بمشاركة للمملكة العربية السعودية في المؤتمر الدولي الأول لمركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية في القاهرة، تحت عنوان (مشكلات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية)، وذلك بحضور عدد من الباحثين العرب، وفي ورقته للمؤتمر أكد الدكتور محمد بن حمود الطريقي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان في المملكة أن للسعودية خصوصية شاملة في شمولية الطرح بالنسبة لعملية الإصلاح، وأنها في الوقت نفسه نهجت نهجا ديمقراطيا منذ عام 1823 ميلادية على أساس الشرع الإسلامي ومنهجه القرآن الكريم. وحسب ذلك، كما يقول، نهجت الدولة السعودية في ذلك منهج الشورى والديمقراطية وأنه لبحث إشكاليات التحول الديمقراطي في المملكة ينبغي مراعاة محورية دور السعودية في الصعيد الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي بشكل عام. ويشير إلى التحول الديمقراطي الذي حدث عبر منظومات أحداث ارتبطت بالانتقال الهادئ السريع للسلطة في المملكة والنهج السعودي في العهد الجديد القائم على مبدأ القرآن الكريم وإحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المجتمع ومشاركة المواطن في الإدارة المدنية، وتزايد الحريات الصحفية والحوار الوطني، وقيام مركز أبحاث وجمعيات وهيئات ومنظمات مجتمع مدني، وصدور قانون تجنيس المقيمين، والتحرك السعودي لمواجهة المتاجرة بالعمال والأشخاص. ويؤكد أنه على الرغم من إشكاليات التحول الديمقراطي في المملكة، إلا أن هناك تعزيزا لدور منظمات المجتمع المدني وتشجيعها والحرص على استقلاليتها، والعمل على ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والإيمان بصحة التحول الديمقراطي وضمان أمنه على جميع المستويات والأصعدة، وإحداث مشاركة عامة في ظل حرية التعبير والوقوف في وجه المنتقضين، والتصدي لكل الأغراض المشبوهة التي يحملها أعداء الداخل والخارج. التحول في السودان وحول تأثير التحولات السياسية في السودان تعرض الدكتور حسن مكي عميد مركز البحوث والدراسات الإفريقية في جامعة إفريقيا العالمية بالسودان لتأثيرات هذه التحولات، معتبرا ان الافلاس السياسي بالبلاد اصبح يضرب كل القوى السياسية السودانية التي لا تكاد تملك مشروعا وطنيا واضحا تنطلق به وتبين ملامحه حتى أصبحت الحركة السياسية مجرد صدى لخطاب النظام الدولي الجديد. ويرى أنه في ظل أوضاع كهذه فإنه لا يستبعد المفاجأة السياسية نتيجة بروز قادة العمل المسلح في دارفور فجأة وخروج جون قرنق من المسرح فجأة وتلاشي التحالف الديمقراطي بهذه السرعة فجأة أيضا، فضلا عن أن المؤتمر الوطني ذاته وحكومته لم يعودا في عصمة من المفاجآت. وهنا يصل إلى نتيجة أنه في ظروف التكالب الدولي والسيناريوهات الجاهزة المعدة للإخراج ومشروع محكمة الجنايات الدولية لاتخاذ إجراءات فسوف يكون من المؤكد - حسب قوله - شيء من عنصر المفاجأة إن لم يكن المباغتة. الحالة اللبنانية ومن جانبه تناول إلياس حنا - الباحث الاستراتيجي في لبنان - أوضاع الديمقراطية في العالم العربي ولبنان خاصة، محاولا طرح النظرية الديمقراطية في لبنان منذ حروب لبنان الأهلية التي كانت تقع ضمن إطار التصارع والتصادم بين دوائر ثلاث هي الدولية، الإقليمية، المحلية، حيث كان النمط لها عند التصادم أنه إذا كانت الحرب ذات فائدة للتنفيس في المنطقة فإنه يمكن بسهولة خلق الأسباب الموجبة كي تندلع الحرب. وتعرض إلى تعرض لبنان لحملة دولية كبرى حاليا في ظل تعثر المشروع الأمريكي في العراق وفضيحة عدم وجود أسلحة دمار شامل ومحاولة أمريكا ضخ ايديولوجيات جديدة في دول العالم لتغطية فشلها في العراق ليصبح البُعد الأيديولوجي طاغيا على البُعد الذي تعكسه ساحة العراق العسكرية. واعتبر أن لبنان بعد أحداث سبتمبر واغتيال الحريري والانسحاب السوري أصبحت تشهد اليوم عملية تقاطع وتضارب في الأيديولوجيات، حيث ظهرت أيديولوجية جديدة على الساحة اللبنانية بما طرحه حزب الله في فكره وفي ممارسته. تأثر ثقافي أما السيد يسن رئيس مرصد الاصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية فتناول تأثير التحول الديمقراطي على الاوضاع الاجتماعية والثقافية، معتبرا أن سلبيات السلطة العربية في تضييق دائرة المشاركة السياسية من خلال القوانين الاستثنائية تتطلب في الوقت ذاته اصلاح المطالبين باصلاح هذه السلطة ذاتها. ورأى أن مشكلة الحزب الواحد أنه يريد الهيمنة على كل الفضاء السياسي بالرغم من التعددية الحزبية التي أحدثها إلا أنها تعددية مقيدة أو صورية، وكأن النظام السياسي التعددي من هذا القبيل، والإيحاء بأن هذا النظام تعددي حقيقي يقبل نظريا تداول السلطة، غير أنه عملياً لا يسمح بها على وجه الإطلاق. واعتبر أن المطالبة بالإصلاح والدعوة للتغيير الاجتماعي المخطط لا بد أن يكون في إطارها الاصلاح الثقافي والنفسي ونقل المجتمع من حالة الاغتراب السائدة إلى حالة الفاعلية الاجتماعية التي تجعل الفرد المنعزل مواطنا مشاركا وتحول المواطن المشارك إلى فاعل اجتماعي جسور. يذكر أنه حين تتضافر جهود السلطة العربية مع مساعي مؤسسات المجتمع المدني وابداعات المثقفين والمفكرين يمكن أن يكون هناك مستقبل افضل للمجتمع العربي المعاصر الذي يجابه نوعين من التحدي في الوقت نفسه، داعيا إلى اهمية صياغة الحلول الوسط لتلاقي عمليات الاستقطاب السياسي الحادة التي يمكن أن تؤدي في حالتها القصوى إلى سقوط النظام الديمقراطي نفسه. التحول في العراق ومن جانبه سعى الدكتور عبدالوهاب القصاب من دار العراق لدراسات المستقبل إلى رسم التحولات الديمقراطية في العراق من خلال التعددية الاثنية في البلاد، معتبرا أنه مجتمع يتميز بدرجة عالية من التسامح رغم هذه التعددية وقبوله للآخر. ويدلل على ذلك بأن الطيف الواسع للتنوع الثقافي في العراق أصبح يعترضه حاليا الاحتلال الأمريكي والنفوذ الايراني اللذان عملا حسب وصفه بشكل فج في التدخل في هذا التنوع بشكل سلبي. ويرى أن زوال العامل الثقافي سواء بعد رحيل المحتل من جهة ووضع حد للنفوذ الايراني الكبير بعد تفكيك أدواته ووسائله من جهة اخرى سيعيد للعراق وجهه المشرق ليصبح نبراسا للتعايش ومنطلقا للحضارة والمعرفة. الحالة الفلسطينية ومن فلسطين تعرض الدكتور علي جرباوي عميد كلية الحقوق في جامعة بيرزيت إلى التحول الديمقراطي الذي شهدته فلسطين أخيرا بفوز حماس في الانتخابات التشريعية، وتساءل: هل سيكون ذلك بداية التحول أم نهايته؟. وبالرغم من عدم إجابته على التساؤل إلا أنه أشار إلى أن ذلك التحول فوجئت به حماس نفسها، وكذلك المجتمع الدولي، فضلا عن حركة فتح ذاتها. واعتبر ممارسة الديمقراطية ليست فقط ممارسة انتخابية بقدر ما هي سيادة شعب وقانون في الوقت نفسه وتوفير ثقافة سياسة، مشيرا إلى أن السلطة كانت ولا تزال مكبلة بالاحتلال، ما جعلها سلطة ضعيفة داخل المجتمع الفلسطيني. ودعا إلى ضرورة أن يكون تسليم السلطة للمعارضة الفلسطينية جوهريا وليس مظهريا وتساءل: هل ستتولى حماس السلطة فعليا في فلسطين وتقبل هي أيضا بالتعددية، في الوقت الذي كان هناك حرص شديد على إضعاف النظام الرئاسي في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل ياسر عرفات.