من الأكاديميين المختصين في علم التاريخ، يتمتع بعدد من العضويات العلمية والمهنية في أكثر من جمعية علمية، فهو عضو مؤسس للجمعية التاريخية السعودية، وعضو مدى الحياة في جمعية دراسات الشرق الأوسط بأمريكا المعروفة بالمختصر الأجنبي MESA وعضو اتحاد المؤرخين العرب، لديه عدد من الكتب المؤلف والمترجمة المطبوعة ومنها تحت الطبع. ومن كتبه: (الحالة الاقتصادية عن عرب الجنوب) وكتاب (تحقيب التاريخ الإسلامي) وكتاب (المؤلفات النادرة عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية)، وكتاب (اليمامة في صدر الإسلام بالإنجليزية) وكتاب (أطلس التاريخ السعودي، بالاشتراك)، وكتاب (التاريخ الشفاهي). كما قام بترجمة كتاب (الإسلام الوهابي) لناتانا دي لونج باس. وله العديد من المقالات العلمية باللغة العربية والأجنبية، وكلّها منشورة في دوريات متخصصة. استضافت (الثقافية) الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود والكاتب المعروف بجريدة الرياض، وبدأت الحديث معه عن بلدة (المجمعة) حيث كانت نشأته ثم قدومه إلى الرياض والتحاقه بالجامعة، وعن تأثير والده في مسيرته العلمية، وقصة ضعفه في دراسة التاريخ الأخميني، وابتعاثه إلى جامعة كاليفورنيا بلوس انجلوس، كما تحدث الدكتور عبدالله العسكر عن أمور شتّى تطال التاريخ والنظرة الدونية إليه من قبل المحدثين باعتباره حكايات مسلية. ******** المجمعة * لنبدأ الحديث عن بلدة (المجمعة) حيث كانت نشأتك فيها؟ - نشأت في وسط عائلي مقتدر ولله الحمد، ولم أعان من مظاهر الفقر أو ضنك المعيشة، وكانت المجمعة التي عشت فيها حتى سن الثامنة عشرة بلدة صغيرة، عدد سكانها حوالي خمسة آلاف نسمة، لا تتعدى طموحاتهم المسافات الواسعة، وان كانت هناك مسافات فهي في أحلامهم، وكانت البلدة مثلها مثل بقية بلدات نجد، تحبو ببطء نحو التحديث والدخول في ميدان المدنية الحديثة. فلم يصلها الأسفلت والهاتف على سبيل المثال إلا في بداية التسعينيات الهجرية من القرن الهجري الفارط. وكانت البلدة جميلة في نظري، والناس عبارة عن عوائل معروفة ومتعاونة، بل هم كالعائلة الواحدة. وبيئة المجمعة بيئة شبه زراعية، وعلى شيء من التجارة والمهن الحرفية وكانت البساتين تحيط بالبلدة من ثلاث جهات سوى الجهة الشرقية. وهي جهة امتداد طبيعي للبلدة، ومنها وغير بعيد عنها تقع أهم الرياض والروضات الغناء مثل الخفيسة والكظمية وقد اعتاد الناس ارتياد البلدة وروضاتها في فصل الربيع. درست جميع مراحل التعليم العام في المجمعة وتخرجت من الثانوية العامة 89-1390ه. وكدت اقنع بهذا القدر من التعليم، وانخرط في السلك الوظيفي أسوة بأتراب وزملاء كثر، وكانت الوظيفة متاحة ولولا تردد والدي في هذا الشأن، ولو لا صديق والدي الشيخ فهد السويلم لكنت الآن شخصاً آخر. ولله في خلقه شؤون. القسم العلمي * كنت أنت وزملاؤك تعدون