القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    تكريم الفائزين بأميز 2024    الرياض تستضيف مديري إدارات التدريب التقني‬⁩    نائب أمير مكة المكرمة يشهد انطلاق مؤتمر الابتكار في استدامة المياه بجدة    النعمي يفتتح المخيم الصحي الشتوي التوعوي    5 مواد تختبر موهبة طلاب جازان    ايفان توني نجم الثنائيات في الأهلي    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    مُحافظ الطائف يطَّلع على مشروع التحول في حوكمة إدارة مكاتب التعليم    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    تحقيق العدالة أو السير خلف جثمان القانون الدولي    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا    المكتبة المتنقلة تطلق جولتها القرائية في المنطقة الشرقية    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    "جائزة القلم الذهبي" تحقق رقمًا قياسيًا بمشاركات من 49 دولة    ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يعبرون عن امتنانهم لمملكة.    ملتقى الأوقاف يؤكد أهمية الميثاق العائلي لنجاح الأوقاف العائلية    الحُب المُعلن والتباهي على مواقع التواصل    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    أمير تبوك يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجيستية    توصية بعقد مؤتمر التوائم الملتصقة سنويًا بمبادرة سعودية    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    (كايسيد) وتحالف الحضارات للأمم المتحدة يُمددان مذكرة التفاهم لأربعة أعوام    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    مشاكل اللاعب السعودي!!    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    الأهل والأقارب أولاً    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    «كل البيعة خربانة»    انطلق بلا قيود    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البطالة حقيقة.. أم بحث عن فرص وظيفية أفضل؟!
أرقامها لا زالت غير دقيقة.. وهناك من يراها قضية مفتعلة
نشر في الجزيرة يوم 10 - 01 - 2006

توجّه أصابع الاتهام إلى البطالة ويحذر من تداعياتها ونتائجها على الصعيد الاجتماعي، خصوصاً تأثيراتها على ميزان (القيم) هذا ما يراه فريق، أما الفريق الآخر فإنه لا يرى أن هناك مشكلة بطالة، ويقلل من تداعياتها ونتائجها، ويشير إلى أن العاطلين مجرد باحثين عن فرص وظيفية أفضل.. وبين الفريقين فريق ثالث يبحث ويدرس ويضع خططاً وبرامج واستراتيجيات، يفكر بعمق ثم يعمل في صمت، ويتحرك هنا وهناك سعياً إلى حلول ومعالجات تضع نهاية للجدل الدائر، من خلال استراتيجية للتوظيف تناقشها هذه الأيام الأطراف المعنية بالقضية.
هل هناك حقاً مشكلة؟ وهل هي واقع؟ أم وهم وافتعال؟ وما حجمها؟ وما طبيعتها؟ وكيف نتصدى لها؟ وماذا عن الآفاق المتاحة للحلول والمعالجات؟ الأسئلة وعلامات الاستفهام متعددة، وفي هذا التحقيق سنحاول ايجاد اجابات موضوعية ونضع النقاط فوق الحروف.
تشير دراسة خاصة عن السرقة في مدينة الرياض إلى أن 27% من أفراد عينة شملتها الدراسة عاطلون عن العمل، أما غالبية أفراد العينة فهم من ذوي الدخول المحدودة. وذكرت الدراسة أن 69.3% ممن شملتهم الدراسة دخولهم الشهرية أقل من ألف ريال، وأكثر من 87.2% من العينة دخولهم أقل من ألفي ريال. واشارت بيانات لمركز ابحاث الجريمة الى ارتفاع اسهام العاطلين عن العمل السعوديين في حركة الجريمة خلال عشر سنوات من 1408 إلى 1417 وأوضحت دراسة بعنوان (اثر البطالة في البناء الاجتماعي.. دراسة تحليلية للبطالة وأثرها في المملكة العربية السعودية) أن الفرد العاطل قد يصاب بفقدان الشعور بالانتماء إلى المجتمع، وقد يدفعه هذا الشعور إلى أن يصبح ناقماً على المجتمع، كما أشارت إلى علاقة طردية بين ارتفاع نسبة البطالة وضعف الروابط الأسرية وانعدام الامتثال للأنظمة والتكيف مع الضوابط والتقاليد الاجتماعية.
