلام هو حقيقة تنقض مفاهيم الحياد والموضوعية التي طالما كتب عنها أساتذة الإعلام ومنظِّروه؛ فالحياد والموضوعية والتجرد هي أوصاف غير موجودة إلا في كتابات المتخصصين، أو قاعات الدارسين، أو مناهج الباحثين، أما في الممارسة الإعلامية فإن (الإعلام رسالة)، والرسالة لا بدَّ لها من (رؤية)، والرؤية هي (فكرة) أو مجموعة أفكار تسبق السلوك، وبالتالي فإن الممارسة الإعلامية هي نتاج رؤية أيديولوجية - بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي - تتجسد صورها في المنتج الإعلامي عبر وسائط الاتصال المختلفة. هذا تنظير لشاهد يأتي: الإعلام الأمريكي هو أكثر إعلامات العالم ادعاءً للحياد والموضوعية في الإعلام، بيد أن ذلك يصدق فقط - أحياناً كثيرة - في الرسالة الموجهة إلى الرأي العام المحلي (داخل الولاياتالمتحدة)، أما في الخارج فإن هذا الإعلام منتمٍ إلى سياسة الإدارة الأمريكية، يتكامل معها ولا يتناقض، بل هو أداة من أهم أدوات تحقيق المصلحة الأمريكية في مجاليها الفكري والمادي، كما قرَّر ذلك بريجنسكي المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، وغيره كثير. ما براهين هذا الشاهد؟ دلائله كثيرة؛ فقد تزامنت مع مشروع الولاياتالمتحدة في الحرب ضد الإرهاب (وهو مشروع عسكري) مشروعات فكرية استعمارية غُلِّفت بمصطلحات سياسية، من مثل: الشرق الأوسط الكبير، تعزيز الديمقراطية، تكريس الإصلاحات، ونحو ذلك. وكان لهذه المشروعات أدوات شتى، أهمها: الإعلام. هذا الإعلام اتخذ مسارين: إعلام أمريكي دولي يتبنى أطروحات المنظرين الاستراتيجيين الذين صنعوا هذه المشروعات، وتمثَّل في وسائل الإعلام الأمريكي القائمة، أو الوسائل المستحدثة مثل قناة الحرة، وإذاعة سوا، وغيرها، وإعلام أمريكي غير مباشر يتخذ من وسائل الإعلام المحلية في دول الشرق الأوسط أو من العاملين فيها أدوات لتنفيذ الأهداف. وبالنظر إلى عوامل التأثير الأمريكي المرتقب فإن بعض وسائل الإعلام المحلية التي وافقت المنهج الأمريكي في الغاية والوسيلة هي أشد خطراً وأكثر تأثيراً على مجتمعات الشرق الأوسط من وسائل الإعلام الأمريكية نفسها. نعم، هي أكثر فتكاً وأسرع تأثيراً؛ لأنها تنبع من المجتمع نفسه، وتُدار برجاله العاملين في مؤسساته الإعلامية. ومما يجعل هذا النوع من الإعلام أكثر خطورة على المجتمع أنه أمريكي الفكرة والتوجُّه، محلي الإدارة والوسيلة، لا بل يستخدم ذرائع غاية في الخطورة من مثل: الحرص على مصلحة الوطن، والدفع بالمجتمع نحو الإصلاح، وتفعيل أداء مؤسسات المجتمع المدني، ونحو ذلك من الغايات النبيلة التي أسيء استخدامها لتحقيق المشروع الغربي في المنطقة. هذه إذن (أيديولوجيا) الإعلام التي تدار بدهاء من دول تزعم أنها مَن وضع مبادئ استقلالية الإعلام وموضوعيته، وهي دعوى لا تتجاوز محيط النظم المكتوبة، والقوانين النظرية. فهل يكون لإعلامنا (أيديولوجيا) مضادة تحمي الوطن حقيقةً لا شعاراً؟! (*) أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام - الرياض