أول دفعة دراسية في المرحلة الثانوية. - هذا صحيح. كنّا سبعة نفر أو نزيد قليلاً لتخلف بعضنا عن الاستمرار، فبعد حصولنا على شهادة المتوسطة، افتتح فصل ثانوي في مدرستنا المتوسطة. لهذا لم نشعر بالنقلة العلمية والمكانية فالهيئة الإدارية والتدريسية هم من عرفنا في السنوات الثلاث الماضية. وبعد اجتياز السبعة السنة الأولى الثانوية قر في أذهاننا الرغبة في المواصلة في القسم العلمي، وهكذا أشير علينا كتابة خطاب لمعالي وزير المعارف آنذاك نطلب فيه موافقة الوزارة على افتتاح القسم الأدبي. وحتى الآن لا نعلم سبب رفض طلبنا، وتجاهل رغبتها. هذا الأمر ربما شارك في توجيه مصائر بعضنا. أما أنا فلم أجد أمامي إلا المواصلة في هذا القسم. ولم أتمكن من السفر إلى الرياض لمواصلة تعليمي لأسباب يأتي على رأسها عدم تحمس والدي لفكرة الذهاب إلى الرياض أصلاً، خاصة أنني في سن صغيرة. وتخوف والدي يعود إلى تجربة سابقة مع أخي الأكبر، فقد أرسله الوالد لمواصلة الدراسة في اليمامة الثانوية، ولكنه تعثر مع كونه من أكثر الطلاب ذكاء وفطنة. فخشي الوالد أن تتكرر التجربة غير الناجحة معي. وكان -يرحمه الله- له وجهة نظر أخرى مفادها أن العلم واحد، وهو لا يفرق بين أدبي وعلمي، وهو يقول المملكة في حاجة للاثنين معاً. وبالتالي لا حاجة لمغادرة البلدة والأهل. وهكذا انخرطت مع زملائي في السنتين المتبقيتين من المرحلة الثانوية. وهنا أزعم أن خيوط مستقبلي العلمي والمهني بدأت تتحدد. الجامعة * ذهبت إذن إلى جامعة الملك سعود - جامعة الرياض - والتحقت بكلية التربية؟ - لم يكن أمامي في جامعة الرياض آنذاك إلا خيارات محدودة، ثلاث كليات: الآداب، والتجارة، وكلية التربية التابعة لمنظمة اليونسكو. والأخيرة لم تكن في الحسبان، فلم نكن في المجمعة نسمع باليونسكو إلا لماماً، وما كنّا نحسب أنها تشرف على التعليم الجامعي. وبالتالي فخياري هو بين الآداب والتجارة. اخترت الآداب لا عن رغبة، بل لأنني أجهل ماذا تعني الكلية الأخرى. فلم أعرها اهتماماً، ولم أرغب في المغامرة غير المحسوبة خشية الفشل الذي حذرني منه والدي. وبعد أسبوعين من الدراسة في كلية الآداب شعرت أنني غير مرتاح ولكنني لم أرغب في مغادرتها بدون سبب يقبله عقلي وأهلي. وجاء السبب من عند الله فقد أعلنت الكلية وقف مكافآت الطلاب. وهو سبب مقنع، وهو سبب سيعصف بمصير كثير من الطلاب الذين لا تتوفر لهم خيارات أخرى. وهكذا أخذت ملفي إلى كلية التربية. هذه الكلية التي تقبع في قصر منيف في أحسن شارع في الرياض آنذاك (شارع الناصرية). في قصر سمو الأمير فيصل بن تركي وزير الداخلية السابق، تكاد تكون الكلية الوحيدة المدللة من حيث المكان، والميزانية والنظام التعليمي والكادر التدريسي. لقد بهرتني الكلية ببساتينها وحدائقها الغناء، بملاعبها المتعددة، أما المبنى فهو من أحدث المباني التي رأيتها في