*****
ظاهرة عالمية
على الرغم مما يقوله الكثيرون عن مشكلة البطالة في المملكة إلا أن الأرقام مؤكد أنها أقل بكثير، مقارنة بالعديد من دول العالم حتى المتقدمة.. البطالة (ظاهرة عالمية) يعاني منها وبسببها أغلب الاقتصادات العالمية، حيث لا يكاد يخلو مجتمع في العالم من هذه المشكلة.
وإذا كان الخبراء العرب يرونها في كثير من الدول العربية (قنبلة موقوتة) فإن الحال في معظم دول العالم ليس أفضل بكثير، إذ يشير التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية حول (توجهات الاستخدام العالمية 2004) إلى أن معدلات البطالة العالمية الكلية ارتفعت في معظم مناطق العالم، ففي دول الاتحاد الأوروبي سجل معدل البطالة خلال شهر ديسمبر 2004 نحو 9.8% مقارنة ببيانات الشهر نفسه من العام 2003م، وفي ألمانيا بلغ معدل البطالة 10% وفي سلوفينيا 9.16% وفي فرنسا 9.9% وتصدرت بولندا قائمة الدول التي تشكو من البطالة في 25 دولة تشكل منظومة الاتحاد الأوروبي حيث بلغ عدد العاطلين 3 ملايين عاطل في نوفمبر 2004م، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد شهدت نسبة مرتفعة في معدلات البطالة حيث بلغت 5.9%، وبلغت نسبة البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 12.2% وهي النسبة الأعلى في العالم.
ويشير التقرير إلى أن الارتفاع في نسب البطالة الآسيوية كان نتيجة لتباطؤ التحسن في الوضع الاقتصادي للعالم الصناعي إضافة إلى تأثير مرض السارس على الاستخدام في آسيا والنزاعات المسلحة مما كان له أثر على السفر والسياحة.
أما في العالم العربي فتشير بعض التقارير الدولية إلى أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 16 مليوناً، ويتوقع أن يصل العدد إلى 80 مليوناً بحلول عام 2020م، وتقدر نسبة البطالة بين الشباب العربي بنحو 26.6% (أي بمعدل 226 لكل ألف شخص) ووفق تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، فقد قفزت نسبة البطالة في العالم العربي إلى ما بين 15% و20% فيما يرى تقرير آخر صادر عن منظمة العمل العربية أن معدلات البطالة في العالم العربي بلغت مستويات مقلقة ومخيفة خاصة بين الشباب، مما يؤكد أنه لم تعد هناك دولة عربية محصنة ضد البطالة، حسب التقرير الذي نشر في مارس 2005م بما فيها دول الخليج العربي، حيث بلغ معدل البطالة 17.2% في سلطنة عمان، و11.6% في قطر.. فماذا عن المملكة العربية السعودية؟
أرقام سعودية
يقول التقرير إن معدل البطالة في السعودية - أكبر دول الخليج العربي حجماً وتشغيلاً واستقبالاً للوافدين بلغ نحو 15%.. فما حيقة هذا الرقم؟
تتفاوت الاحصاءات وتتباين في تحديد حجم البطالة ونسبتها، ففي حين تشير البيانات الرسمية للنتائج التفصيلية للتعداد العام للسكان والمساكن في المملكة لعام 1413ه - 1992م إلى أن عدد العاطلين عن العمل يبلغ 306572 أي 13.44% حسب تعداد القوى العاملة، بينما تذكر نشرة القوى العاملة لعام 1420ه - 1999م الصادرة عن مصلحة الاحصاءات العامة بوزارة التخطيط أن نسبة البطالة تبلغ 8.1%، أما مجلس القوى العاملة فيقدر نسبة البطالة في المملكة ب14%، وفي الوقت نفسه يشير البنك السعودي الأمريكي إلى أن نسبة البطالة هي 15.25%، أما التقرير الصادر عن مؤسسة النقد العربي لعام 1421ه فيشير وفقاً لحساباته الخاصة لتقدير البطالة في المملكة إلى أن نسبتها تبلغ 31%. ويقدر بعض المصادر قوة العمل السعودي بحوالي 3.3 مليون سعودي - حسب مصلحة الاحصاءات العامة في نهاية عام 2001 وبناء على ذلك يقدر نسبة البطالة بحوالي 15.3%.
