غصَّت الفضائيات والصحف في الأيام الماضية بوصف السنة القادمة بالسعيدة من البعض والتعيسة من الآخرين، والأهم من ذلك أن الجميع أكدوا العلمية والموضوعية في حساباتهم ولن أتحدث عن علمهم المعتمد، بل سألتزم بتذكر أخبار الصادق المصدوق - صلوات الله وسلامه عليه - في هذا المجال، وقد وردت أخبار الغيب مترافقة مع حديث عن الجن والشياطين، ومعلوم أن الاعتقاد بوجودهم في ديننا الحنيف واجب أما المغيبات فنوعان: الأولى استأثر الله بعلمها فلا يمكن لإنس ولا جان معرفتها، والثانية مغيبات قضي أمرها في السماء وأصبحت معلومة لتبليغها للملائكة الموكلين بتنفيذ أمر الله فيها، فهذه هي التي تقدر الجن استراقها وفيها يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم). أما استراق السمع من السماء فكانت الجن تقدر عليه قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما كانت البعثة منعوا من ذلك بالشهب. وعندما نتحدث عن الجن لابد من الحديث عن ظاهرة تحضير الأرواح وسؤالها عما يخبئه الغد من غيوب، وما لا نستطيع إنكاره الأشياء الخفية التي رآها الكثيرون من تحرك السلال والأقلام تكتب وتجيب في جلسات التحضير، وهي من عمل قوى خفية من الجن والشياطين التي تستطيع التشبه بالرياح والألوان والسحاب والدخان ويمكنهم تقليد أي شخصية حية أو ميتة.. وهنا نستشهد بما قاله سكرتير جمعية الأهرام الروحية الأستاذ عبد الوهاب الذي استقال عنها واعلن توبته، وقد نشرت صحيفة الجمهورية في مصر في 23 رمضان 1317هجرية قوله: (لقد أزال الله عن قلبي في شهر رمضان غشاوة الضلال وثبت لي ثبوتاً قطعياً أن الشخصيات التي تحضر وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب ليست إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون). وهنا نذكر بقوله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ويقول على لسان خاتم النبيين { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (188) سورة الأعراف. ومعلوم أن الاستنطاق بالغيب لا يكون إلا من قبيل الكهانة والتكهن الذي أعلن الإسلام الحرب عليه فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لم تُقْبَل له صلاة أربعين ليلة) وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد). وهنا نعود لما قاله سكرتير الجمعية المستقيل (أما عن بدعة العلاج الروحي الذي تعلن عنه جمعية الأهرام الروحية فهي عملية إيحاء وهمي، وأنا شخصياً أنفقت نصف عمري في هذه العملية وكنت مريضاً طيلة هذه المدة بأكثر من مرض لازمني إلى اليوم، وكان من الأولى وأنا مؤسس الجمعية الروحية أن أعالج نفسي) وكل ما ذكرته آنفاً يدفعنا إلى البحث في هذه الظاهرة وإذاعتها في مجتمعاتنا العربية وشغل الناس بها ما هو إلا بلبلة الأفكار واضطراب العقائد وصرف الناس عن الجد باللعب واللهو والحياة حولنا لا تلهو ولا تلعب، ولقد اثبت بعض الباحثين أن وراء ظاهرة تحضير الأرواح يد الصهيونية العالمية التي تستغله لتحقيق أهدافها ربما كان للغرب عذر إذا انشغل بمثل هذه الأشياء ليرفه عن نفسه بعد أن حطم الذرة وغزا الفضاء. أما نحن الذين نحفر الصخر بأيدينا لنصل ما انقطع ونتدارك ما فات فكيف نشغل أنفسنا بمثل هذا العبث وعندنا من روحانية ديننا ما ينير بصائرنا ويفسر لنا حقيقة الكون والحياة والإنسان، فنحن لا نغمض أعين قلوبنا عما في الكون من قوى وعوالم منظورة وغير منظورة حدثنا عنها القرآن الكريم وصدق الله {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، وَمَا لَا تُبْصِرُونَ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}.