الرياض. قدمت ملفي لقسم التسجيل، فرفض الملف بسبب بدء الدراسة منذ أسبوعين. وقلت لا بد من سبب يقنع عقلي وأهلي لأترك الرياض برمته، وأعود لا ألوي على شيء إلى الوظيفة التي فكرت فيها من قبل. ولم أجد السبب. ولكنني وجدت الشيخ إبراهيم الحجي سلّمه الله، ولما عرف معاناتي كتب ورقة صغيرة في حجمها، كبيرة في معناها للدكتور عبدالعزيز الفدا عميد كلية التربية آنذاك. وهكذا قبلت في كلية التربية. كانت الكلية حديثة عهد بانضمامها لجامعة الملك سعود. والجامعة رأت أن تبقيها كما كانت من قبل. وكان نظام الدراسة نظاماً حديثاً، يهيئ الطالب أن يدرس تخصصين ولم تكن الخيارات كثيرة فالتحقت بتخصص اللغة الإنجليزية والتاريخ، ولكنني لم استوعب هذا التوجه جيداً، وبعد مضي فصلاً ونيف عكست هذا التوجه ليصبح التاريخ واللغة الإنجليزية. لقد وجدت في كلية التربية أن حصيلتي في اللغة الإنجليزية ضئيل جداً، وفوق هذا وجدتني أصارع حياة لم أتعودها مما أثر على سير دراستي، فعكست التوه العلمي وهو أهون الشرين. لأن البديل الآخر الرسوب. أو ترك الجامعة، وهما أمران يحزان في نفسي كثيراً. لقد كانت الرياض مدينة وادعة وجميلة، وهي حتماً أكبر من المجمعةمرات عديدة، لكن الذي ضايقني هو علاقات المدينة الاجتماعية والشخصية الفردية لها. هذان أمران جديدان علي. أنا لا أقول أنني أصبت بصدمة حضارية. فالرياض آنذاك لا تشكل صدمة مدنية للقادم من بلدات نجد أو الحجاز أو غيرهما. قد تشكل صدمة إقليمية. فهي تسير ببطء نحو التحضر والمدينة، صحيح أن حظها من التقدم المادي أكبر، لكن تظل الرياض مدينة قد نسميها أم القرى النجدية. سكنت مع ثلاثة من أقاربي يدرسون في كلية الشريعة واللغة العربية، وتركت مصيري الدراسي والاجتماعي يتحدد بعوامل دفع ذاتية. ولو كنت فعلت عكس ما فعلت لفكرت في خيارات أخرى منها على سبيل المثال: التقدم لطلب بعثة خارجية. وهي متاحة لمن يرغب أو من لديه طموح ومعرفة. وإني لينتابني العجب العجاب كيف لم يخطر ببالي مثل هذا الخاطر على أهميته وجاذبيته. وأنا طالب مجد، وترتيبي في الثانوية العامة على مستوى المملكة الستون. كنت أتمنى أن أدرس الصحافة، والجامعة لا تقدم هذا التخصص. فلم لا أطلب بعثة أسوة بأناس عرفتهم فيما بعد. هذا شيء لا يمكن تعليله. كان تخصص الصحافة يستهويني، ويأخذ علي مجامع عقلي. وأذكر أنه بعد ثلاث سنوات أو أقل افتتح قسم للإعلام في جامعة الرياض، وأنا ما زلت طالباً فيها، فتقدمت إلى رئيس القسم أطلب السماح لي بانتظام جزئي فرفض طلبي وهو رفض سبب لي كرهاً للنظام التعليمي السائد ومازال يلازمني إلى يوم الناس هذا.ومرت سنوات الدراسة في كلية التربية كالسحاب ما بين صعود وهبوط في التحصيل الدراسي. ولم أكن أخذت الأمر بجدية، ومع هذا تخرجت في كلية الآداب بتقدير جيد جداً. ولازمتني قناعة أن العقبات تقف في طريقي، وبالتالي لا داعي للتخطيط والتفكير، وأدع الأمور تجري في أعنتها. وهذا ما حدث. لقد تم اختياري معيداً في الكلية مع نخبة من الخريجين في تخصصات عديدة، أذكر منها في تخصص التاريخ الزميل الدكتور محمد الفريح. لكن هذا الاختيار لم يتم. لماذا؟ ذلك أن الجامعة ووزارة المعارف -آنذاك- وقعتا على مذكرة تفاهم تشترط المذكرة وجوب انخراط كل خريجي كلية التربية في التدريس لمدة لا تقل عن سنة. وسبب هذا الشرط هو قفل الباب في وجه التسرب الذي اجتاح موظفي القطاع العام وزادت رغبتهم في الانتقال إلى القطاع الخاص، والأخير يشهد فورة مادية ووظيفية كبيرة. ألم أقل ان العقبات كالسلسلة يتلو بعضها البعض. لكن الحل عندي: دع الأمور تجري بقوة دفع ذاتي.. وهو ما فعلته.. قبلت الوظيفة مرغماً وكان نصيبي أن أكون مدرساً في متوسطة ابن زيدون. لا أدري لماذا هذه المدرسة بالذات. يكفي أنها تحمل اسماً شغفت به، وتعلقت بسيرته وشعره وصبواته. كنت اعتبر ابن زيدون سفيراً فوق العادة لدى بلاط عدة أمراء ودول، كنت أعده فخر الفتوة العربية الأندلسية، وكنت أراه ممثلاً لثقافة عربية أوروبية افتقدناها، فافتقدنا التسامح والتمدن والتجديد. مرت سنة وكتبت الجامعة مرة أخرى تستحث وزارة المعارف -آنذاك- على سرعة إخلاء طرف المعيدين. والوزارة تتلكأ بسبب بيروقراطية مملة. هنا فقط رأيت ألا أدع الأمور تجري في أعنتها، وألا انتظر نتيجة المحاورات بين الجامعة والوزارة، فاهتبلت إعلان وزارة المعارف عن رغبتها في إيفاد مدرسين إلى بعض البلاد العربية والإسلامية، فتقدمت مع من تقدم، واخترت اليمن. وفي المقابلة الشخصية سألني أحدهم: ماذا تُدرس؟ أدرس التاريخ. ولماذا اليمن؟ اليمن هي مستودع الفكر التاريخي العربي والإسلامي، وما زالت بكراً. وشعرت أن فكرة إيفاد مدرس تاريخ لليمن فكرة غير صائبة. فقلت للمسؤول: الحقيقة أن اليمن لا تحتاج كثيراً لمدرسين من السعودية في تخصص التاريخ، ولكنني أنا المحتاج أن أذهب إلى اليمن، لأنني أود مواصلة دراستي العليا، ولعل هذه فرصة سانحة أجمع بعض المخطوطات، والكتب، وارى بالعين مناطق تاريخية آثارية تهمني. عندئذ فقط رأيت علامات القبول. وتم صدور قرار إيفادي إلى اليمن لأكون أول سعودي يدرس التاريخ في اليمن أو في غيرها، ولكنني لم أذهب إلى اليمن.. لماذا؟ قلبي متعلق بالإعادة في جامعة الرياض.. خشيت إن ذهبت إلى اليمن أن تطلق وزارة المعارف سراح المدرسين المختارين. وأكون بعيداً فتختار الجامعة بديلاً عني، وأكون بهذا ضيّعت فرصة العمر. المهم أنني بقيت في مدرستي لا أعمل ولا أدرس فأنا في اليمن. وكنت أراجع الجامعة مرتين في الأسبوع أتنسم الأخبار. وبعد مرور شهرين وصلتني برقية خطية من وزارة المعارف التي تظنني على رأس عملي في اليمن. تطلب مني سرعة مراجعة الوزارة. وعرفت أن الملحق الثقافي السعودي في اليمن الأستاذ أحمد الجبير أرسل برقية تفيد بعدم