وتشير دراسة اعدتها الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت سعود بن عبدالعزيز إلى غياب الأرقام الدقيقة حول المعدلات الحقيقية للبطالة، وترى أن كل ما ينشر عن هذه المعدلات في الاقتصاد الوطني ما هو إلا تقديرات بعضها يعتمد على التخمين أو البديهية المدعومة بالملاحظات وبعض المعلومات الاقتصادية، وبعضها الآخر لا يعتمد على أساس علمي أو منطق اقتصادي يستند إليه.
وتشير الدراسة إلى أن حساب معدل البطالة اقتصادياً يحتاج إلى معلومات احصائية دقيقة أهمها ما يتعلق بالتركيبة السكانية والاجتماعية للمجتمع تحت الدراسة، خاصة في حال حساب معدل البطالة لأول مرة، لذلك هناك حاجة تدعو بكل المعايير إلى جهاز على مستوى عال من التخصص بالدراسات الاحصائية مدعماً بالامكانات المالية والإدارية اللازمة لكي يتوصل إلى معدل البطالة الحقيقي، وذلك لأهمية هذا المعدل كمؤشر اقتصادي مهم للحالة الاقتصادية ليس فقط للحاضر ولكن للمستقبل.
أصوات شابة
ماذا يقول الخريجون من الشباب خاصة حول البطالة؟
في البداية يتحدث محمد العبداللطيف الجوهر قائلاً: تخرجت من احدى الكليات النظرية ولكنني فوجئت بأن الشركات والمؤسسات بل والأجهزة الحكومية ترفض تعييني ومنذ أكثر من سنة وأنا أبحث ولكن دون جدوى.
ويقول لؤي سلمان السلمان: انني أعمل بالفعل في احدى الشركات، ولكنني غير مقتنع بعملي فيها، وأعتبره مؤقتاً لحين عثوري على فرصة أفضل في القطاع الحكومي، ويضيف: لست عاطلاً بالفعل رغم عدم اهتمامي بعملي الحالي بسبب تركيزي في البحث عن عمل آخر ولكنني لا أعتبر نفسي أشغل وظيفة.
ه.م.ق (فتاة جامعية) ترى أن سوق العمل لا ترحب باصحاب المؤهلات النظرية وتقول هؤلاء هم الذين يعانون من البطالة، أما أصحاب التخصصات العلمية فإنهم سرعان ما يجدون الوظيفة المناسبة.
أما محمد بن عبدالكريم عباس فيقول تخرجت من احدى الكليات التقنية منذ ثلاث سنوات وإلى الآن لم استقر على وظيفة لانني لا أجد الفرصة المناسبة ولذلك فإنني أعمل بوظائف مؤقتة وبراتب ضئيل حتى أعثر على فرصة مناسبة.
أفكار جديدة
كانت تلك حالات مختلفة ونماذج متباينة في سوق العمل.. فما حجم المشكلة وما الحل؟
يقول رئيس لجنة المقاولين بالغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية خليفة الضبيب أن قضية توظيف العمالة الوطنية تحتاج إلى حلول وأفكار جديدة، كما تحتاج إلى تضافر أجهزة عدة وتعاونها في توفير الفرص الوظيفية لأبناء الوطن وخصوصا الخريجين من الشباب، ويقول: لذلك يجب تطوير نظرتنا فيما يتعلق باساليب وبرامج تشغيل العمالة الوطنية، ومن هنا - يضيف الضبيب - يجب توسيع اطار التشغيل بحيث يشمل جهات جديدة تستطيع أن تسهم في حل المشكلة، ومن ذلك عدم الاعتماد على مكاتب العمل في التوظيف ودخول طرف مثل الغرف التجارية الصناعية إلى هذا المجال. ولذلك يطالب الضبيب بدور أكبر للغرف خاصة في التنسيق بين رجال الأعمال والشركات من ناحية وطالبي العمل والوظائف من ناحية أخرى.
