إنّ تشبث النحويين القدماء بمذاهب النحو راجع لاختلاف لهجات القبائل العربية، وكونُ النحويين يسترزقون به عند اختيارهم لتدريس أبناء الخلفاء. لهذا كثرت القواعد وأبواب الشواذ. أما سبب تعقيد النحو في نظري فهو ما قرأته متواتراً عن الأعاجم الذين أصبحوا أئمة النحو أنا لستُ من أهل الاختصاص في النحو وعلوم اللغة العربية. ولكنني أعشقها مع مكابدة لا تخفى. ويحلو لي في هذا الصيف الحار أن اهاذر أهل النحو من باب الترويح عن النفس. وفي هذا الشأن لا زلت أحفظ بيتاً من النظم لا أحبه ولا أحب أمثاله وهو يختص بأوجه إعراب البسملة: أنْ ينصب الرحمنُ أو يرتفعا فالجرّ في الرحيمِ قَطْعا مُنِعا وأنْ يُجرَّ فأوجزُ في الثاني ثلاثةٌ الأوجه خُذْ بياني ولقد عجزت عن أن أفهم بيان البيتين لآخذ بهما، ذلك أن أوجه إعراب البسملة، كما قال لي صديق نحوي بيني وبينه مشاغبات، تتجاوز تسعة أوجه كلها بسبب الخلاف حول إعراب كلمة: الرحمن. أرى العبث النحوي جعل لغتنا الجميلة عصية على المبتدئ والمتعلم إلاّ من رحم ربي. لهذا كله اقتنعت أن آفة لغتنا الجميلة هو النحو. والله لا تعلمون مكابدتي للنحو حتى لا أخرج خروجاً صارخاً على قواعد اللغة في حديثي وكتاباتي. وكيف لي أن أعرف النحو على الوجه الذي يريده النحويون الذين يعدون كل من سواهم من الحمير - أكرمكم الله - قياساً على قاعدتهم الذهبية: لولا الحذف والتقدير لعرف النحوَ الحميرُ. وإنّ تشبث النحويين القدماء بمذاهب النحو راجع لاختلاف لهجات القبائل العربية، وكونُ النحويين يسترزقون به عند اختيارهم لتدريس أبناء الخلفاء. لهذا كثرت القواعد وأبواب الشواذ. أما سبب تعقيد النحو في نظري فهو ما قرأته متواتراً عن الأعاجم الذين أصبحوا أئمة النحو، والذين اسرفوا في التعليلات والتقديرات حتى أصبح النحو يدخل في باب الرياضيات اليونانية مع ما يصاحبها من تعليلات فلسفية. ثم هم جدوا في جعل بضاعتهم صعبة، وجعلوها متطلباً أساسياً ومفتاحاً لكل العلوم فقال ناظمهم: ومَنْ يَطْلُبِ العلمَ من غيرِ نحوٍ كَعِنِّينٍ يحاولُ فَضَّ بِكْرِ وبالمناسبة فإن نظم النحويين واستشهاداتهم الشعرية من هذا القبيل. وهذا في حد ذاته يحتاج إلى دراسة مختص لعلنا نتبيّن دواعيه، ونخلص ربما إلى اطراح كثير من قواعدهم إذا عرفنا خلفيات نشوء تلك القواعد. وقرأت أيضا عن دعوات لتبسيط النحو من مثل: ترك الأبواب الباردة والتعليلات الثقيلة والتوسع في التقديرات لمؤرخي اللغة. على أن نكتفي بأبواب النحو الرئيسة التي تعيننا على ضبط حديثنا وكتاباتنا. وأزيد أن الوقت حان لتجديد حقيقي في النحو وما يصاحبه من مشتقات لغوية. وفي هذا لابد من التفكير بحل مشكلة الهمزة، التي أصبحت ثقيلة على الدارسين. لماذا لا نجعلها حرفاً من حروف الهجاء ونضع لها صورة واحدة. كما يمكن التفكير بالتقليل من حركات الإعراب وتسكين أواخر الكلمات. ولماذا لا نلغي مشكلة العدد وأوجهه المتعددة ونجعله على صورة واحدة أو صورتين. وأتفهم القهر الذي يعانيه الشاعر الذي وجد عنتاً لفهم صور العدد فقال: في النحو لا يقهرني إلاّ تفاصيل العدد. إن بعض قواعد العدد تتعارض مع نص قرآني فصيح. حيث تقول القاعدة إن العدد من ثلاثة إلى عشرة تكون على عكس المعدود في التذكير والتأنيث. بينما القرآن يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ولم يقل عشرة فقد حذفت التاء من عشرة مع أنها مضافة إلى الأمثال وواحدها مذكر. طبعاً لا يعدم أهل النحو من تخريجات. إن هذا النحو يؤدي إلى كره الناشئة لغتَهم، وما لم يقم علماء النحو واللغة بتبسيط النحو فقبول الدارسين للنحو مشكوك فيه. وكأن الناشئة تردد هذا البيت ذا الدلاة الواضحة: قد كانَ أَخْذُهُمُ في النَّحو يُعْجبني حتى تَعَاطَوا كلامَ الزنجِ والرومِ لما سمعْتُ كلاماً لَسْت أعرفُه كأنّه زجلُ الغربانِ والبومِ تركْتُ نَحْوَهَمُ والله يعصِمُني من التَّقحمِ في تلكَ الجراثيمِ لقد أدرك الأوائل صعوبة اللغة نحوا ورسماً، وكان عبدالملك بن مروان يقول: شيبني ارتقاء المنابر وتوقع اللحن. وكان المثقفون الأوائل يقولون: سكِّن تسلم. وقد قرأت في كتاب: المثل السائر لابن الأثير ما نصه: إن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة وبلاغة... ولهذا لم يكن اللحن قادحاً في حسن الكلام. وقال مثل هذا ابن خلدون. إذا كان هذا ما قاله الأوائل، فما بال الأواخر يزعجوننا بتصيد اللحن وبقوائم ذات عنوان بارد: قل ولا تقل؟ وأختم بحكاية تدل على أن جهابذة النحو يخطئون. كان الحجاج بن يوسف، وهو من أفصح العرب، يقرأ من فوق المنبر قوله تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَ إليكم من الله ورسوله ... الآية. فرفع الحجاج كلمة أحبَ بدل نصبها وهي خبر كان. فقيل له لحنت أيها الأمير. فرد الحجاج قائلاً: طال علي الخبر. ما أكثر ما يطول الخبر وغيره على ناشئتنا. لهذا أقترح تخفيف عبارة قل ولا تقل بعبارة قل وقل.