مباشرتي مقر البعثة. وهو صبر شهرين مساعدة مشكورة منه، لأنه يعرف والدي وعائلتي. ولكنّ للصبر حدوداً. فطلبت الوزارة سرعة سفري أو تنازلي عن الإيفاد. فتنازلت مغامرة أخرى وحباً في الإعادة. وبعد أسبوعين صدر قرار وزارة المعارف بإخلاء طرف المعيدين المختارين، وبعدها بيوم واحد صدر قرار تعييننا على وظيفة معيد علمي. وبعدها بدأنا سنة أخرى انصرمت من أعمارنا نعمل في الكلية، ونراسل الجامعات، ونهيئ أنفسنا، من ذلك مثلا طلبت منّا الجامعة الانخراط في دورة للغة الإنجليزية المكثفة، التي لم نستفد منها. الوالد * هل كان للوالد تأثير في مسيرتك العلمية؟ - الوالد إبراهيم بن عبدالله العسكر المولود في المجمعة عام 1325ه والمتوفى عام 1407ه رحمه الله، هو الابن الثالث للأمير عبدالله العسكر المعروف. وكان عبدالله أميراً على المجمعة ثم عينه الملك عبدالعزيز رحمه الله أميراً على عسير عام 1340ه. واستمر هناك حتى عام 1350ه، كان حظ والدي من التعليم حظاً متواضعاً، ولكنه يعرف القراءة فقط. وهو شاعر نبطي مطبوع، ولدينا من شعره ما يشكل ديواناً. لقد عركت الحياة والدي، وهو تربى في كنف مدرسة عظيمة هي مدرسة والده، الذي ولاه مهام إدارية ومالية وعسكرية عديدة في أبها وخارجها، وبهذا اكتسب خبرة جيدة، بالإضافة إلى كونه فارساً يتميز الوالد بحبه للناس وهو ديمقراطي التفكير. لهذا فهو يحترم اختياراتنا وتواجهاتنا، ولم أعرف عنه ان فرض علي أو على أخواني أو أخواتي أمراً من أمور الدنيا. وكان -رحمه الله- يحب العلم، لأن حصيلته منه قليلة، فقد شجعنا على مواصلة الدراسة، بل كان يدفعنا على ذلك، وكان يراقبنا بطريق غير مباشر.. كان -رحمه الله- رجلاً حبيباً، اجتماعياً، ذا علاقات واسعة، وصداقات متعددة. وكان عنده في منزلة جلسات متعددة بعد صلوات العصر والعشاء. وكان يرتاد منزله الشعراء والأدباء ووجهاء المجتمع. وكان أولئك الذين يرتادون مجلس الوالد بمثابة المدرسة لنا، فتعلمنا منهم أموراً كثيرة نفعتنا في ديننا ودنيانا، وصقلت شخصيتنا، وهذبت من طباعنا، حتى ان شخصيتنا انطبعت بطابع الاجتماع، لهذا فإنني أصنف نفسي في زمرة الاجتماعيين، وبيوتنا مفتوحة، لأننا منذ الصغر نعيش مثل هذا الجو ونعايشه. ولكل أمرئ من دهره ما تعود. وبعد كل هذا استطيع أن أقول إن الوالد لم يتدخل أو يؤثر بشكل مباشر في مسيرتي العلمية أو اختياراتي الدراسية والمهنية إلا بالقدر البسيط الذي لا يكاد يذكر. أحمد البدلي * الدكتور أحمد البدلي من المؤسسين للقسم الفارسي بكلية الآداب. وكان له شغف بالفارسيات في كتاباته.. - طبعاً الدكتور أحمد من الجيل المؤسس لكلية الآداب، وهو أستاذي، ولكنه لم يؤسس قسماً للغة الفارسية أو آدابها. وهو يدرس الفارسية ضمن مقررات قسم اللغة العربية. وقد أعاد ترجمة سفرنامة للرحالة ناصر خسرو، وكان الدكتور أحمد الخشاب قد ترجمها من قبل