إن الحديث عن العظماء ليس بالأمر السهل، والمدرسة الفلسفية تولي هذا الجانب اهتمامها وعنايتها، وكم من عالم ومفكر استطاعت أن تبرز منهجه وثقافته، وأصبحت البشرية عامة تأخذ منها الحكمة وتوظفها في مجالات الحياة، وقد توالى هذا النهج في مدارس الحياة كلها، وهذا ما ينطبق على معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري الذي يعتبر مدرسة في كثير من الأشياء، انظر إلى بداية حياته في مدينة المجمعة التي ولد فيها والحياة فيها بلا مدارس ولا كهرباء ولا مكتبات كل مقومات المدينة مفقودة كغيرها من قرى المملكة في ذلك الوقت، ولكنه بعزيمته وإصراره استطاع أن يوجد من وادي المشقر ومزرعته حسنانة علاقة قوية مع المعرفة، ومن تواضعه ذكر أن الذي قوى هذه العلاقة ورسخها عنده واحد من أهالي المجمعة (سليمان الكهلان) عندما كان يقرأ عن المتنبي، وعلى ضوئه ازداد حباً بهذا (العلم) واستطاع التعلق بأدبه وحفظ الكثير من شعره وكتاب (أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء) خير شاهد علىذلك. وعندما أتحدث عن شخصية عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري ليس بصفته مسؤولاً في الحرس الوطني، ولكنني أتحدث عن أشياء صنعته وأهلته لهذا المنصب الكبير نعم كان مقبلاً على حب العلم والثقافة، درس أيام الكتاتيب ودراسته العلمية لم تتعد الصف الخامس الابتدائي، ولكن فطنته وذكاءه خدمته كثيراً وصنع لنفسه فكراً يميزه عن الآخرين، وحين تقرأ أي كتاب من كتبه تجد أن له طريقة في الكتابة والأسلوب خاصة به، كذلك ربط جميع مؤلفاته ببيئته وأعطاها نغمة ورونقا جميلا، وهذا الجانب يرسخ فكراً متميزاً لهذا الرجل الجليل، وهذا شيء عن جوانب هذه المدرسة. الجانب الاجتماعي يتميز فيه بصفات قد تكون مفقودة في هذا العصر حيث إنه ارتبط بأسرته ارتباطاً وثيقاً وعاش مع أبناء عمومته في بيت واحد، كما كانوا يعيشون أثناء حياة والديهم ولم ينفصل عنهم إلا في السنوات الأخيرة التي سبقت تعيينه في الحرس الوطني، وكان بإمكانه أن يستقل بمنزل خاص به، ولكنه فضل الترابط والتراحم على كل شيء، فأسرته هي شغله الشاغل، وامتد هذا الترابط إلى العائلة مجتمعة، كذلك لم يهمل أبناء بلدته، بل امتزج بهم يشاركهم همومهم وأحزانهم يزورهم في بيوتهم يتسامرمعهم، بيته مفتوح لهم كريم في كل شيء عونا وسنداً يستخدم جاهه وعلاقته في سبيل مساعدتهم وتذليل الصعاب التي تواجههم، بل امتد عطاؤه إلى الصحاري والبوادي والهجر تفنن في معرفة سلم العرب وعاداتهم وتقاليدهم، فلهذا استطاع أن يكسب حب أبناء البادية، وكان ولاة الأمر- حفظهم الله- وما زالوا يدركون هذه الخاصية التي يتمتع بها وهي من العناصر التي تتميز بها هذه المدرسة. الجانب الوظيفي أوكلت رئاسة بيت المال إلى أسرة آل تويجري، وقد قام بالمهمة بعد وفاة والده أخوه حمد بن عبدالمحسن التويجري، وكان هو مساعداً له، ومن ثم تم تعيين أخيه حمد في مدينة بريدة (القصيم) مسؤولا عن بيت المال هناك، وقد قام بالمهمة عنه على أحسن وجه يجوب سدير كلها على ظهور الجمال يتفقد أحوال المواطنين يقوم بتوزيع الصدقات وجباية الزكوات، وكثيراً ما يتعرض لحياة الخطر وتيهان الطريق، ومع ذلك كان مخلصاً لولاة الأمر ومنفذا لتوجيهاتهم ومستخدماً حنكته في تنفيذها. الجانب العلمي والثقافي أولى هذا الجانب اهتمامه ورعايته سعى بكل ما يستطيع لما يحظى به من قبول لفتح المدارس في مدينة المجمعة وإقليم سدير بشكل عام، فالمدرسة السعودية والعزيزية والمعهد العلمي بالمجمعة له دور في إنشائها التي فيها تخرج العلماء والمفكرون الذين يتربعون في بعض المراكز القيادية في الدولة، أيضاً فتح قنوات للتواصل مع المدرسين ولاسيما الوافدين الذين يدرسون في هذه المدارس، وأصبح منزله أشبه ما يكون بمنتدى ثقافي، وكأنه يقول لهؤلاء أجلس معكم لأستفيد منكم وأفيدكم، كما كان يحرص على إيجاد مناخ التكيف لهؤلاء حتى لا يصطدموا مع أبناء المجتمع. إن الحديث عن الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري يحتاج إلى أكثر من هذه السطور مجلدات، ولكني أحببت أن أعطي صورة عن حقبة ماضية في تاريخ هذا الرجل عندما كان يعيش في مدينة المجمعة لعلها- إن شاء الله- تتيح الفرصة للمفكرين من أبناء المجمعة عن كشف الكثير من هذه الشخصية الفذة.