ويرى الضبيب أن البطالة ليست مشكلة حقيقية في المجتمع السعودي، وإنما هي قضية مفتعلة، إذ لا يزيد حجم البطالة على 100 ألف أو 150 ألفاً، وأكثرهم يسعى إلى تحسين ظروف عمله أو الانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي أو من شركة إلى اخرى سعياً إلى راتب أكبر أو مزايا أفضل. ويشير الضبيب إلى مشكلة تتعلق بالبيانات والمعلومات الحقيقية الخاصة بمعدلات البطالة في ظل غياب الاحصاءات الدقيقة حول اعداد العاطلين عن العمل أو بمعنى أصح طالبي الفرص الوظيفية، ويقول ان الآراء متباينة حول المعدلات الحقيقية للبطالة وأن الاحصاءات والدراسات الحقيقية تبرز الوجه الحقيقي للمشكلة وحجمها ومن هنا تسهل مواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها.
التوطين.. والهيئة
يرى رجل الأعمال سعيد القحطاني أن توطين الوظائف يتطلب استراتيجية وطنية لمعالجة مشكلة البطالة، ويشير إلى أهمية انشاء هيئة وطنية مستقلة تكون مسؤولة عن ملف تشغيل العمالة الوطنية وتتولى هذه القضية بالكامل. ويقول: إن إنشاء مثل هذه الهيئة من شأنه أن يضع المسؤوليات كلها في يد جهة واحدة بحيث تصب كل الجهود والمعلومات والبيانات والبرامج والخطط في هذه الجهة أو تخرج وتنبثق من خلالها، وهذا كما يقول القحطاني سيزيل التضارب أو تشتيت الجهود الحاصل الآن والذي يصل أحياناً إلى حالة اشتباك بين أجهزة ومؤسسات متعددة تعمل في حقل واحد بأساليب مختلفة ومن منطلقات ومسؤوليات مختلفة. ولا شك أن انشاء هيئة وطنية مستقلة تتولى قضية البطالة من شأنه أن يفك هذا الاشتباك ويوحد الجهود والمسؤوليات.
ويرى القحطاني أن مشكلة البطالة قضية وطنية ولذلك فإن أسلوب وآليات مواجهتها يجب أن تتسم بهذا الطابع من خلال هيئة وطنية مسؤولة تتصدى للمشكلة باستراتيجية ذات توجه وطني عام ويتعاطى معها بحلول تأخذ الطابع العام على مستوى المملكة ككل، وبحيث تكون مسؤولة عن تنفيذ هذه الاستراتيجيات ادبياً ومادياً ومعنوياً، ومن خلال نظام يصدر بشأن انشائها ويدخل في منظومة الأنظمة والقوانين التي تنظم الكثير من أمور حياتنا والتي انشئ بعضها في السنوات القليلة الماضية لمعالجة المستجدات التي يتعاطى معها.
دور الجامعات
رجل الأعمال علي الفارس يطالب بدور أكثر قوة وفعالية تقوم به الجامعات السعودية دعماً لتوجهات السعودة ويقول أعداد الكوادر البشرية الوطنية في المستشفيات والمستوصفات قليلة جداً إن لم تكن نادرة، وهذا يفرض على كليات الطب أن تزيد أعداد الطلاب والطالبات المقبولين كل عام، اسهاماً منها في توفير الأطباء وهيئات التمريض وزيادة العمالة الوطنية في هذا المجال على سبيل المثال، كما يجب على الجامعات أن تسهم في تفعيل برامج التدريب للموارد البشرية.