والدكتور أحمد استاذ قدير، وقد كتبت عنه مقالة نشرت في هذه المجلة بمناسبة تقاعده. وأذكر أن عنوانها: شيء ليس في الكتب. وقد لقيت استحساناً وقبولاً، وسمعت أنها قُرأت في صوالين أدبية في الرياض. الابتعاث * ابتعثت فيما بعد إلى جامعة كاليفورنيا بلوس انجلوس.. - لما وافقت الجامعة على ابتعاثي كان أمامي خياران فرنسا أو أمريكا. أما الأولى فهي خيار رومانسي ارتبطت به منذ قرأت روائع أدباء فرنسا، وخاصة فيكتور هيجو، وأميل زولا الذي أحب كتاباته كثيراً. ثم ارتبطت بفرنسا بعد تعلقي بكتاب النهضة العربية في مصر وخاصة العميد طه حسين، وأحمد الزيات، وزكي مبارك، ولطفي السيد، وغيرهم كثير. وكنت أحلم بأن اقضي المساءات في الحي اللاتيني. ثم أمر آخر هو أن في فرنسا رواداً كثر متخصصين في تاريخ إيران القديم. أما أمريكا فلا أعرف عنها في مجال الأدب والثقافة الشيء الكثير، كما أنني لا أعرف ان كان بإمكاني دراسة تاريخ إيران القديم فيها. لكن أساتذة فضلاء أعزهم وأجلهم نصحوني بالذهاب إلى أمريكا. وقد سموا لي جامعات محددة. وهكذا وصلني قبولاً من جامعة معروفة اسمها مشهور بالمختصر الأجنبي: UCLA وقد اخترتها على غيرها لوجود عالم ألماني فيها هو الدكتور فون جرونبوم. أو هكذا توقعت. هذه الجامعة أسست عام 1860م وفيها أكثر من 100 قسم علمي ومركز، وكان عدد طلابها آنذاك خمسين ألف طالب وطالبة. وفي أول يوم اتجهت لمركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة، الذي يحمل اسم مؤسسة العالم الألماني فون جرونبوم. وسألت عنه فقيل لي إنه متوفى منذ ثمانية عشر عاماً. ومن الصدف أن محدثي هو الدكتور مايكل موروني، وهو أحد طلبة ذلك العالم. ومنذ تلك اللحظة صممت في قرارة نفسي أن أسجل عند هذا الرجل، وأن يصبح مشرفاً على أطروحتي، لكنني كنت متخوفاً ألا يكون لصيقاً من حيث التخصص الدقيق بما نويت دراسته وهو: تاريخ الجزيرة العربية في العصور الوسطى والوسيطة. ثم كانت المفاجأة التي عرفتها بعد ذلك ان أطروحته كانت عن العراق قبيل الفتح الإسلامي وبعده. وبهذا أكون علمياً قد تتلمذت على يد الجيل الأول من تلاميذ فون جرونبوم. وهو أمر أدخل السرور على قلبي. الفصل * نلاحظ أن هناك فصلاً بين التاريخ والآثار؟ - لم ألحظ ذلك.. ولا يمكن ان يحدث، ولعلك تقصد فصلاً في الأقسام العلمية الأكاديمية وهذا أمر طبيعي. فقد كانت الآثار عبارة عن شعبة داخل تخصص التاريخ، فلما توسعت أصبحت قسماً أكاديمياً قائماً بذاته. وكل العلوم تتوسع وتكبر ثم تنفصل عن بعضها. وأذكر مثلاً انه في إحدى الجامعات العربية كانت تُدرس علوم التاريخ والآثار واللغة العربية والاجتماع في قسم واحد. وهذا الفصل ليس فصلاً معرفياً، وإنما فصلاً مكانياً. والعلوم بطبيعتها متداخلة، ولا يمكن فصلها عن بعضها، خصوصاً التاريخ والآثار، فلا يمكن فصلهما، وهما علمان متداخلان لدرجة كبيرة.