للتعليم الجيد ظل وثمر وعلامات وأثر، أثر بارز في صاحبه يميزه عن غيره إن كتب أعجب وإن خطب أفاد وأطرب حيث دعت التربية الإسلامية إلى إعداد المسلم الصالح الكامل وكانت وسيلتها في ذلك تربية الروح وتهذيب الأخلاق وتزويد العقل بثقافة صحيحة كاملة وإعداد العقل والجسم لتحمل تبعات ومسؤوليات هذه الحياة مع الاهتمام بشخصية المسلم ومهاراته وقدراته وميوله واستعداداته في إطار قوي من تنبيه الضمير وإيقاظ المشاعر والمواهب والقدرات؛ لذا نرى الطالب المُجدَّ يتعلم اللغة ويكتسب القدرة على الكتابة والتحدث بها بطريقةٍ صحيحةٍ وسليمةٍ يستخدم هذه اللغة الطيبة عن طريق التعلم والاستماع والتقليد الكريم ويستمر هذا الطالب في اكتساب الألفاظ الجيدة والجادة والتراكيب المفيدة طوال أيام حياته وعن طريق القراءة والتعلم والاتصال بغيره ومواجهة أمور الحياة يتدرب وبعمق على التفكير والتعليل والاستنتاج ونحن في تعليمنا الجيد نهتم كثيراً بالملكة، ملكة الإجادة في أي فن نريده، ومن ذلك مثلاً ملكة الإعداد الجيد في الكتابة والخطابة بحدودها وقيودها وشروطها التي وضعها أصحاب الشأن، كذلك الإلقاء الجيد والمفيد وهي كما يقول أصحاب الشأن كالشعر لحمتها الخيال الخصب وسداها البلاغة وتحتاج إلى ذلاقة اللسان ونصاعة البيان وأناقة اللهجة. والمستمعون دوماً ذوو نفوس حساسةٍ وخاصة المثقفين والمدركين منهم فلا بد إذاً من اللفظ الرائع والعبارة الخلابة والمنهج الواضح، وكان العرب قديماً يحبون من الخطيب أن يكون حسن الإشارة صادق العبارة جهير الصوت سليم المنطق ثابت الجنان وكانت الخطابة قديما من صفات وأعمال الخاصة خاصة الكبار ولم تكن بهذه الكثرة والوفرة التي نشاهدها في عصرنا الحاضر فالحياة تغيرت والمواضيع والمناسبات تعددت وأصبح الكثير والجم الغفير يخطب والبعض غير معد لذلك ولا متهيئ له، وقد يكون فاقد الأهلية، إنما لسبب من الأسباب يريد أن يخطب والبعض لا يدرك الأخطاء التي يقع فيها ولا يهتم بالمستمعين فيخطب أحياناً الجاهل ونصف المتعلم ويقف هذا الصنف أحيانا أمام العلماء والأدباء وفحول الفصاحة والبلاغة ويلحن ويكسر كما يريد ولا يقيم لأحد وزناً. أما الأسلوب واختيار الكلمات وما وضعه فرسان الميدان في هذا فليس له فيه حظ ولا نصيب حيث استمرأ الكثير الخطأ وأصبح الاستماع إلى من هب ودرج متعلم أو غير متعلم سمة أو صفة من صفات العصر ولما كان اللحن والخطأ هو السائد أحياناً أصبح لا يحجم عن الخطابة أحد وأصبح الكلام الفج الملحون معتاداً في كثير من المواقف إذ لا حسيب ولا رقيب في كثير من الأحيان. ولما كان الحرص على إتقان اللغة العربية والإلمام التام بقواعدها من أهم المهمات خاصة لرجال التربية والتعليم لذا وجب علينا أن نحرص على ما يوجد الفهم والإدراك لأبنائنا وبناتنا وتربيتهم جيداً على فهم هذه القواعد إذ إن كل تقصير في فهم هذه القواعد إنما هو قصور تربوي تجب معالجته خاصة وقد طفح الكيل وأصبحنا نسمع في كثير من المواقف والمشاهد واللقاءات والندوات والحفلات لحناً فاحشاً يصعب تحمله وأصبح المثقف والمدرك لهذه القواعد في حيرةٍ من أمره إن سكت فمشكلة وإن نطق وأصلح فالأمر أعظم وأطم، حيث اتسع الخرق على الراقع حيث اللحن أحياناً هو الغالب على حد قول القائل فلو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث ولا يصلح ذلك بعد الله إلا التعلم الجيد والعطاء المفيد من قبل النابهين والمثقفين ورجال التربية والتعليم وأن تتكاتف الأمة وتتعاون على ذلك كل بحسبه وعلى قدر حاله ويبين للناس صغارهم وكبارهم أهمية النمو وعظم قدر صاحبه كما يبين لهم وبالمقابل خطر وضرر اللحن على الأمة وعلى تراثها الماجد والخالد. ولقد أحسن من قال: ومن رام العلوم بغير نحوٍ كَعِنِّيْنٍ يعالج فض بكرِ وقال آخر: لو يعلم الطير مافي النحو من شرف حَنّتْ وأنّت إليه بالمناقير إن الكلام بلا نحو يماثله ولحن كثير من الناس اليوم يميل المعنى كما يقول العلماء والمعنى ولاشك فرع للإعراب والقاعدة تقول الإعراب فرع إدراك المعنى، ومتى أتقن المرء إعراب الكلمة سهل عليه معرفة معناها، كما أن النحو في الكلام زينة له وجمال وكمال كما أنه يوصل إلى صواب النطق المقيم لزيغ اللسان المقزز المنفر خاصة لمن لديهم معرفة وإدراك لقواعد اللغة العربية وما الإنسان لولا صدق العبارة وحلاوة النطق وصحة وجودة البيان. وقد قيل (المرء مخبوء تحت لسانه، والإنسان (لسانٌ وجنانٌ) لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدمِ قال عبدالحميد بن يحيى: (تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل، وجمال الرجل فصاحة لسانه ونصاعة بيانه وحلو حديثه). قال عبدالملك بن مروان: (اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه)، وأوصى بعض العرب بنيه فقال: يا بنيّ أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبه فيتجمل فيها فيستعير من أخيه دابته ومن صديقه ثوبه ولا يجد من يعيره لسانه. وصدق من قال: إما تريني وأثوابي مقاربةٌ ليست بخز لا من حُرِّ كِتّانِ فإن في المجد هماتي وفي لغتي علويّة ولساني غير لحّانِ ويستعان بواسطته على فهم سائر العلوم والمطالب. وقد قيل: النحو يصلح من لسان الألكَنِ والمرء تكرمه إذا لم يلحنِ وإذا طلبت من العلوم أجلها فأجلها نفعاً مقيم الألسنِ وإذا كانت اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها أيام حافظ وما قبله فيا ليت حافظ إبراهيم يحضر معنا بعض المجالس والحفلات والندوات التي يكثر فيها اللحن والخروج على قواعد اللغة العربية وأحياناً في دور العلم فماذا تراه يصنع وهو القائل على لسان هذه اللغة الكريمة: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بقعم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عُداتي ولدت ولما لم أجد لعرائسي رجالاً وأكفاء وأدت بناتي إلى أن قال: سقى الله في بطن الجزيرة أعظماً يعز عليها أن تلين قناتي وقال: سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى لعاب الأفاعي في مسيل فرات فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفات هذا وللحديث صلة بحول الله.