خيار وطني
يرى رئيس مجلس الغرف السعودية رئيس الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية عبدالرحمن بن راشد الراشد أن قضية البطالة باتت تمثل هاجساً يومياً لدى الكثير من الأجهزة والمؤسسات الاقتصادية خاصة المعنية منها بالقوى والموارد البشرية، ويضيف: من ناحية أخرى فإن قضية السعودة تمثل خياراً وطنياً وتوجهاً استراتيجياً يستوجب من كافة الأجهزة والمؤسسات والهيئات المعنية العمل بأقصى قدر من الطاقة والجهد في سبيل اتاحة المجال لكل أبن من ابناء المجتمع ليس فقط للحصول على فرصة للعمل، وإنما يجب أن يتجاوز التوجه السائد للشأن العام فيما يتعلق بهذه القضية، وهو مجرد توفير فرصة عمل بل يجب التركيز على اتاحة الفرصة لمواردنا البشرية لاقتحام ميادين العمل والانتاج وتشجيع الجميع على دراسة واكتساب مهارات جديدة واتقانها خصوصاً في ضوء التحديات القادمة مع انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
ويرى الراشد أن منهج التوظيف السعودي لابد أن يتسع لنظرة أكثر شمولية لا تحصر واحداً من خياراتنا الاستراتيجية الحيوية في دائرة الأرقام الفارغة من المحتوى ولا تربطها بالعدد والكم فحسب دون الاهتمام بالنوع والكيف.
ويؤكد: إن الخصائص البشرية أصبحت من المعايير الرئيسية والمهمة في تقييم قوة العمل وقياس مدى فاعلية الموارد البشرية وقدرتها في أي مجتمع الأمر الذي يجعل من تطوير الموارد البشرية ورفع كفاءتها وخصائصها إلى مستويات عالية، قضية أولوية تفرض على الأجهزة والمؤسسات المعنية اعطاء كل اهتمامها لعملية التدريب التي تتلاءم والبيئة السعودية. ويشير الراشد إلى أن التدريب من القضايا المهمة التي تحتل أولوية متقدمة على لائحة مجلس الغرف السعودية كما أن الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية خطت خطوات ايجابية عديدة في هذا المجال وعلى أكثر من صعيد من أصعدة العمل.
ويؤكد الراشد ان الاهتمام بموضوع التدريب يشكل جانباً لا يمكن اغفاله من قضية البطالة، موضحاً أن رفع كفاءة العمالة الوطنية ومهاراتها شرط ضروري حتى لا تبقى مواقع الانتاج ومواطن التقنية والابداع بعيدة عن الأيدي العاملة السعودية الماهرة، وبحيث تتمكن مؤسساتنا وقطاعاتنا المختلفة من استيعاب الشباب المؤهل الذي بات يطرق أبوابها بكثير من الأمل وكثير من الطلب والإلحاح.
التدريب.. الوجه الآخر للعملة
باتفاق الخبراء والمعنيين بقضية البطالة، فإن موضوع التدريب وتنمية الموارد البشرية وتطويرها، يمثل الوجه الآخر للقضية، حيث تتطلب سوق العمل السعودية في المرحلة الراهنة كفاءات بشرية بمواصفات متميزة، لتلبي احتياجات ومتطلبات انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
وقد اعلن محافظ المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني الدكتور علي بن ناصر الغفيص أن الدولة خصصت أكثر من 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار) لانشاء بنية تحتية واسعة في مجال التعليم الفني والتدريب المهني، موضحاً أن هذه البنية التحتية توفر بيئة مناسبة لانطلاق التدريب المهني، وتأهيل الكوادر السعودية، بما يلبي احتياجات سوق العمل، ويضيف: إن وزارة العمل أعدت 60 برنامجاً تدريبياً تم حصرها وتصنيفها طبقاً لاحتياجات القطاع الخاص، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على أكثر من محور في مجال تفعيل برامج التدريب لتحقيق متطلبات السعودة. ويرى د. الغفيص أن برامج التدريب الحالية تحتاج إلى مزيد من التطوير، حتى تواكب طموحات التنمية الاقتصادية.
