* ما خاب قول مَنْ قال يوماً: (إن التاريخ يعيد نفسه). ففي (قديم الزمان وسالف العصر والأوان) خاضت قبيلتان في جزيرة العرب حرباً ضروساً قيل إنها دامت نحو أربعين عاماً بسبب خلاف على (ناقة) لإحدى القبيلتين ضلت سبيلها في مرعى القبيلة الأخرى، فنالها من الأذى ما نالها، وانطلقت بذلك شرارة (حرب البسوس) الشهيرة! *** * اليوم.. يعيش العالمان الإسلامي والعربي بوجه خاص، ومعظم أصقاع الأرض بوجه عام، (حربَ بسوسٍ) من نوع جديد، يشكل الإرهاب مبتدأها وخبرها، وفاعلها ومفعولها، ونارها ورمادها، وقد بات الآن مرشحاً لحمل (مصطلح) هذا العصر (سلاح الدمار الشامل)، لأنه يؤسس في القلوب والعقول والأطراف (حراكاً) فريداً من الخوف والقلق يتجدد مع مولد شمس كل يوم! *** * أجل.. لقد أضحى الإرهاب، المنظم منه والعشوائي سواء، سمة بارزة من سمات هذا العصر، و(وثيقة حكم) تدين همجية الإنسان الحديث، رغم ادعائه التفوق في مسارات عديدة من الحياة، علماً، وإنتاجاً، وأسلوب حياة! ويبدو أن العالم بأسره، قد دخل حرب (بسوس) جديدة وطويلة ضد الإرهاب فكراً وممارسة، وإنْ اختلفت أساليب هذه الحرب، وتعددت (سيناريوهاتها) وأهدافها! *** * من جهة أخرى، يظل الإرهاب في معظم أحواله فعل (القلة) لا الكثرة من الناس في أكثر من مكان من العالم، لأن الفطرة الإنسانية لدى الأغلبية الصامتة من البشر تنكر الإرهاب، وتستنكر أن توصم به أو ينسب إليها! ورغم ذلك يبقى الإرهاب (أفعى سامة) تخيف بها (الأقلية) الشاذة الأغلبية الصامتة وشبه الصامتة، وستظل يد الله فوق أيديهم أبداً. *** * إن عالمنا المغلوب على حوله وحيلته، مسؤول مسؤولية جماعية عن الإرهاب بصورة أو بأخرى! * فهو مسؤول عن الإرهاب حين يتقاعس أو يتردد في شن الحرب عليه حرباً جماعية تقطع دابره، وتردع مدبريه، وتحمي الأبرياء من غدر ليله الظالم المظلم. *** * وهو مسؤول عنه حين يفشل في (تحصين) الأجيال الشابة عبر التربية الصحيحة السوية من (فيروس) الإرهاب الفكري والحكم الانتقائي على (الآخر) حكماً يفرز الحقد عليه والعداء له! *** * وهو مسؤول عنه حين يفشل في صيانة الوجدان الشاب من زيف القول، ظاهره وباطنه ومتشابهه، فيغدو العقل والقلب مرتعاً لخفافيش الحقد، وتكون النتيجة الإرهاب بشقيه المادي والمعنوي! *** * وهو أخيراً مسؤول عن الإرهاب حين يغفل أو يتجاهل (المستنقعات) التي تتوالد فيها طفيليات الإرهاب، ثم تتسلل عبر ثقوب النفوس المريضة لتفسد نوايا الخير، وتحولها إلى قنابل سلوكية موقوتة من الحقد والعدوان يأتي على الأخضر واليابس، قتلاً وتخريباً وترميلاً وتيتيماً! *** * إن ما يهز الوجدان أن بعض دوائر الغرب (تسقط) لائمة الإرهاب على العرب والمسلمين في الوقت الذي تغض فيه الطرف حيناً أو تلتمس العذر حيناً آخر بل وتمنح (الضوء الأخضر) للإرهاب الإسرائيلي المنظم ضد الأبرياء العزل في فلسطين، فتهدم البيوت على رؤوس من فيها، وتغتال من تغتال في جنح الليل أو رابعة النهار، وتدك الطرقات والمطارات والمنشآت براً وجواً وبحراً باسم (الدفاع عن النفس)! *** * ويتساءل المرء العاقل بعد ذلك كله: إذا لم يكن ما تفعله إسرائيل.. إرهاباً، فماذا يسميه إعلام الغرب ورموز سياسته وسيادته؟! ثم، ألا يمكن أن يغذي هذا السلوك الإجرامي من قبل إسرائيل (نطفةَ الانتقام) في رحم الغضب الإسلامي والعربي، فيولد سلوكيات عشوائية وغير مسؤولة لا تفرق بين المسيء والبريء، ولا بين الأخضر واليابس من جماد الأرض ونباته! *** * لقد شهدت بلادنا الغالية وما برحت تشهد أمثلة صارخة من هذه السلوكيات الإجرامية، قامت بها فئات ضالة أنكرت أنعُمَ ربها، وتنكرت لوطنها وأهله، فخاضت في وحل الإرهاب، ونالت من الجزاء العادل ما هي أهله! نسأل الله أن يهدي من ضل إلى سواء السبيل، ويردع كيد الكائدين!