(وأعلن أن من بين 155 ألفاً من طالبي الوظائف، يوجد حوالي 35 ألفاً مؤهلون. ويرى أن هؤلاء لا مشكلة في توظيفهم، بينما تتركز القضية في ضرورة تدريب غير المؤهلين، حتى يشكلوا (قيمة مضافة) في سوق العمل خاصة، وللاقتصاد الوطني بشكل عام. ويشير إلى اهتمام الوزارة بالتعاون مع كافة المؤسسات والجهات في القطاع الخاص لتفعيل عملية معهد لصناعات التعدين بالتعاون مع شركات التعدين، ومعهد لأعمال خدمات البترول بالتعاون مع شركات البترول.
هل تكفي؟
* السؤال المهم هنا: هل تكفي هذه الجهود وحدها للتعامل مع القضية؟ أم تحتاج إلى جهد من نوع خاص؟
- الإجابة يقدمها المراقب لمشروع استراتيجية التوظيف الذي تبحثه الغرف التجارية الصناعية مع وزارة العمل، حيث يتولى الملف وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير الدكتور عبدالواحد الحميد.
استراتيجية.. وأهداف عامة
مشروع استراتيجية التوظيف السعودي يتعامل منهجياً مع التحديات التي تواجهها سوق العمل السعودية، ويسعى إلى تجاوز اختلالاتها الهيكلية، بهدف الحد من تفاقم هذه الاختلالات في المستقبل من ناحية، ولتطوير تنافسية العمالة السعودية من ناحية أخرى. ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان بو حليقة أن هذه الاستراتيجية تطمح إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العامة والمرحلية، ويشير إلى أن الأهداف العامة للاستراتيجية ثلاثة، تتمحور حول: التوظيف الكامل لقوة العمل، زيادة مستديمة في مساهمة الموارد البشرية المواطنة، والارتقاء بانتاجية العامل المحلي لتضاهي نظيرتها في الاقتصاديات المتقدمة. ويؤكد أن هذه الأهداف الثلاثة تحقق الإطار الاستراتيجي الذي تم تصميمه للسيطرة على ظاهرة البطالة ومعالجة أسبابها. ويشير إلى اعتبارات مهمة في هذا المجال، أبرزها أن هذه الأهداف تجاوزت معالجة ظاهرة البطالة بحجمها الراهن ولم تهملها، لأن التعامل الفوري مع الظاهرة أمر مطلوب، إلا أنه يجب أن يتصل دونما انقطاع أو تباطؤ حتى يتحقق التوظيف الكامل، أي حتى زوال البطالة والقضاء عليها بشكل نهائي، ثم تأتي بعد ذلك ضرورة العمل حثيثاً للحفاظ على مستوى التوظيف الكامل.
ويضيف بو حليقة - في تقديمه لمشروع استراتيجية التوظيف السعودية - أن الهدف العام الثاني يرتكز إلى أن اجتثاث البطالة من المجتمع لن يتحقق باخراج أعداد منها من قوة العمل، إذ ان ذلك ليس أكثر من اجتثاث (دفتري) أما الاجتثاث الحقيقي فيتحقق باستقطاب المزيد من المواطنين للدخول إلى سوق العمل، عبر تأهيلهم من ناحية، والارتقاء بتنظيم سوق العمل وقدرة تلك السوق للحفاظ على حق العمل للمواطنين والمواطنات.
ويرى بو حليقة أن التدني البالغ لمعدل مشاركة العمالة السعودية في القوى العاملة هو اهدار للموارد البشرية المواطنة، مشيراً إلى أن أعدادا كبيرة من الموارد البشرية يجري تطويرها عبر التعليم وأحياناً التدريب، ثم لا تستخدم، ومن هنا تأتي أهمية الهدف العام الثاني الذي يرمي إلى تعظيم الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، ليس فقط عبر منظور الاحلال وسقوفه، بل بالزيادة المتواصلة في نمو معدل المشاركة.
ويضيف أن الهدف العام الثالث يرمي إلى الارتقاء بانتاجية العامل السعودي من حيث أشار عدد من الدراسات إلى تدني انتاجيته مقارنة بنظيره في الدول النامية. ويصبح الهدف النهائي هو السعي للمقارنة بين انتاجية العامل السعودي والارتقاء بها باستمرار لتصل لمستوى انتاجية نظيره في الاقتصاديات المتقدمة، وهذا هو الهدف الأكثر تحدياً لارتكازه على الأداء المقارن مع اقتصاديات تعد انتاجيه العامل فيها الأعلى حالياً.
والمبرر لمواجهة التحدي كما تطرح الاستراتيجية هو أن استقرار القوى العاملة السعودية على المدى الطويل شرط ضروري لاستقرار سوق العمل، وهو ما يحقق رأي د. بو حليقة بتقديم فرص وظيفية قيمة، وليس مجرد فرص عمل لشغل الوقت وتقديم الحد الأدنى من الأجر وتوجيه الاقتصاد ليقوّم من فرص العمل لا يتم دون جعل الانتاجية مرتكزاً، وتوجيه الاقتصاد ليقوم على المعرفة والابداع والابتكار والمهارة، وربط الأجر بالقيمة التي يقدمها العامل للمنشأة.
ويشير د. بو حليقة إلى أن المدى الزمني (25 عاماً من العمل) لتنفيذ استراتيجية التوظيف السعودي يصل إلى 25 عاماً، موزعة على المدى الزمني القصير (سنتين)، والمدى الزمني المتوسط (3 سنوات), والمدى الزمني الطويل (عشرين سنة).
ويضيف: إن الهدف المرحلي للمدى القصير يتمثل في السيطرة على البطالة، وكبح جماحها بتثبيتها عند مستواها الحالي بالسعي لتوظيف أعداد المواطنين الراغبين في العمل التي لا تقل عن أعداد الداخلين إلى السوق، ويتركز الهدف المرحلي للمدى المتوسط على تحقيق معدل البطالة وتحجيمها، بالسعي نحو تحفيز النمو في معدل التوظيف وعدل المشاركة وعدل انتايجة العامل، وذلك بمواجهة الاختلالات الهيكلية في سوق العمل من خلال مجموعة من السياسات التي تتمحور حول جزئيات البطالة والمشاركة والانتاجية. أما الهدف المرحلي للمدى الطويل، فيتركز على تعزيز تنافسية الاقتصاد، اعتمادا على الموارد البشرية المواطنة حيث تسعى الاستراتيجية إلى تحقيق التوظيف الكامل ورفع مستوى المشاركة وزيادة انتاجية العامل لمستويات الاقتصاديات المتقدمة.
* وما هو مستقبل سوق العمل وفق هذا التدرج المرحلي عبر خمسة وعشرين عاماً؟ وما هي الآليات التي تحقق هذه الاستراتيجية؟
يرى د. بو حليقة ان ذلك يعني في الأثر النهائي اعادة رسم هيكلة سوق العمل وتنظيمها، بما يجعلها تتخلص من اختلالاتها القائمة. ويشير إلى مجموعة من السياسيات تعتمدها الاستراتيجية ويصل عددها إلى 26 سياسة، يتم تنفيذها خلال مراحل الاستراتيجية، بحيث يتم تنفيذ 10 سياسات للمدى القصير، و10 سياسات للمدى المتوسط، و6 سياسات في المدى الطويل، ويتم تنفيذ هذه السياسات من خلال خطة عمل تركز على مجموعة من الآليات يصل عددها إلى 39 آلية للمدى القصير، و49 آلية في المدى المتوسط، و17 آلية في المدى الطويل.
خطة الصندوق
* ولكن هل تتوقف المعالجة عند هذا الحد؟
يرى الخبراء أن صندوق تنمية الموارد البشرية يمثل (قناة) أخرى للتواصل مع القضية والتعاطي معها، مشيرين إلى خطة استراتيجية قصيرة المدى يسعى الصندوق إلى تنفيذها، وتتلخص في توظيف عشرة آلاف سعودي خلال هذا العام، اضافة إلى خطة طويلة المدى، تهدف إلى دعم عملية تدريب مائة ألف سعودي خلال الأعوام الخمسة المقبلة وهو ما يدعو إلى الكثير من التفاؤل والابتهاج أيضاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.